(
والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين ( 17 )
أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ( 18 )
ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ( 19 )
ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ( 20 ) ) .
[ ص: 283 ] لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما وما لهم عنده من الفوز والنجاة ، عطف
بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال : (
والذي قال لوالديه أف لكما ) - وهذا عام في كل من قال هذا ، ومن زعم أنها نزلت في
عبد الرحمن بن أبي بكر فقوله ضعيف ; لأن
عبد الرحمن بن أبي بكر أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ، وكان من خيار أهل زمانه .
وروى
العوفي ، عن
ابن عباس : أنها نزلت في ابن
nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر الصديق . وفي صحة هذا نظر ، والله أعلم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : نزلت في
عبد الله بن أبي بكر . وهذا أيضا قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج .
وقال آخرون :
عبد الرحمن بن أبي بكر . وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . وإنما هذا عام في كل من عق والديه وكذب بالحق ، فقال لوالديه : (
أف لكما ) عقهما .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
محمد بن العلاء ، حدثنا
يحيى بن أبي زائدة ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، أخبرني
عبد الله بن المديني قال : إني لفي المسجد حين خطب
مروان ، فقال : إن الله أرى أمير المؤمنين في
يزيد رأيا حسنا ، وإن يستخلفه فقد استخلف
أبو بكر عمر ، فقال
عبد الرحمن بن أبي بكر : أهرقلية ؟ ! إن
أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ، ولا أحد من أهل بيته ، ولا جعلها
معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده . فقال
مروان : ألست الذي قال لوالديه : أف لكما ؟ فقال
عبد الرحمن : ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباك ؟ قال : وسمعتهما
عائشة فقالت : يا
مروان ، أنت القائل
لعبد الرحمن كذا وكذا ؟ كذبت ، ما فيه نزلت ، ولكن نزلت في فلان بن فلان . ثم انتحب
مروان ، ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها ، فجعل يكلمها حتى انصرف .
وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر ، فقال : حدثنا
موسى بن إسماعيل ، حدثنا
أبو عوانة ، عن
أبي بشر ، عن
يوسف بن ماهك قال : كان
مروان على
الحجاز ، استعمله
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان ، فخطب وجعل يذكر
يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له
عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا ، فقال : خذوه . فدخل بيت
عائشة ، رضي الله عنها ، فلم يقدروا عليه ، فقال
مروان : إن هذا الذي أنزل فيه : (
والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي ) فقالت
عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن ، إلا أن الله أنزل عذري .
طريق أخرى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
أمية بن خالد ، حدثنا
شعبة ، عن
محمد بن زياد قال : لما بايع
معاوية لابنه ، قال
مروان : سنة
أبي بكر وعمر . فقال
عبد الرحمن بن أبي [ ص: 284 ] بكر : سنة هرقل وقيصر . فقال
مروان : هذا الذي أنزل الله فيه : (
والذي قال لوالديه أف لكما ) الآية ، فبلغ ذلك
عائشة فقالت : كذب
مروان ! والله ما هو به ، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن
أبا مروان ومروان في صلبه
، فمروان فضض من لعنة الله .
وقوله : (
أتعدانني أن أخرج ) أي : [ أن ] أبعث (
وقد خلت القرون من قبلي ) أن قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر ، (
وهما يستغيثان الله ) أي : يسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما : (
ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين ) قال الله [ تعالى ] (
أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) أي : دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة .
وقوله : ( أولئك ) بعد قوله : ( والذي قال ) دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك .
وقال
الحسن وقتادة : هو الكافر الفاجر العاق لوالديه ، المكذب بالبعث .
وقد روى الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في ترجمة
سهل بن داود ، من طريق
هشام بن عمار : حدثنا
حماد بن عبد الرحمن ، حدثنا
خالد بن الزبرقان الحلبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16038سليمان بن حبيب المحاربي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
أربعة لعنهم الله من فوق عرشه ، وأمنت عليهم الملائكة : مضل المساكين - قال خالد : الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول : هلم أعطيك ، فإذا جاءه قال : ليس معي شيء - والذي يقول للمكفوف : اتق الدابة ، وليس بين يديه شيء . والرجل يسأل عن دار القوم فيدلونه على غيرها ، والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا " . غريب جدا .
وقوله : (
ولكل درجات مما عملوا ) أي : لكل عذاب بحسب عمله ، (
وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ) أي : لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها .
قال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : درجات النار تذهب سفالا ودرجات الجنة تذهب علوا .
وقوله : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) أي : يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا . وقد تورع [ أمير المؤمنين ] عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن كثير من طيبات المآكل والمشارب ، وتنزه عنها ، ويقول : [ إني ] أخاف أن أكون كالذين قال الله تعالى لهم وقرعهم : (
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها )
[ ص: 285 ]
وقال
أبو مجلز : ليتفقدن أقوام حسنات كانت لهم في الدنيا ، فيقال لهم : (
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا )
وقوله : (
فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) فجوزوا من جنس عملهم ، فكما
نعموا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق ، وتعاطوا الفسق والمعاصي ، جازاهم الله بعذاب الهون ، وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة ، والحسرات المتتابعة والمنازل في الدركات المفظعة ، أجارنا الله من ذلك كله .