(
إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( 8 )
لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ( 9 )
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ( 10 ) )
يقول تعالى لنبيه
محمد - صلوات الله وسلامه عليه (
إنا أرسلناك شاهدا ) أي : على الخلق ، ( ومبشرا ) أي : للمؤمنين ، ( ونذيرا ) أي : للكافرين . وقد تقدم تفسيرها في سورة " الأحزاب " .
(
لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه ) ، قال
ابن عباس وغير واحد : يعظموه ، ( وتوقروه ) من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام ، ( وتسبحوه ) أي : يسبحون الله ، (
بكرة وأصيلا ) أي : أول النهار وآخره .
ثم قال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - تشريفا له وتعظيما وتكريما : (
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) كقوله (
من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [ النساء : 80 ] ، (
يد الله فوق أيديهم ) أي : هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسوله
[ ص: 330 ] - صلى الله عليه وسلم - كقوله : (
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) [ التوبة : 111 ] .
وقد قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
الفضل بن يحيى الأنباري ، حدثنا
علي بن بكار ، عن
محمد بن عمرو ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
من سل سيفه في سبيل الله ، فقد بايع الله " .
وحدثنا أبي ، حدثنا
يحيى بن المغيرة ، أخبرنا
جرير ، عن
عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826151 " والله ليبعثه الله يوم القيامة له عينان ينظر بهما ، ولسان ينطق ، به ويشهد على من استلمه بالحق ، فمن استلمه فقد بايع الله " ، ثم قرأ : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) .
ولهذا قال هاهنا : (
فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) أي : إنما يعود وبال ذلك على الناكث ، والله غني عنه ، (
ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) أي : ثوابا جزيلا . وهذه البيعة هي
بيعة الرضوان ، وكانت تحت شجرة سمر
بالحديبية ، وكان الصحابة الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ قيل : ألف وثلاثمائة . وقيل : أربعمائة . وقيل : وخمسمائة . والأوسط أصح .
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك :
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
قتيبة ، حدثنا
سفيان ، عن
عمرو ، عن
جابر قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة .
ورواه
مسلم من حديث
سفيان بن عيينة ، به . وأخرجاه أيضا من حديث
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد ، عن
جابر قال : كنا يومئذ ألفا وأربعمائة ، ووضع يده في ذلك الماء ، فنبع الماء من بين أصابعه ، حتى رووا كلهم .
وهذا مختصر من سياق آخر حين ذكر قصة عطشهم يوم
الحديبية ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاهم سهما من كنانته ، فوضعوه في بئر
الحديبية ، فجاشت بالماء ، حتى كفتهم ، فقيل
لجابر : كم كنتم يومئذ ؟ قال : كنا ألفا وأربعمائة ، ولو كنا مائة ألف لكفانا . وفي رواية [ في ] الصحيحين عن
جابر : أنهم كانوا خمس عشرة مائة .
[ ص: 331 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
قتادة ، قلت
nindex.php?page=showalam&ids=15990لسعيد بن المسيب : كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان ؟ قال : خمس عشرة مائة .
قلت : فإن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما ، قال : كانوا أربع عشرة مائة . قال رحمه الله : وهم ، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : هذه الرواية تدل على أنه كان في القديم يقول : خمس عشرة مائة ، ثم ذكر الوهم فقال : أربع عشرة مائة .
وروى
العوفي عن
ابن عباس : أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين . والمشهور الذي رواه غير واحد عنه : أربع عشرة مائة ، وهذا هو الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم ، عن
الأصم ، عن
العباس الدوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين ، عن
شبابة بن سوار ، عن
شعبة ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن أبيه قال :
كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ألفا وأربعمائة . وكذلك هو في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع ،
nindex.php?page=showalam&ids=249ومعقل بن يسار ،
nindex.php?page=showalam&ids=48والبراء بن عازب . وبه يقول غير واحد من أصحاب المغازي والسير . وقد أخرج صاحبا الصحيح من حديث
شعبة ، عن
عمرو بن مرة قال : سمعت
عبد الله بن أبي أوفى يقول : كان أصحاب الشجرة ألفا وأربعمائة ، وكانت أسلم يومئذ ثمن المهاجرين .
وروى
محمد بن إسحاق في السيرة ، عن
الزهري ، عن
عروة بن الزبير ، عن
المسور بن مخرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17065ومروان بن الحكم ، أنهما حدثاه قالا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية يريد زيارة البيت ، لا يريد قتالا وساق معه الهدي سبعين بدنة ، وكان الناس سبعمائة رجل ، كل بدنة عن عشرة نفر ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله فيما بلغني عنه يقول :
كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة .
كذا قال
ابن إسحاق وهو معدود من أوهامه ، فإن المحفوظ في الصحيحين أنهم كانوا بضع عشرة مائة .