(
قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( 10 )
وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ( 11 )
ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ( 12 )
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 13 )
أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ( 14 ) ) .
يقول تعالى : ( قل ) يا
محمد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن : (
أرأيتم إن كان ) هذا القرآن (
من عند الله وكفرتم به ) أي : ما ظنكم أن الله صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد أنزله
[ ص: 278 ] علي لأبلغكموه ، وقد كفرتم به وكذبتموه ، (
وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) أي : وقد شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء قبلي ، بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به .
وقوله : ( فآمن ) أي : هذا الذي شهد بصدقه من
بني إسرائيل لمعرفته بحقيته ) واستكبرتم ) أنتم : عن اتباعه .
وقال
مسروق : فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه ، وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم (
إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
وهذا الشاهد اسم جنس يعم
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام وغيره ؛ فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام . وهذه كقوله : (
وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ) [ القصص : 53 ] ، وقال : (
إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] .
قال
مسروق ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي : ليس
بعبد الله بن سلام ، هذه الآية مكية ، وإسلام
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام كان
بالمدينة . رواه عنهما
ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، واختاره
ابن جرير .
وقال
مالك ، عن
أبي النضر ، عن
عامر بن سعد ، عن أبيه قال : ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على وجه الأرض : " إنه من أهل الجنة " ، إلا لعبد الله بن سلام ، قال : وفيه نزلت : (
وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله )
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، من حديث
مالك ، به . وكذا قال
ابن عباس ، ومجاهد ،
والضحاك ،
وقتادة ،
وعكرمة ،
ويوسف بن عبد الله بن سلام ، وهلال بن يساف nindex.php?page=showalam&ids=14468، والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس ، وابن زيد ; أنهم كلهم قالوا : إنه
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام .
وقوله تعالى : (
وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) أي : قالوا عن المؤمنين بالقرآن : لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه . يعنون
بلالا وعمارا وصهيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم من المستضعفين والعبيد والإماء ، وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية . وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا ، وأخطئوا خطأ بينا ، كما قال تعالى : (
وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ) [ الأنعام : 53 ] أي : يتعجبون : كيف اهتدى هؤلاء دوننا ; ولهذا قالوا : (
لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) وأما
أهل السنة والجماعة فيقولون في
كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة : هو بدعة ; لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ؛ لأنهم
[ ص: 279 ] لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها .
وقوله : (
وإذ لم يهتدوا به ) أي : بالقرآن (
فسيقولون هذا إفك ) أي : كذب ) قديم ) أي : مأثور عن الأقدمين ، فينتقصون القرآن وأهله ، وهذا هو الكبر الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822923بطر الحق ، وغمط الناس " .
ثم قال : (
ومن قبله كتاب موسى ) وهو التوراة (
إماما ورحمة وهذا كتاب ) يعني القرآن ) مصدق ) أي : لما قبله من الكتب (
لسانا عربيا ) أي : فصيحا بينا واضحا ، (
لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ) أي : مشتمل على النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين .
وقوله : (
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) تقدم تفسيرها في سورة " حم ، السجدة " .
وقوله : (
فلا خوف عليهم ) أي : فيما يستقبلون ، (
ولا هم يحزنون ) على ما خلفوا ، (
أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ) أي :
الأعمال سبب لنيل الرحمة لهم وسبوغها عليهم .