(
أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ( 21 )
وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ( 22 )
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ( 23 ) )
يقول تعالى : (
لا يستوي المؤمنون والكافرون ، كما قال : (
لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) [ الحشر : 20 ] وقال هاهنا : (
أم حسب الذين اجترحوا السيئات ) أي : عملوها وكسبوها (
أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ) أي : نساويهم بهم في الدنيا والآخرة ! (
ساء ما يحكمون ) أي : ساء ما ظنوا بنا وبعدلنا أن نساوي بين الأبرار والفجار في الدار الآخرة ، وفي هذه الدار .
قال الحافظ
أبو يعلى : حدثنا
مؤمل بن إهاب ، حدثنا
بكير بن عثمان التنوخي ، حدثنا
الوضين بن عطاء ، عن
يزيد بن مرثد الباجي ، عن
أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : إن الله بنى دينه على أربعة أركان ، فمن صبر عليهن ولم يعمل بهن لقي الله [ وهو ] من الفاسقين . قيل : وما هن يا أبا ذر ؟ قال : يسلم حلال الله لله ، وحرام الله لله ، وأمر الله لله ، ونهي الله لله ، لا يؤتمن عليهن إلا الله .
[ ص: 268 ]
قال
أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - : "
كما أنه لا يجتنى من الشوك العنب ، كذلك لا ينال الفجار منازل الأبرار " .
هذا حديث غريب من هذا الوجه . وقد ذكر
محمد بن إسحاق في كتاب " السيرة " أنهم وجدوا حجرا
بمكة في أس الكعبة مكتوب عليه : تعملون السيئات وترجون الحسنات ؟ أجل كما يجتنى من الشوك العنب .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث
شعبة ، عن
عمرو بن مرة ، عن
أبي الضحى ، عن
مسروق ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=155تميما الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الآية : (
أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ; ولهذا قال تعالى : (
ساء ما يحكمون )
، وقال (
وخلق الله السموات والأرض بالحق ) أي : بالعدل ، (
ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ) .
ثم قال [ تعالى ] (
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) أي : إنما يأتمر بهواه ، فمهما رآه حسنا فعله ، ومهما رآه قبيحا تركه : وهذا قد يستدل به على
المعتزلة في قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين .
وعن
مالك فيما روي عنه من التفسير : لا يهوى شيئا إلا عبده .
وقوله : (
وأضله الله على علم ) يحتمل قولين :
أحدهما : وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك . والآخر : وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه ، وقيام الحجة عليه . والثاني يستلزم الأول ، ولا ينعكس .
(
وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) أي : فلا يسمع ما ينفعه ، ولا يعي شيئا يهتدي به ، ولا يرى حجة يستضيء بها ; ولهذا قال : (
فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) كقوله : (
من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ الأعراف : 186 ] .