(
كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ( 52 )
أتواصوا به بل هم قوم طاغون ( 53 )
فتول عنهم فما أنت بملوم ( 54 )
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ( 55 )
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( 56 )
ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ( 57 )
إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ( 58 )
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون ( 59 )
فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ( 60 ) )
[ ص: 425 ] يقول تعالى مسليا نبيه - صلى الله عليه وسلم - : وكما قال لك هؤلاء المشركون ، قال المكذبون الأولون لرسلهم : (
كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ) ! .
قال الله تعالى : (
أتواصوا به ) أي : أوصى بعضهم بعضا بهذه المقالة ؟ " (
بل هم قوم طاغون ) أي : لكن هم قوم طغاة ، تشابهت قلوبهم ، فقال متأخرهم كما قال متقدمهم .
قال الله تعالى : (
فتول عنهم ) أي : فأعرض عنهم يا
محمد ، (
فما أنت بملوم ) يعني : فما نلومك على ذلك .
(
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) أي : إنما تنتفع بها القلوب المؤمنة .
ثم قال : (
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) أي : إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي ، لا لاحتياجي إليهم .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
إلا ليعبدون ) أي : إلا ليقروا بعبادتي طوعا أو كرها وهذا اختيار
ابن جرير .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : إلا ليعرفون . وقال
الربيع بن أنس : (
إلا ليعبدون ) أي : إلا للعبادة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي :
من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع ، (
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [ لقمان : 25 ] هذا منهم عبادة ، وليس ينفعهم مع الشرك . وقال
الضحاك : المراد بذلك المؤمنون .
وقوله : (
ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) قال الإمام
أحمد :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم وأبو سعيد قالا حدثنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
عبد الرحمن بن يزيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823931أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني لأنا الرزاق ذو القوة المتين " .
ورواه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، من حديث
إسرائيل ، وقال
الترمذي : حسن صحيح .
ومعنى الآية :
أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له ، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ، ومن عصاه عذبه أشد العذاب ، وأخبر أنه غير محتاج إليهم ، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، فهو خالقهم ورازقهم .
قال الإمام
أحمد : حدثنا
محمد بن عبد الله ، حدثنا
عمران - يعني ابن زائدة بن نشيط - عن أبيه ، عن
أبي خالد - هو الوالبي - عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823932قال الله : " يابن [ ص: 426 ] آدم ، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك " .
ورواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من حديث
عمران بن زائدة ، وقال
الترمذي : حسن غريب .
وقد روى الإمام
أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع nindex.php?page=showalam&ids=12156وأبي معاوية ، عن
الأعمش ، عن
سلام أبي شرحبيل ، سمعت
حبة وسواء ابني
خالد يقولان :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826203أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يعمل عملا أو يبني بناء - وقال أبو معاوية : يصلح شيئا - فأعناه عليه ، فلما فرغ دعا لنا وقال : " لا تيأسا من الرزق ما تهززت رءوسكما ، فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة ، ثم يعطيه الله ويرزقه " . و [ قد ورد ] في بعض الكتب الإلهية : " يقول الله تعالى : ابن آدم ، خلقتك لعبادتي فلا تلعب ، وتكفلت برزقك فلا تتعب فاطلبني تجدني ; فإن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .
وقوله : (
فإن للذين ظلموا ذنوبا ) أي : نصيبا من العذاب ، (
مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون ) أي : فلا يستعجلون ذلك ، فإنه واقع [ بهم ] لا محالة .
(
فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ) يعني : يوم القيامة .
آخر تفسير سورة الذاريات