(
قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ( 81 )
سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون ( 82 )
فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ( 83 )
وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم ( 84 )
وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون ( 85 )
ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ( 86 )
ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ( 87 )
وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ( 88 )
فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ( 89 ) )
يقول تعالى : ( قل ) يا
محمد : (
إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي : لو فرض هذا لعبدته
[ ص: 242 ] على ذلك لأني عبد من عبيده ، مطيع لجميع ما يأمرني به ، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته ، فلو فرض كان هذا ، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى ، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا ، كما قال تعالى : (
لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار ) [ الزمر : 4 ] .
[ و ] قال بعض المفسرين في قوله : (
فأنا أول العابدين ) أي : الآنفين . ومنهم
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري nindex.php?page=showalam&ids=12070، والبخاري حكاه فقال : ويقال : (
أول العابدين ) الجاحدين ، من عبد يعبد .
وذكر
ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، عن
ابن وهب ، حدثني
ابن أبي ذئب ، عن
أبي قسيط ، عن
بعجة بن زيد الجهني ; أن امرأة منهم دخلت على زوجها - وهو رجل منهم أيضا - فولدت له في ستة أشهر ، فذكر ذلك زوجها
لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - فأمر بها أن ترجم ، فدخل عليه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال : إن الله يقول في كتابه : (
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ الأحقاف : 15 ] ، وقال (
وفصاله في عامين ) [ لقمان : 14 ] ، قال : فوالله ما عبد عثمان - رضي الله عنه - أن بعث إليها ترد - قال
يونس : قال
ابن وهب : عبد : استنكف .
[ و ] قال الشاعر :
متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله ويعبد عليه لا محالة ظالما
وهذا القول فيه نظر ; لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره : إن كان هذا فأنا ممتنع منه ؟ هذا فيه نظر ، فليتأمل . اللهم إلا أن يقال : " إن " ليست شرطا ، وإنما هي نافية كما قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله : (
قل إن كان للرحمن ولد ) ، يقول : لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين .
وقال
قتادة : هي كلمة من كلام العرب : (
قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي : إن ذلك لم يكن فلا ينبغي .
وقال
أبو صخر : (
قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي : فأنا أول من عبده بأن لا ولد له ، وأول من وحده . وكذا قال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وقال
مجاهد : (
فأنا أول العابدين ) أي : أول من عبده ووحده وكذبكم .
[ ص: 243 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : (
فأنا أول العابدين ) الآنفين . وهما لغتان ، رجل عابد وعبد .
والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ، ولكن هو ممتنع .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي [ في قوله ] (
قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) يقول : لو كان له ولد كنت أول من عبده ، بأن له ولدا ، لكن لا ولد له . وهو اختيار
ابن جرير ، ورد قول من زعم أن " إن " نافية .
ولهذا قال : (
سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون ) أي : تعالى وتقدس وتنزه خالق الأشياء عن أن يكون له ولد ، فإنه فرد أحد صمد ، لا نظير له ولا كفء له ، فلا ولد له .
وقوله : (
فذرهم يخوضوا ) أي : في جهلهم وضلالهم (
ويلعبوا ) في دنياهم (
حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) وهو يوم القيامة ، أي : فسوف يعلمون كيف يكون مصيرهم ، ومآلهم ، وحالهم في ذلك اليوم .
وقوله : (
وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) أي : هو إله من في السماء ، وإله من في الأرض ، يعبده أهلهما ، وكلهم خاضعون له ، أذلاء بين يديه ، (
وهو الحكيم العليم )
وهذه الآية كقوله تعالى : (
وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) [ الأنعام : 3 ] أي : هو المدعو الله في السموات والأرض .
(
وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما ) أي : هو خالقهما ومالكهما والمتصرف فيهما ، بلا مدافعة ولا ممانعة ، فسبحانه وتعالى عن الولد ، وتبارك : أي استقر له السلامة من العيوب والنقائص ; لأنه الرب العلي العظيم ، المالك للأشياء ، الذي بيده أزمة الأمور نقضا وإبراما ، (
وعنده علم الساعة ) أي : لا يجليها لوقتها إلا هو ، ( وإليه ترجعون ) أي : فيجازي كلا بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
ثم قال تعالى : (
ولا يملك الذين يدعون من دونه ) أي : من الأصنام والأوثان ) الشفاعة ) أي : لا يقدرون على الشفاعة لهم ، (
إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) هذا استثناء منقطع ، أي : لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم ، فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له .
ثم قال : (
ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ) أي : ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره (
من خلقهم ليقولن الله ) أي : هم يعترفون أنه الخالق للأشياء جميعها ، وحده لا شريك له في ذلك ، ومع هذا يعبدون معه غيره ، ممن لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء ، فهم في
[ ص: 244 ] ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ; ولهذا قال : (
فأنى يؤفكون )
وقوله : (
وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) أي : وقال :
محمد : قيله ، أي : شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه ، فقال : يا رب ، إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ، كما أخبر تعالى في الآية الأخرى : (
وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) [ الفرقان : 30 ] وهذا الذي قلناه هو [ معنى ] قول
ابن مسعود ، ومجاهد ،
وقتادة ، وعليه فسر
ابن جرير .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - يعني ابن مسعود - : " وقال الرسول يا رب " .
وقال
مجاهد في قوله : (
وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) ، قال : فأبر الله قول
محمد .
وقال
قتادة : هو قول نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يشكو قومه إلى ربه عز وجل .
ثم حكى
ابن جرير في قوله : (
وقيله يارب ) قراءتين ، إحداهما النصب ، ولها توجيهان : أحدهما أنه معطوف على قوله : (
نسمع سرهم ونجواهم ) [ الزخرف : 80 ] والثاني : أن يقدر فعل ، وقال : قيله . والثانية : الخفض ، وقيله ، عطفا على قوله : (
وعنده علم الساعة ) تقديره : وعلم قيله .
وقوله : (
فاصفح عنهم ) أي : المشركين ، (
وقل سلام ) أي : لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيئ ، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلا وقولا (
فسوف يعلمون ) ، هذا تهديد منه تعالى لهم ، ولهذا أحل بهم بأسه الذي لا يرد ، وأعلى دينه وكلمته ، وشرع بعد ذلك الجهاد والجلاد ، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا ، وانتشر الإسلام في المشارق والمغارب .
آخر تفسير سورة الزخرف