( فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ( 29 )
أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ( 30 )
قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ( 31 )
أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون ( 32 )
أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون ( 33 )
فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ( 34 ) )
[ ص: 436 ] يقول تعالى آمرا رسوله صلوات الله وسلامه عليه ، بأن يبلغ رسالته إلى عباده ، وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه . ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور فقال : (
فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ) أي : لست بحمد الله بكاهن كما تقوله الجهلة من كفار
قريش . والكاهن : الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء ، (
ولا مجنون ) : وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس .
ثم قال تعالى منكرا عليهم في قولهم في الرسول صلوات الله وسلامه عليه : (
أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) أي : قوارع الدهر . والمنون : الموت : يقولون : ننظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه ، قال الله تعالى : (
قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ) أي : انتظروا فإني منتظر معكم ، وستعلمون
لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة .
قال
محمد بن إسحاق ، عن
عبد الله بن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس : أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قائل منهم : احتبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك ، كما هلك من هلك قبله من الشعراء : زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم . فأنزل الله في ذلك من قولهم : (
أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) .
ثم قال تعالى : (
أم تأمرهم أحلامهم بهذا ) أي : عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقوال الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور ؟ (
أم هم قوم طاغون ) أي : ولكن هم قوم ضلال معاندون ، فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك .
وقوله : (
أم يقولون تقوله ) أي : اختلقه وافتراه من عند نفسه ، يعنون القرآن : قال الله : (
بل لا يؤمنون ) أي : كفرهم هو الذي يحملهم على هذه المقالة . (
فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) أي : إن كانوا صادقين في قولهم : " تقوله وافتراه " فليأتوا بمثل ما جاء به محمد [ - صلى الله عليه وسلم - ] من هذا القرآن ، فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس ، ما جاءوا بمثله ، ولا بعشر سور [ من ] مثله ، ولا بسورة من مثله .