[ ص: 492 ] (
خلق الإنسان من صلصال كالفخار ( 14 )
وخلق الجان من مارج من نار ( 15 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 16 )
رب المشرقين ورب المغربين ( 17 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 18 )
مرج البحرين يلتقيان ( 19 )
بينهما برزخ لا يبغيان ( 20 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 21 )
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( 22 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 23 )
وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ( 24 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 25 ) ) .
يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار ، وخلقه الجان من مارج من نار ، وهو : طرف لهبها . قاله
الضحاك ، عن
ابن عباس . وبه يقول
عكرمة ،
ومجاهد ،
والحسن ،
وابن زيد .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : (
من مارج من نار ) من لهب النار ، من أحسنها .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
من مارج من نار ) من خالص النار . وكذا قال
عكرمة ،
ومجاهد ،
والضحاك وغيرهم .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
عبد الرزاق ، أخبرنا
معمر ، عن
الزهري ، عن
عروة ، عن
عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=824013خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " .
ورواه
مسلم ، عن
محمد بن رافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ، كلاهما عن
عبد الرزاق ، به .
وقوله : (
فبأي آلاء ربكما تكذبان ) تقدم تفسيره .
(
رب المشرقين ورب المغربين ) يعني مشرقي الصيف والشتاء ، ومغربي الصيف والشتاء . وقال في الآية الأخرى : (
فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) [ المعارج : 40 ] ، وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم ، وبروزها منه إلى الناس . وقال في الآية الأخرى : (
رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] . وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب ، ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال : (
فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ؟ .
وقوله : (
مرج البحرين يلتقيان ) قال
ابن عباس : أي أرسلهما .
وقوله : (
يلتقيان ) قال
ابن زيد : أي : منعهما أن يلتقيا ، بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما .
والمراد بقوله : (
البحرين ) الملح والحلو ، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس . وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة " الفرقان " عند قوله تعالى : (
وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ) [ الفرقان : 53 ] . وقد اختار
ابن جرير هاهنا أن المراد بالبحرين : بحر السماء وبحر الأرض ، وهو مروي عن
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وعطية nindex.php?page=showalam&ids=396وابن أبزى .
قال
ابن جرير : لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء ، وأصداف بحر الأرض . وهذا وإن كان هكذا ، ليس المراد [ بذلك ] ما ذهب إليه ، فإنه لا يساعده اللفظ ; فإنه تعالى قد قال : (
بينهما برزخ لا يبغيان ) أي : وجعل بينهما برزخا ، وهو الحاجز من الأرض ، لئلا يبغي هذا على هذا ، وهذا على
[ ص: 493 ] هذا ، فيفسد كل واحد منهما الآخر ، ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه . وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخا وحجرا محجورا .
وقوله : (
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) أي : من مجموعهما ، فإذا وجد ذلك لأحدهما كفى ، كما قال تعالى : (
يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) [ الأنعام : 130 ] والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن ، وقد صح هذا الإطلاق . واللؤلؤ معروف ، وأما المرجان فقيل : هو صغار اللؤلؤ . قاله
مجاهد ،
وقتادة ،
وأبو رزين ،
والضحاك . وروي عن
علي .
وقيل : كباره وجيده . حكاه
ابن جرير عن بعض السلف . ورواه
ابن أبي حاتم عن
الربيع بن أنس ، وحكاه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عمن حدثه ، عن
ابن عباس . وروي مثله عن
علي ،
ومجاهد أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=17058، ومرة الهمداني .
وقيل : هو نوع من الجواهر أحمر اللون . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك ، عن
مسروق ، عن
عبد الله قال : المرجان : الخرز الأحمر . قال السدي وهو البسذ بالفارسية .
وأما قوله : (
ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ) [ فاطر : 12 ] ، فاللحم من كل من الأجاج والعذب ، والحلية ، إنما هي من الملح دون العذب .
قال
ابن عباس : ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر ، فوقعت في صدفة إلا صار منها لؤلؤة . وكذا قال
عكرمة ، وزاد : فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة . وروي من غير وجه عن
ابن عباس نحوه .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أحمد بن سنان ، حدثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
عبد الله بن عبد الله ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : إذا أمطرت السماء ، فتحت الأصداف في البحر أفواهها ، فما وقع فيها - يعني : من قطر - فهو اللؤلؤ .
إسناده صحيح ، ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض ، امتن بها عليهم فقال : (
فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
وقوله : ( وله الجوار
المنشآت ) يعني : السفن التي تجري في البحر ، قال
مجاهد : ما رفع قلعه من السفن فهي منشأة ، وما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة ، وقال
قتادة : ( المنشآت ) يعني المخلوقات . وقال غيره : المنشآت - بكسر الشين - يعني البادئات .
( كالأعلام ) أي : كالجبال في كبرها ، وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر ، وإقليم إلى إقليم ، مما فيه من صلاح للناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع ; ولهذا قال [ تعالى ] (
فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
[ ص: 494 ] وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
موسى بن إسماعيل ، حدثنا
حماد بن سلمة ، حدثنا
العرار بن سويد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16727عميرة بن سعد قال : كنت مع
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على شاطئ الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها ، فبسط على يديه ثم قال : يقول الله عز وجل : (
وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام ) . والذي أنشأها تجري في [ بحر من ] بحوره ما قتلت عثمان ، ولا مالأت على قتله .