(
وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ( 24 )
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ( 25 )
قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 26 ) )
يخبر تعالى عن
قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد : (
وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا )
[ ص: 269 ] أي : ما ثم إلا هذه الدار ، يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد ، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم ، وهم ينكرون البداءة والرجعة ، ويقوله
الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه . وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى ، فكابروا المعقول وكذبوا المنقول ؛ ولهذا قالوا (
وما يهلكنا إلا الدهر ) قال الله تعالى : (
وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) أي : يتوهمون ويتخيلون .
فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح
، وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، من رواية
سفيان بن عيينة ، عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822917قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ; يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أقلب ليله ونهاره " وفي رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822918لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر " .
وقد أورده
ابن جرير بسياق غريب جدا فقال : حدثنا
أبو كريب ، حدثنا
سفيان بن عيينة ، عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826115كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ، وهو الذي يهلكنا ، يميتنا ويحيينا ، فقال الله في كتابه : ( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) قال : " ويسبون الدهر ، فقال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار " .
وكذا رواه
ابن أبي حاتم ، عن
أحمد بن منصور ، عن
شريح بن النعمان ، عن
ابن عيينة مثله : ثم روي عن
يونس ، عن
ابن وهب ، عن
الزهري ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822919قال الله تعالى : يسب ابن آدم الدهر ، وأنا الدهر ، بيدي الليل والنهار " .
وأخرجه صاحبا الصحيح
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، من حديث
يونس بن زيد ، به .
وقال
محمد بن إسحاق عن
العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822920يقول الله : استقرضت عبدي فلم يعطني ، وسبني عبدي ، يقول : وادهراه . وأنا الدهر " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله ، عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822918لا تسبوا الدهر ; فإن الله هو الدهر " : كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة ، قالوا : يا
[ ص: 270 ] خيبة الدهر . فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه ، وإنما فاعلها هو الله [ عز وجل ] فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل ; لأنه فاعل ذلك في الحقيقة ، فلهذا نهي عن سب الدهر بهذا الاعتبار ; لأن الله هو الدهر الذي يعنونه ، ويسندون إليه تلك الأفعال .
هذا أحسن ما قيل في تفسيره ، وهو المراد ، والله أعلم . وقد غلط
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ومن نحا نحوه من
الظاهرية في
عدهم الدهر من الأسماء الحسنى ، أخذا من هذا الحديث . .
وقوله تعالى : (
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ) أي : إذا استدل عليهم وبين لهم الحق ، وأن
الله قادر على إعادة الأبدان بعد فنائها وتفرقها ، (
ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) أي : أحيوهم إن كان ما تقولونه حقا .
قال الله تعالى : (
قل الله يحييكم ) أي : كما تشاهدون ذلك يخرجكم من العدم إلى الوجود ، (
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ) [ البقرة : 28 ] أي : الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى . . (
وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم 27 ] ، (
ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) أي : إنما يجمعكم ليوم القيامة لا يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا : (
ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) (
يوم يجمعكم ليوم الجمع ) [ التغابن : 9 ] (
لأي يوم أجلت . ليوم الفصل ) [ المرسلات : 12 ، 13 ] ، (
وما نؤخره إلا لأجل معدود ) [ هود : 104 ] وقال هاهنا : (
ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) أي : لا شك فيه ، (
ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي : فلهذا ينكرون المعاد ، ويستبعدون قيام الأجساد ، قال الله تعالى : (
إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) [ المعارج : 6 ، 7 ] أي : يرون وقوعه بعيدا ، والمؤمنون يرون ذلك سهلا قريبا .