(
أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ( 33 )
ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( 34 )
فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ( 35 ) ) .
يقول تعالى : (
أولم يروا ) أي : هؤلاء
المنكرون للبعث يوم القيامة ، المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد (
أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن ) أي : ولم يكرثه خلقهن ، بل قال لها : " كوني " فكانت ، بلا ممانعة ولا مخالفة ، بل طائعة مجيبة خائفة وجلة ، أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ كما قال في الآية الأخرى : (
لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ غافر : 57 ] ، ولهذا قال : (
بلى إنه على كل شيء قدير ) .
[ ص: 305 ] ثم قال متهددا ومتوعدا لمن كفر به : (
ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق ) أي : يقال لهم : أما هذا حق ؟ أفسحر هذا ؟ أم أنتم لا تبصرون ؟ (
قالوا بلى وربنا ) أي : لا يسعهم إلا الاعتراف ، (
قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) ثم قال تعالى آمرا رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه ، (
فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) أي : على تكذيب قومهم لهم . وقد اختلفوا في
تعداد أولي العزم على أقوال ، وأشهرها أنهم :
نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وخاتم الأنبياء كلهم
محمد - صلى الله عليه وسلم - قد نص الله على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي " الأحزاب " و " الشورى " ، وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل ، وتكون ) من ) في قوله : (
من الرسل ) لبيان الجنس ، والله أعلم . وقد قال
ابن أبي حاتم :
حدثنا
محمد بن الحجاج الحضرمي ، حدثنا
السري بن حيان ، حدثنا
عباد بن عباد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16878مجالد بن سعيد ، عن
الشعبي ، عن
مسروق قال : قالت لي
عائشة [ رضي الله عنها ] :
ظل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما ثم طواه ، ثم ظل صائما ثم طواه ، ثم ظل صائما ، [ ثم ] قال : " يا عائشة ، إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد . يا عائشة ، إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم ، فقال : ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) وإني - والله - لأصبرن كما صبروا جهدي ، ولا قوة إلا بالله "
(
ولا تستعجل لهم ) أي : لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم ، كقوله : (
وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ) [ المزمل : 11 ] ، وكقوله (
فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) [ الطارق : 17 ] .
(
كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) ، كقوله (
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) [ النازعات : 46 ] ، وكقوله (
ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) [ يونس : 45 ] ، [ وحاصل ذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ حين عاينوا يوم القيامة وشدائدها وطولها ] .
وقوله : ( بلاغ ) قال
ابن جرير : يحتمل معنيين ، أحدهما : أن يكون تقديره : وذلك لبث بلاغ . والآخر : أن يكون تقديره : هذا القرآن بلاغ .
وقوله : (
فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) أي : لا يهلك على الله إلا هالك ، وهذا من عدله تعالى أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب .
آخر تفسير سورة الأحقاف .