[ ص: 184 ] (
ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ( 44 )
ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ( 45 ) )
لما ذكر تعالى
القرآن وفصاحته وبلاغته ، وإحكامه في لفظه ومعناه ، ومع هذا لم يؤمن به المشركون ، نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت ، كما قال : (
ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ) [ الشعراء : 198 ، 199 ] . وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم ، لقالوا على وجه التعنت والعناد : (
لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : لقالوا : هلا أنزل مفصلا بلغة العرب ، ولأنكروا ذلك وقالوا : أعجمي وعربي ؟ أي : كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه .
هكذا روي هذا المعنى عن
ابن عباس ،
ومجاهد ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وغيرهم .
وقيل : المراد بقولهم : (
لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : هلا أنزل بعضها بالأعجمي ، وبعضها بالعربي .
هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله (
أعجمي ) وهو رواية عن
سعيد بن جبير وهو في [ التعنت و ] العناد أبلغ .
ثم قال تعالى : (
قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) أي : قل يا
محمد :
هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب ، (
والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) أي : لا يفهمون ما فيه ، (
وهو عليهم عمى ) أي : لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال تعالى : (
وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] .
(
أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال
مجاهد : يعني بعيدا من قلوبهم .
قال
ابن جرير : معناه : كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد ، لا يفهمون ما يقول .
قلت : وهذا كقوله تعالى : (
ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) [ البقرة : 171 ] .
وقال
الضحاك : ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] جالسا عند رجل من المسلمين يقضي ، إذ قال : يا لبيكاه . فقال
عمر : لم تلبي ؟ هل رأيت أحدا ، أو دعاك أحد ؟ قال : دعاني داع من وراء البحر . فقال
عمر : أولئك ينادون من مكان بعيد . رواه
ابن أبي حاتم .
وقوله : (
ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ) أي : كذب وأوذي ، (
فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) [ الأحقاف : 35 ] . (
ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى ) [ الشورى : 14 ] بتأخير
[ ص: 185 ] الحساب إلى يوم المعاد ، (
لقضي بينهم ) أي : لعجل لهم العذاب ، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا (
وإنهم لفي شك منه مريب ) أي : وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ، بل كانوا شاكين فيما قالوا ، غير محققين لشيء كانوا فيه . هكذا وجهه
ابن جرير ، وهو محتمل ، والله أعلم .