[ ص: 174 ] (
وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ( 25 )
وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ( 26 )
فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ( 27 )
ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ( 28 )
وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين ( 29 ) )
يذكر تعالى أنه هو الذي أضل المشركين ، وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته ، وهو الحكيم في أفعاله ، بما قيض لهم من
القرناء من شياطين الإنس والجن : (
فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ) أي : حسنوا لهم أعمالهم في الماضي ، وبالنسبة إلى المستقبل فلم يروا أنفسهم إلا محسنين ، كما قال تعالى : (
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ) [ الزخرف : 36 ، 37 ] .
وقوله تعالى : (
وحق عليهم القول ) أي : كلمة العذاب كما حق على أمم قد خلت من قبلهم ، ممن فعل كفعلهم ، من الجن والإنس ، (
إنهم كانوا خاسرين ) أي : استووا هم وإياهم في الخسار والدمار .
وقوله تعالى : (
وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) أي
: تواصوا فيما بينهم ألا يطيعوا للقرآن ، ولا ينقادوا لأوامره ، (
والغوا فيه ) أي : إذا تلي لا تسمعوا له . كما قال
مجاهد : ( والغوا فيه ) يعني : بالمكاء والصفير والتخليط في المنطق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ القرآن ، قريش تفعله .
وقال
الضحاك ، عن
ابن عباس : ( والغوا فيه ) عيبوه .
وقال
قتادة : اجحدوا به ، وأنكروه وعادوه .
(
لعلكم تغلبون ) هذا
حال هؤلاء الجهلة من الكفار ، ومن سلك مسلكهم عند سماع القرآن . وقد أمر الله - سبحانه - عباده المؤمنين بخلاف ذلك فقال : (
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) [ الأعراف : 204 ] .
ثم قال تعالى : منتصرا للقرآن ، ومنتقما ممن عاداه من أهل الكفران :
( فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ) أي : في مقابلة ما اعتمدوه في القرآن وعند سماعه ، (
ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ) أي : بشر أعمالهم وسيئ أفعالهم (
ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين )
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
سلمة بن كهيل ، عن
مالك بن الحصين الفزاري ، عن أبيه ، عن
علي ،
[ ص: 175 ] رضي الله عنه ، في قوله : (
الذين أضلانا ) قال : إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه .
وهكذا روى حبة
العرني عن
علي ، مثل ذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
علي : فإبليس يدعو به كل صاحب شرك ، وابن آدم يدعو به كل صاحب كبيرة ، فإبليس - لعنه الله - هو الداعي إلى كل شر من شرك فما دونه ، وابن آدم الأول . كما ثبت في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822366ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ; لأنه أول من سن القتل " .
وقوله (
نجعلهما تحت أقدامنا ) أي : أسفل منا في العذاب ليكونا أشد عذابا منا ; ولهذا قالوا : (
ليكونا من الأسفلين ) أي : في الدرك الأسفل من النار ، كما تقدم في " الأعراف " من سؤال الأتباع من الله أن يعذب قادتهم أضعاف عذابهم ، قال : (
لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) [ الأعراف : 38 ] أي : إنه تعالى قد أعطى كلا منهم ما يستحقه من العذاب والنكال ، بحسب عمله وإفساده ، كما قال تعالى : (
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) [ النحل : 88 ] .