[ ص: 540 ] (
أفرأيتم ما تحرثون ( 63 )
أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ( 64 )
لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( 65 )
إنا لمغرمون ( 66 )
بل نحن محرومون ( 67 )
أفرأيتم الماء الذي تشربون ( 68 )
أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ( 69 )
لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ( 70 )
أفرأيتم النار التي تورون ( 71 )
أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ( 72 )
نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ( 73 )
فسبح باسم ربك العظيم ( 74 ) )
يقول : (
أفرأيتم ما تحرثون ) ؟ وهو شق الأرض وإثارتها والبذر فيها ، (
أأنتم تزرعونه ) أي : تنبتونه في الأرض (
أم نحن الزارعون ) أي : بل نحن الذين نقره قراره وننبته في الأرض .
قال
ابن جرير : وقد حدثني
أحمد بن الوليد القرشي ، حدثنا
مسلم بن أبي مسلم الجرمي ، حدثنا
مخلد بن الحسين ، عن
هشام ، عن
محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826272لا تقولن : زرعت ، ولكن قل : حرثت " قال أبو هريرة : ألم تسمع إلى قوله : ( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) .
ورواه
البزار ، عن
محمد بن عبد الرحيم ، عن
مسلم ، الجميع به .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
موسى بن إسماعيل ، حدثنا
حماد ، عن
عطاء ، عن
أبي عبد الرحمن : لا تقولوا : زرعنا ولكن قولوا : حرثنا .
وروي عن
حجر المدري أنه كان إذا قرأ : (
أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) وأمثالها يقول : بل أنت يا رب .
وقوله : (
لو نشاء لجعلناه حطاما ) أي : نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا ، وأبقيناه لكم رحمة بكم ، ولو نشاء لجعلناه حطاما ، أي : لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده ، (
فظلتم تفكهون ) . ثم فسر ذلك بقوله : (
إنا لمغرمون بل نحن محرومون ) أي : لو جعلناه حطاما لظلتم تفكهون في المقالة ، تنوعون كلامكم ، فتقولون تارة : (
إنا لمغرمون ) أي : لملقون .
وقال
مجاهد ،
وعكرمة : إنا لمولع بنا ، وقال
قتادة : معذبون . وتارة تقولون : بل نحن محرومون .
وقال
مجاهد أيضا : (
إنا لمغرمون ) ملقون للشر ، أي : بل نحن محارفون ، قاله
قتادة ، أي : لا يثبت لنا مال ، ولا ينتج لنا ربح .
[ ص: 541 ] وقال
مجاهد : (
بل نحن محرومون ) أي : مجدودون ، يعني : لا حظ لنا .
قال
ابن عباس ،
ومجاهد : (
فظلتم تفكهون ) : تعجبون . وقال
مجاهد أيضا : (
فظلتم تفكهون ) تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم .
وهذا يرجع إلى الأول ، وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم . وهذا اختيار
ابن جرير .
وقال
عكرمة : (
فظلتم تفكهون ) تلاومون . وقال
الحسن ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : (
فظلتم تفكهون ) تندمون . ومعناه إما على ما أنفقتم ، أو على ما أسلفتم من الذنوب .
قال
الكسائي : تفكه من الأضداد ، تقول العرب : تفكهت بمعنى تنعمت ، وتفكهت بمعنى حزنت .
ثم قال تعالى : (
أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن ) يعني : السحاب . قاله
ابن عباس ،
ومجاهد وغير واحد . (
أم نحن المنزلون ) يقول : بل نحن المنزلون .
(
لو نشاء جعلناه أجاجا ) أي : زعاقا مرا لا يصلح لشرب ولا زرع ، (
فلولا تشكرون ) أي : فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذبا زلالا ! (
لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) [ النحل : 10 ، 11 ] .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
عثمان بن سعيد بن مرة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل بن مرزوق ، عن
جابر ، عن
أبي جعفر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
أنه إذا شرب الماء قال : " الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته ، ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا " .
ثم قال : (
أفرأيتم النار التي تورون ) أي : تقدحون من الزناد وتستخرجونها من أصلها .
(
أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ) أي : بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها ، وللعرب شجرتان : إحداهما : المرخ ، والأخرى : العفار ، إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالآخر ، تناثر من بينهما شرر النار .
وقوله : (
نحن جعلناها تذكرة ) قال
مجاهد ،
وقتادة : أي تذكر النار الكبرى .
قال
قتادة : ذكر لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826274 " يا قوم ، ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " . قالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية ! قال : " قد ضربت بالماء ضربتين - أو : مرتين - حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها " .
[ ص: 542 ] وهذا الذي أرسله
قتادة رواه الإمام
أحمد في مسنده ، فقال :
حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=821571إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وضربت بالبحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد " .
وقال الإمام
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=824063نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " . فقالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية فقال : " إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " .
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
مالك ،
ومسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، ورواه
مسلم من حديث
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
همام ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة به . وفي لفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826275والذي نفسي بيده لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687أبو القاسم الطبراني : حدثنا
أحمد بن عمرو الخلال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12366إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17126معن بن عيسى القزاز ، عن
مالك ، عن عمه
أبي السهيل ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826276أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سوادا من [ دخان ] ناركم هذه بسبعين ضعفا " .
قال
الضياء المقدسي : وقد رواه
ابن مصعب عن
مالك ، ولم يرفعه ، وهو عندي على شرط الصحيح .
وقوله : (
ومتاعا للمقوين ) قال
ابن عباس ،
ومجاهد ،
وقتادة ،
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15411والنضر بن عربي : معنى ) للمقوين ) المسافرين ، واختاره
ابن جرير ، وقال : ومنه قولهم : " أقوت الدار إذا رحل أهلها " .
وقال غيره : القي والقواء : القفر الخالي البعيد من العمران .
وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : المقوي هنا الجائع .
وقال
ليث بن أبي سليم ، عن
مجاهد : (
ومتاعا للمقوين ) للحاضر والمسافر ، لكل طعام لا يصلحه إلا النار . وكذا روى
سفيان ، عن
جابر الجعفي ، عن
مجاهد .
وقال
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : ( للمقوين ) المستمتعين الناس أجمعين . وكذا ذكر عن
عكرمة .
[ ص: 543 ] وهذا التفسير أعم من غيره ، فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الكل محتاجون للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع . ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار ، وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه ، فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى ، وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى ، واشتوى واستأنس بها ، وانتفع بها سائر الانتفاعات . فلهذا أفرد المسافرون وإن كان ذلك عاما في حق الناس كلهم . وقد يستدل له بما رواه الإمام
أحمد وأبو داود من حديث
أبي خداش حبان بن زيد الشرعبي الشامي ، عن رجل من المهاجرين من قرن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826277المسلمون شركاء في ثلاثة : النار والكلأ والماء " .
وروى
ابن ماجه بإسناد جيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824064 " ثلاث لا يمنعن : الماء والكلأ والنار " .
وله من حديث
ابن عباس مرفوعا مثل هذا وزيادة : " وثمنه حرام " . ولكن في إسناده "
عبد الله بن خراش بن حوشب " وهو ضعيف ، والله أعلم .
وقوله : (
فسبح باسم ربك العظيم ) أي : الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة الماء العذب الزلال البارد ، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا كالبحار المغرقة . وخلق النار المحرقة ، وجعل ذلك مصلحة للعباد ، وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم ، وزاجرا لهم في المعاد .