(
فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( 36 )
والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ( 37 )
والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ( 38 )
والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( 39 ) )
يقول تعالى محقرا بشأن الحياة الدنيا وزينتها ، وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني ، بقوله : (
فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ) أي : مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به ، فإنما هو متاع الحياة الدنيا ، وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة ، (
وما عند الله خير وأبقى ) أي : وثواب الله خير من الدنيا ، وهو باق سرمدي ، فلا تقدموا الفاني على الباقي ; ولهذا قال : (
للذين آمنوا ) أي : للذين صبروا على ترك الملاذ في الدنيا ، (
وعلى ربهم يتوكلون ) أي : ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحرمات .
ثم قال : (
والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ) وقد قدمنا الكلام على الإثم والفواحش في " سورة الأعراف " (
وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) أي : سجيتهم [ وخلقهم وطبعهم ] تقتضي الصفح والعفو عن الناس ، ليس سجيتهم الانتقام من الناس .
وقد ثبت في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=822887أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما انتقم لنفسه قط ، إلا أن تنتهك حرمات الله وفي حديث آخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822888 " كان يقول لأحدنا عند المعتبة : ما له ؟ تربت جبينه " .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14771ابن أبي عمر ، حدثنا
سفيان ، عن
زائدة ، عن
منصور ، عن
إبراهيم قال : كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا ، وكانوا إذا قدروا عفوا .
[ ص: 211 ]
وقوله : (
والذين استجابوا لربهم ) أي : اتبعوا رسله وأطاعوا أمره ، واجتنبوا زجره ، (
وأقاموا الصلاة ) وهي
أعظم العبادات لله عز وجل ، (
وأمرهم شورى بينهم ) أي : لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه ، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها ، كما قال تعالى : (
وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ) [ آل عمران : 159 ] ولهذا كان عليه [ الصلاة ] والسلام ، يشاورهم في الحروب ونحوها ، ليطيب بذلك قلوبهم . وهكذا لما حضرت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] الوفاة حين طعن ، جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر ، وهم :
عثمان ،
وعلي ،
وطلحة ،
والزبير ،
وسعد ،
nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنهم أجمعين ، فاجتمع رأي الصحابة كلهم على تقديم
عثمان عليهم ، رضي الله عنهم ، (
ومما رزقناهم ينفقون ) وذلك بالإحسان إلى خلق الله ، الأقرب إليهم منهم فالأقرب .
وقوله : (
والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) أي : فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم واعتدى عليهم ، ليسوا بعاجزين ولا أذلة ، بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم ، وإن كانوا مع هذا إذا قدروا عفوا ، كما قال
يوسف ، عليه السلام ، لإخوته : (
لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم [ وهو أرحم الراحمين ] ) [ يوسف : 92 ] ، مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم إليه ، وكما عفا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولئك النفر الثمانين الذين قصدوه عام
الحديبية ، ونزلوا من
جبل التنعيم ، فلما قدر عليهم من عليهم مع قدرته على الانتقام ، وكذلك عفوه عن
غورث بن الحارث ، الذي أراد الفتك به [ عليه السلام ] حين اخترط سيفه وهو نائم ، فاستيقظ ، عليه السلام ، وهو في يده صلتا ، فانتهره فوضعه من يده ، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السيف من يده ، ودعا أصحابه ، ثم أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرجل ، وعفا عنه . وكذلك عفا عن
nindex.php?page=showalam&ids=10لبيد بن الأعصم ، الذي سحره ، عليه السلام ، ومع هذا لم يعرض له ، ولا عاتبه ، مع قدرته عليه . وكذلك عفوه ، عليه السلام ، عن المرأة اليهودية - وهي
زينب أخت
مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله
محمود بن مسلمة - التي سمت الذراع يوم
خيبر ، فأخبره الذراع بذلك ، فدعاها فاعترفت فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822889 " ما حملك على ذلك " قالت : أردت إن كنت نبيا لم يضرك ، وإن لم تكن نبيا استرحنا منك ، فأطلقها ، عليه الصلاة والسلام ، ولكن لما مات منه
nindex.php?page=showalam&ids=1054بشر بن البراء قتلها به ، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا ، والحمد لله .