[ ص: 274 ] تفسير سورة الأحقاف وهي مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
حم ( 1 )
تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ( 2 )
ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون ( 3 )
قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ( 4 )
ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ( 5 )
وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ( 6 ) ) .
يخبر تعالى أنه نزل الكتاب على عبده ورسوله
محمد ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، ووصف نفسه بالعزة التي لا ترام ، والحكمة في الأقوال والأفعال ، ثم قال : (
ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) أي : لا على وجه العبث والباطل ، (
وأجل مسمى ) أي : إلى مدة معينة مضروبة لا تزيد ولا تنقص .
قوله : (
والذين كفروا عما أنذروا معرضون ) أي : لاهون عما يراد بهم ، وقد أنزل إليهم كتابا وأرسل إليهم رسول ، وهم معرضون عن ذلك كله ، أي : وسيعلمون غب ذلك .
ثم قال : ( قل ) أي : لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره : (
أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض ) أي : أرشدوني إلى المكان الذي استقلوا بخلقه من الأرض ، (
أم لهم شرك في السموات ) أي : ولا شرك لهم في السموات ولا في الأرض ، وما يملكون من قطمير ، إن الملك والتصرف كله إلا لله ، عز وجل ، فكيف تعبدون معه غيره ، وتشركون به ؟ من أرشدكم إلى هذا ؟ من دعاكم إليه ؟ أهو أمركم به ؟ أم هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم ؟ ولهذا قال : (
ائتوني بكتاب من قبل هذا ) أي : هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، يأمركم بعبادة هذه الأصنام ، (
أو أثارة من علم ) أي : دليل بين على هذا المسلك الذي سلكتموه (
إن كنتم صادقين ) أي : لا دليل لكم نقليا ولا عقليا على ذلك ; ولهذا قرأ آخرون : " أو أثرة من علم " أي : أو علم صحيح يأثرونه عن أحد ممن قبلهم ، كما قال
مجاهد في قوله : (
أو أثارة من علم ) أو أحد يأثر علما .
[ ص: 275 ]
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : أو بينة من الأمر .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
يحيى ، عن
سفيان ، حدثنا
صفوان بن سليم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن
ابن عباس قال
سفيان : لا أعلم إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أو أثرة من علم " قال : " الخط " .
وقال
أبو بكر بن عياش : أو بقية من علم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : ( أو أثارة ) شيء يستخرجه فيثيره .
وقال
ابن عباس ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر بن عياش أيضا : (
أو أثارة من علم ) يعني الخط .
وقال
قتادة : (
أو أثارة من علم ) خاصة من علم .
وكل هذه الأقوال متقاربة ، وهي راجعة إلى ما قلناه ، وهو اختيار
ابن جرير رحمه الله وأكرمه ، وأحسن مثواه .
وقوله : (
ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) أي :
لا أضل ممن يدعو أصناما ، ويطلب منها ما لا تستطيعه إلى يوم القيامة ، وهي غافلة عما يقول ، لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش ; لأنها جماد حجارة صم .
وقوله : (
وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) ، كقوله تعالى : (
واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) [ مريم : 81 ، 82 ] أي : سيخونونهم أحوج ما يكونون إليهم ، وقال
الخليل : (
إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ) [ العنكبوت : 25 ] .