[ ص: 165 ] (
قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ( 9 )
وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ( 10 )
ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ( 11 ) )
(
فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ( 12 ) )
هذا
إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا معه غيره ، وهو الخالق لكل شيء ، القاهر لكل شيء ، المقدر لكل شيء ، فقال : (
قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ) أي : نظراء وأمثالا تعبدونها معه (
ذلك رب العالمين ) أي : الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم .
وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى : (
خلق السموات والأرض في ستة أيام ) [ الأعراف : 54 ] ، ففصل هاهنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء ، فذكر أنه
خلق الأرض أولا ؛ لأنها كالأساس ، والأصل أن يبدأ بالأساس ، ثم بعده بالسقف ، كما قال : (
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ) الآية [ البقرة : 29 ] ، .
فأما قوله : (
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم ) [ النازعات : 27 - 33 ] ففي هذه الآية أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء ، فالدحي هو مفسر بقوله : (
أخرج منها ماءها ومرعاها ) ، وكان هذا بعد خلق السماء ، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص ، وبهذا أجاب
ابن عباس فيما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عند تفسير هذه الآية من صحيحه ، فإنه قال :
وقال
المنهال ، عن
سعيد بن جبير قال : قال رجل
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي قال : (
فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ المؤمنون : 101 ] ، (
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) [ الصافات : 27 ] ، (
ولا يكتمون الله حديثا ) [ النساء : 42 ] ، (
والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] ، فقد كتموا في هذه الآية ؟ وقال : (
أم السماء بناها ) إلى قوله : (
دحاها ) [ النازعات : 27 - 30 ] ، فذكر خلق السماء قبل [ خلق ] الأرض ثم قال : (
قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) إلى قوله : ( طائعين ) فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء ؟ وقال : (
وكان الله غفورا رحيما ) [ النساء : 96 ] ، (
عزيزا حكيما ) [ النساء : 56 ] ، (
سميعا بصيرا ) [ النساء : 58 ] ، فكأنه كان ثم مضى .
قال - يعني
ابن عباس - : (
فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) في النفخة الأولى ، ثم ينفخ في الصور ، (
فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) [ الزمر : 68 ] ، فلا أنساب بينهم عند
[ ص: 166 ] ذلك ولا يتساءلون ، ثم في النفخة الأخرى (
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون )
وأما قوله : (
ما كنا مشركين ) (
ولا يكتمون الله حديثا ) ، فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فقال المشركون : تعالوا نقول : " لم نكن مشركين " ، فيختم على أفواههم ، فتنطق أيديهم ، فعند ذلك يعرف أن الله لا يكتم حديثا ، وعنده (
يود الذين كفروا ) الآية [ الحجر : 2 ] .
وخلق الأرض في يومين ، ثم خلق السماء ، ثم استوى إلى السماء ، فسواهن في يومين آخرين ، ثم دحى الأرض ، ودحيها : أن أخرج منها الماء والمرعى ، وخلق الجبال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين ، فذلك قوله : ( دحاها ) وقوله (
خلق الأرض في يومين ) فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وخلقت السماوات في يومين .
(
وكان الله غفورا رحيما ) [ النساء : 96 ] ، سمى نفسه بذلك ، وذلك قوله ، أي : لم يزل كذلك ; فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد ، فلا يختلفن عليك القرآن ، فإن كلا من عند الله عز وجل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنيه
nindex.php?page=showalam&ids=17406يوسف بن عدي ، حدثنا
عبيد الله بن عمرو ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال - هو ابن عمرو - بالحديث .
فقوله : (
خلق الأرض في يومين ) يعني : يوم الأحد ويوم الاثنين .
(
وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها ) أي : جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس ، (
وقدر فيها أقواتها ) ، وهو : ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس ، يعني : يوم الثلاثاء والأربعاء ، فهما مع اليومين السابقين أربعة ; ولهذا قال تعالى : (
في أربعة أيام سواء للسائلين ) أي : لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه .
وقال
مجاهد وعكرمة في قوله : (
وقدر فيها أقواتها ) جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها ، ومنه : العصب باليمن ، والسابري بسابور والطيالسة بالري .
وقال
ابن عباس ، وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي في قوله تعالى : (
سواء للسائلين ) أي : لمن أراد السؤال عن ذلك .
وقال
ابن زيد : معناه (
وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ) أي : على وفق مراد من له حاجة إلى رزق أو حاجة ، فإن الله قدر له ما هو محتاج إليه .
وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى : (
وآتاكم من كل ما سألتموه ) [ إبراهيم : 34 ] ، والله أعلم .
وقوله : (
ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) ، وهو : بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض ،
[ ص: 167 ] (
فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ) أي : استجيبا لأمري ، وانفعلا لفعلي طائعتين أو مكرهتين .
قال
الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس في قوله [ تعالى ] (
فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ) قال : قال الله تعالى للسموات : أطلعي شمسي وقمري ونجومي . وقال للأرض : شققي أنهارك ، وأخرجي ثمارك . فقالتا : (
أتينا طائعين )
واختاره
ابن جرير - رحمه الله .
(
قالتا أتينا طائعين ) أي : بل نستجيب لك مطيعين بما فينا ، مما تريد خلقه من الملائكة والإنس والجن جميعا مطيعين لك . حكاه
ابن جرير عن بعض أهل العربية قال : وقيل : تنزيلا لهن معاملة من يعقل بكلامهما .
وقيل إن المتكلم من الأرض بذلك هو مكان الكعبة ، ومن السماء ما يسامته منها ، والله أعلم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذابا يجدان ألمه . رواه
ابن أبي حاتم .
(
فقضاهن سبع سموات في يومين ) أي : ففرغ من تسويتهن سبع سموات في يومين ، أي : آخرين ، وهما يوم الخميس ويوم الجمعة .
(
وأوحى في كل سماء أمرها ) أي : ورتب مقررا في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة ، وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو ، (
وزينا السماء الدنيا بمصابيح ) وهن الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض ، ( وحفظا ) أي : حرسا من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى .
( ذلك تقدير العزيز العليم ) أي : العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره ، العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم .
قال
ابن جرير : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري ، حدثنا
أبو بكر بن عياش ، عن
أبي سعيد البقال ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس - قال
هناد : قرأت سائر الحديث -
nindex.php?page=hadith&LINKID=826056أن اليهود أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن خلق السماوات والأرض ، فقال : " خلق الله الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع ، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب ، فهذه أربعة : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ) لمن سأل ، قال : " وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه ، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال ، حين يموت من مات ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وفي الثالثة آدم ، وأسكنه الجنة ، وأمر إبليس بالسجود له ، وأخرجه منها في آخر ساعة " . ثم قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟ قال : " ثم استوى على العرش " . قالوا : قد أصبت لو أتممت . قالوا : [ ص: 168 ] ثم استراح . فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - غضبا شديدا ، فنزل : ( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون ) [ ق : 38 ] .
هذا الحديث فيه غرابة . فأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
إسماعيل بن أمية ، عن
أيوب بن خالد ، عن
عبد الله بن رافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822854خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة ، فيما بين العصر إلى الليل " فقد رواه
مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في كتابيهما ، عن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج به . وهو من غرائب الصحيح ، وقد علله
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في التاريخ فقال : رواه بعضهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة [ رضي الله عنه ] عن
كعب الأحبار ، وهو الأصح .