[ ص: 225 ] (
وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ( 26 )
إلا الذي فطرني فإنه سيهدين ( 27 )
وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ( 28 )
بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ( 29 )
ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ( 30 )
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( 31 )
أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ( 32 )
ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ( 33 ) )
(
ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون ( 34 )
وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ( 35 ) )
يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ، ووالد من بعث بعده من الأنبياء ، الذي تنتسب إليه
قريش في نسبها ومذهبها : أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان ، فقال : (
إنني براء مما تعبدون . إلا الذي فطرني فإنه سيهدين . وجعلها كلمة باقية في عقبه ) أي : هذه الكلمة ، وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وخلع ما سواه من الأوثان ، وهي " لا إله إلا الله " أي : جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية
إبراهيم ، عليه السلام ، (
لعلهم يرجعون ) أي : إليها .
وقال
عكرمة ،
ومجاهد ،
والضحاك ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وغيرهم في قوله تعالى : (
وجعلها كلمة باقية في عقبه ) يعني : لا إله إلا الله ، لا يزال في ذريته من يقولها . وروي نحوه عن
ابن عباس .
وقال
ابن زيد : كلمة الإسلام . وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة .
ثم قال تعالى : (
بل متعت هؤلاء ) يعني : المشركين ، ( وآباءهم ) أي : فتطاول عليهم العمر في ضلالهم ، (
حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) أي : بين الرسالة والنذارة .
(
ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ) أي : كابروه وعاندوه ودفعوا بالصدور والراح كفرا وحسدا وبغيا ، ( وقالوا ) [ أي ] كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس : (
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) أي : هلا كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين ؟ يعنون
مكة والطائف . قاله
ابن عباس ، وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي ، وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
وابن زيد .
[ ص: 226 ]
وقد ذكر غير واحد منهم : أنهم أرادوا بذلك
الوليد بن المغيرة ، وعروة بن مسعود الثقفي .
وقال
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : يعنون
الوليد بن المغيرة ، ومسعود بن عمرو الثقفي .
وعن
مجاهد :
عمير بن عمرو بن مسعود الثقفي . وعنه أيضا : أنهم يعنون
الوليد بن المغيرة ، وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي .
وعن
مجاهد : يعنون
عتبة بن ربيعة بمكة ، وابن عبد ياليل بالطائف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : عنوا [ بذلك ]
الوليد بن المغيرة ، وكنانة بن عمرو بن عمير الثقفي .
والظاهر : أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان .
قال الله تعالى رادا عليهم في هذا الاعتراض : (
أهم يقسمون رحمة ربك ) ؟ أي : ليس الأمر مردودا إليهم ، بل إلى الله ، عز وجل ، والله أعلم حيث يجعل رسالاته ، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلبا ونفسا ، وأشرفهم بيتا وأطهرهم أصلا .
ثم قال تعالى مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم ، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة ، فقال : (
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )
وقوله : (
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) قيل : معناه ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال ، لاحتياج هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره .
وقال
قتادة والضحاك : ليملك بعضهم بعضا . وهو راجع إلى الأول .
ثم قال : (
ورحمة ربك خير مما يجمعون ) أي : رحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا .
ثم قال تعالى : (
ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) أي : لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه ، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال - هذا معنى قول
ابن عباس ، والحسن ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وغيرهم - (
لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) أي سلالم ودرجا من فضة - قاله
ابن عباس ، ومجاهد ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي :
وابن زيد ، وغيرهم - (
عليها يظهرون ) ، أي : يصعدون .
(
ولبيوتهم أبوابا ) أي : أغلاقا على أبوابهم (
وسررا عليها يتكئون ) ، أي : جميع ذلك يكون فضة ، ( وزخرفا ) ، أي : وذهبا . قاله
ابن عباس ، وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
وابن زيد .
[ ص: 227 ]
ثم قال : (
وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ) أي : إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله [ تعالى ] أي : يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله حسنة يجزيهم بها ، كما ورد به الحديث الصحيح . [ وقد ] ورد في حديث آخر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822901لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى منها كافرا شربة ماء " ، أسنده
البغوي من رواية
زكريا بن منظور ، عن
أبى حازم ، عن
سهل بن سعد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من طريق
زمعة بن صالح ، عن
أبي حازم عن
سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826085لو عدلت الدنيا جناح بعوضة ، ما أعطى كافرا منها شيئا " .
ثم قال : (
والآخرة عند ربك للمتقين ) أي : هي لهم خاصة لا يشاركهم : فيها [ أحد ] غيرهم ولهذا لما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صعد إليه في تلك المشربة لما آلى من نسائه ، فرآه [
عمر ] على رمال حصير قد أثر بجنبه فابتدرت عيناه بالبكاء وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826086يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متكئا فجلس وقال : " أوفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ " ثم قال : " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا " وفي رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822902أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ "
وفي الصحيحين أيضا وغيرهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822903لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة " . وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها ، كما روى
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من طريق
أبي حازم ، عن
سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822904لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى منها كافرا شربة ماء أبدا " ، قال
الترمذي : حسن صحيح .