[ ص: 189 ] تفسير سورة الشورى وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
( حم ( 1 )
عسق ( 2 )
كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ( 3 )
له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم ( 4 )
تكاد السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم ( 5 )
والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل ( 6 ) )
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة . وقد روى
ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا منكرا ، فقال :
حدثنا
أحمد بن زهير ، حدثنا
عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، حدثنا
أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، عن
أرطاة بن المنذر قال : جاء رجل إلى
ابن عباس فقال له - وعنده
حذيفة بن اليمان - : أخبرني عن تفسير قول الله : (
حم عسق ) قال : فأطرق ثم أعرض عنه ، ثم كرر مقالته فأعرض عنه ، فلم يجبه بشيء وكره مقالته ، ثم كررها الثالثة فلم يحر إليه شيئا . فقال
حذيفة : أنا أنبئك بها ، قد عرفت لم كرهها ؟ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له "
عبد الإله " - أو :
عبد الله - ينزل على نهر من أنهار المشرق تبنى عليه مدينتان ، يشق النهر بينهما شقا ، فإذا أذن الله في زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم ، بعث الله على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة وقد احترقت ، كأنها لم تكن مكانها ، وتصبح صاحبتها متعجبة : كيف أفلتت ؟ فما هو إلا بياض يومها ذلك ، حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم ، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا ، فذلك قوله : (
حم عسق ) يعني : عزيمة من الله تعالى وفتنة وقضاء . (
حم ) : حم . عين : يعني عدلا منه ، سين : يعني سيكون ، ق : يعني واقعا بهاتين المدينتين .
وأغرب منه ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12201الحافظ أبو يعلى الموصلي في الجزء الثاني من مسند
ابن عباس ، وعن
أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، ولكن إسناده ضعيف جدا ومنقطع ، فإنه قال :
حدثنا
أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ، حدثنا
أبو عبد الملك الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي ، عن
أبي معاوية قال : صعد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب المنبر فقال : أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفسر (
حم عسق ) ؟ فوثب
ابن عباس فقال : أنا : قال : " (
حم ) اسم
من أسماء الله تعالى " قال : فعين ؟ قال : " عاين المولون عذاب يوم
بدر " قال : فسين ؟ قال : " سيعلم الذين ظلموا أي منقلب
[ ص: 190 ] ينقلبون " قال : فقاف ؟ فسكت فقام
أبو ذر ، ففسر كما قال
ابن عباس ، رضي الله عنهما ، وقال : قاف : قارعة من السماء تغشى الناس .
وقوله : (
كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ) أي : كما أنزل إليك هذا القرآن ، كذلك أنزل الكتب والصحف على الأنبياء قبلك . وقوله : (
الله العزيز ) أي : في انتقامه ، (
الحكيم ) في أقواله وأفعاله .
قال : الإمام
مالك - رحمه الله - عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه ، عن
عائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822867أن الحارث بن هشام سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي فيفصم عني قد وعيت ما قال . وأحيانا يأتيني الملك رجلا فيكلمني ، فأعي ما يقول " قالت عائشة فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصد عرقا .
أخرجاه في الصحيحين ، ولفظه
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري .
وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
عبد الله ابن الإمام أحمد ، عن أبيه ، عن
عامر بن صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة ، عن
الحارث بن هشام ; nindex.php?page=hadith&LINKID=826066أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف ينزل عليك الوحي ؟ فقال : " مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قاله " قال : " وهو أشده علي " قال : " وأحيانا يأتيني الملك فيتمثل لي فيكلمني فأعي ما يقول " .
وقال : الإمام
أحمد : حدثنا
قتيبة ، حدثنا
ابن لهيعة ، عن
يزيد بن أبي حبيب ، عن
عمرو بن الوليد ، عن
عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822868سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، هل تحس بالوحي ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك ، فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض " تفرد به
أحمد .
وقد ذكرنا
كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، بما أغنى عن إعادته هاهنا ، ولله الحمد والمنة .
وقوله تعالى : (
له ما في السموات وما في الأرض ) أي : الجميع عبيد له وملك له ، تحت قهره وتصريفه ، (
وهو العلي العظيم ) كقوله تعالى : (
الكبير المتعال ) [ الرعد : 9 ] (
وهو العلي الكبير ) [ سبأ : 23 ] والآيات في هذا كثيرة .
وقوله : (
تكاد السموات يتفطرن من فوقهن ) قال
ابن عباس ،
والضحاك ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار : أي فرقا ، من العظمة (
والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ) كقوله : (
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) [ غافر : 7 ] .
[ ص: 191 ] .
وقوله : (
ألا إن الله هو الغفور الرحيم ) إعلام بذلك وتنويه به .
وقوله : (
والذين اتخذوا من دونه أولياء ) يعني : المشركين ، (
الله حفيظ عليهم ) أي : شهيد على أعمالهم ، يحصيها ويعدها عدا ، وسيجزيهم بها أوفر الجزاء . (
وما أنت عليهم بوكيل ) أي : إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل .