[ ص: 413 ] تفسير سورة الذاريات وهي مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم (
والذاريات ذروا ( 1 )
فالحاملات وقرا ( 2 )
فالجاريات يسرا ( 3 )
فالمقسمات أمرا ( 4 )
إنما توعدون لصادق ( 5 )
وإن الدين لواقع ( 6 )
والسماء ذات الحبك ( 7 )
إنكم لفي قول مختلف ( 8 )
يؤفك عنه من أفك ( 9 )
قتل الخراصون ( 10 )
الذين هم في غمرة ساهون ( 11 )
يسألون أيان يوم الدين ( 12 )
يوم هم على النار يفتنون ( 13 )
ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ( 14 ) )
قال
شعبة بن الحجاج ، عن
سماك ، عن
خالد بن عرعرة أنه سمع
عليا وشعبة أيضا ، عن
القاسم بن أبي بزة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل ، سمع
عليا . وثبت أيضا من غير وجه ، عن أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب : أنه صعد منبر
الكوفة فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله ، ولا عن سنة عن رسول الله ، إلا أنبأتكم بذلك . فقام إليه
ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ، ما معنى قوله تعالى : (
والذاريات ذروا ) ؟ قال : الريح [ قال ] : (
فالحاملات وقرا ) ؟ قال : السحاب . [ قال ] : (
فالجاريات يسرا ) ؟ قال : السفن . [ قال ] : (
فالمقسمات أمرا ) ؟ قال : الملائكة .
وقد روي في ذلك حديث مرفوع ، فقال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13863أبو بكر البزار : حدثنا
إبراهيم بن هانئ ، حدثنا
سعيد بن سلام العطار ، حدثنا
أبو بكر بن أبي سبرة ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826198جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن ( الذاريات ذروا ) ؟ فقال : هي الرياح ، ولولا أنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته . قال : فأخبرني عن ( المقسمات أمرا ) قال : هي الملائكة ، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته . قال : فأخبرني عن ( الجاريات يسرا ) قال : هي السفن ، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته . ثم أمر به فضرب مائة ، وجعل في بيت ، فلما برأ [ دعا به و ] ضربه مائة أخرى ، وحمله على قتب ، وكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري : امنع الناس من مجالسته . فلم يزل كذلك حتى أتى
أبا موسى فحلف بالأيمان الغليظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئا . فكتب في ذلك إلى
عمر ، فكتب
عمر : ما إخاله إلا صدق ، فخل بينه وبين مجالسة الناس .
[ ص: 414 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13863أبو بكر البزار :
nindex.php?page=showalam&ids=12503فأبو بكر بن أبي سبرة لين
، وسعيد بن سلام ليس من أصحاب الحديث .
قلت : فهذا الحديث ضعيف رفعه ، وأقرب ما فيه أنه موقوف على
عمر ، فإن قصة
صبيغ بن عسل مشهورة مع
عمر ، وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنت وعناد ، والله أعلم .
وقد ذكر الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر هذه القصة في ترجمة
صبيغ مطولة . وهكذا فسرها
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والحسن ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وغير واحد . ولم يحك
ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم غير ذلك .
وقد قيل : إن المراد بالذاريات : الريح كما تقدم وبالحاملات وقرا : السحاب كما تقدم ; لأنها تحمل الماء ، كما قال
زيد بن عمرو بن نفيل :
وأسلمت نفسي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
فأما الجاريات يسرا ، فالمشهور عن الجمهور - كما تقدم - : أنها السفن ، تجري ميسرة في الماء جريا سهلا . وقال بعضهم : هي النجوم تجري يسرا في أفلاكها ، ليكون ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى ، إلى ما هو أعلى منه ، فالرياح فوقها السحاب ، والنجوم فوق ذلك ، والمقسمات أمرا الملائكة فوق ذلك ، تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية . وهذا قسم من الله عز جل على وقوع المعاد ; ولهذا قال : (
إنما توعدون لصادق ) أي : لخبر صدق ، (
وإن الدين ) ، وهو : الحساب ) لواقع ) أي : لكائن لا محالة .
