[ ص: 315 ] (
ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ( 16 )
والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ( 17 )
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ( 18 )
فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ( 19 ) ) .
يقول تعالى مخبرا عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويستمعون كلامه ولا يفهمون منه شيئا ، فإذا خرجوا من عنده (
قالوا للذين أوتوا العلم ) من الصحابة : (
ماذا قال آنفا ) أي : الساعة ، لا يعقلون ما يقال ، ولا يكترثون له .
قال الله تعالى : (
أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) أي : فلا فهم صحيح ، ولا قصد صحيح .
ثم قال : (
والذين اهتدوا زادهم هدى ) أي : والذين قصدوا الهداية وفقهم الله لها فهداهم إليها ، وثبتهم عليها وزادهم منها ، (
وآتاهم تقواهم ) أي : ألهمهم رشدهم .
وقوله : (
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ) أي : وهم غافلون عنها ، (
فقد جاء أشراطها ) أي : أمارات اقترابها ، كقوله تعالى : (
هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ) [ النجم : 56 ، 57 ] ، وكقوله : (
اقتربت الساعة وانشق القمر ) [ القمر : 1 ] وقوله : (
أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) [ النحل : 1 ] ، وقوله : (
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) [ الأنبياء : 1 ] فبعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة ; لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله به الدين ، وأقام به الحجة على العالمين . وقد أخبر - صلوات الله وسلامه عليه - بأمارات الساعة وأشراطها ، وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله ، كما هو مبسوط في موضعه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري :
بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة . وهو كما قال ; ولهذا جاء في أسمائه عليه السلام ، أنه نبي التوبة ، ونبي الملحمة ، والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه ، والعاقب الذي ليس بعده نبي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12235أحمد بن المقدام ، حدثنا
فضيل بن سليمان ، حدثنا
أبو حازم ، حدثنا
سهل بن سعد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826141رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بأصبعيه هكذا ، بالوسطى والتي تليها : " بعثت أنا والساعة كهاتين " .
ثم قال تعالى : (
فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) أي : فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة ، حيث لا ينفعهم ذلك ، كقوله تعالى : (
يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ) [ الفجر : 23 ] ،
[ ص: 316 ] (
وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ) [ سبأ : 52 ] .
وقوله : (
فاعلم أنه لا إله إلا الله ) هذا إخبار : بأنه لا إله إلا الله ، ولا يتأتى كونه آمرا بعلم ذلك ; ولهذا عطف عليه بقوله : (
واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822952اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي هزلي وجدي ، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي " . وفي الصحيح أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=822953كان يقول في آخر الصلاة : " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت إلهي لا إله إلا أنت " . وفي الصحيح أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826142يا أيها الناس ، توبوا إلى ربكم ، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة "
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة عن
عاصم الأحول قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822954سمعت nindex.php?page=showalam&ids=147عبد الله بن سرجس قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلت معه من طعامه ، فقلت : غفر الله لك يا رسول الله ، فقلت : أستغفر لك ؟ فقال : " نعم ، ولكم " ، وقرأ : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) ، ثم نظرت إلى نغض كتفه الأيمن أو : كتفه الأيسر - شعبة الذي شك - فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل .
رواه
مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=16935، وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم من طرق ، عن
عاصم الأحول به .
وفي الحديث الآخر الذي رواه
أبو يعلى : حدثنا
محرز بن عون ، حدثنا
عثمان بن مطر ، حدثنا
عبد الغفور ، عن
أبي نصيرة ، عن
أبي رجاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=824801عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما ، فإن إبليس قال : أهلكت الناس بالذنوب ، وأهلكوني ب " لا إله إلا الله " والاستغفار ، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ، فهم يحسبون أنهم مهتدون " .
وفي الأثر المروي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822955قال إبليس : وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في [ ص: 317 ] أجسادهم . فقال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني "
والأحاديث في
فضل الاستغفار كثيرة جدا .
وقوله : (
والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) أي : يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم ، كقوله : (
وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) [ الأنعام : 60 ] ، وكقوله : (
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] . وهذا القول ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وهو اختيار
ابن جرير . وعن
ابن عباس : متقلبكم في الدنيا ، ومثواكم في الآخرة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : متقلبكم في الدنيا ، ومثواكم في قبوركم .
والأول أولى وأظهر ، والله أعلم .