ثم قال : (
والسماء ذات الحبك ) قال
ابن عباس : ذات البهاء والجمال والحسن والاستواء . وكذا قال
مجاهد ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وأبو مالك nindex.php?page=showalam&ids=12045، وأبو صالح ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16574وعطية العوفي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ، وغيرهم .
وقال
الضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15342والمنهال بن عمرو ، وغيرهما : مثل تجعد الماء والرمل والزرع إذا ضربته الريح ، فينسج بعضه بعضا طرائق [ طرائق ] ، فذلك الحبك .
قال
ابن جرير : حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، حدثنا
أيوب ، عن
أبي قلابة ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823927إن من ورائكم الكذاب المضل ، وإن رأسه من ورائه حبك حبك " يعني بالحبك الجعودة .
وعن
أبي صالح : (
ذات الحبك ) : الشدة . وقال خصيف : (
ذات الحبك ) : ذات الصفاقة .
[ ص: 415 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن البصري : (
ذات الحبك ) : حبكت بالنجوم .
وقال
قتادة : عن
nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد ، عن
معدان بن أبي طلحة ، عن
عمرو البكالي ، عن
عبد الله بن عمرو : (
والسماء ذات الحبك ) : يعني السماء السابعة .
وكأنه - والله أعلم - أراد بذلك
السماء التي فيها الكواكب الثابتة ، وهي عند كثير من علماء الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع ، والله أعلم . وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد ، وهو الحسن والبهاء ، كما قال
ابن عباس رضي الله عنهما ، فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة ، شديدة البناء ، متسعة الأرجاء ، أنيقة البهاء ، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات ، موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات .
وقوله : (
إنكم لفي قول مختلف ) أي : إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل لفي قول مختلف مضطرب ، لا يلتئم ولا يجتمع .
وقال
قتادة : إنكم لفي قول مختلف ، [ يعني ] ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به .
(
يؤفك عنه من أفك ) أي : إنما يروج على من هو ضال في نفسه ; لأنه قول باطل إنما ينقاد له ويضل بسببه ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال غمر ، لا فهم له ، كما قال تعالى : (
فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ) [ الصافات : 161 - 163 ] .
قال
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : (
يؤفك عنه من أفك ) : يضل عنه من ضل . وقال
مجاهد : (
يؤفك عنه من أفك ) يؤفن عنه من أفن . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : يصرف عن هذا القرآن من كذب به .
وقوله : (
قتل الخراصون ) قال مجاهد : الكذابون . قال : وهي مثل التي في عبس : (
قتل الإنسان ما أكفره ) [ عبس : 17 ] ، والخراصون
الذين يقولون لا نبعث ولا يوقنون .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
قتل الخراصون ) أي : لعن المرتابون .
وهكذا كان
معاذ - رضي الله عنه - يقول في خطبه : هلك المرتابون . وقال
قتادة : الخراصون أهل الغرة والظنون .
وقوله : (
الذين هم في غمرة ساهون ) : قال
ابن عباس وغير واحد : في الكفر والشك غافلون لاهون .
(
يسألون أيان يوم الدين ) : وإنما يقولون هذا تكذيبا وعنادا وشكا واستبعادا . قال الله تعالى : (
يوم هم على النار يفتنون ) .
قال
ابن عباس ،
ومجاهد ،
والحسن ، وغير واحد : ( يفتنون ) : يعذبون [ قال مجاهد ] : كما
[ ص: 416 ] يفتن الذهب على النار .
وقال جماعة آخرون
كمجاهد أيضا
، وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ،
وزيد بن أسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري : ( يفتنون ) : يحرقون .
(
ذوقوا فتنتكم ) : قال
مجاهد : حريقكم . وقال غيره : عذابكم . (
هذا الذي كنتم به تستعجلون ) : أي : يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتحقيرا وتصغيرا .