(
فلا أقسم بمواقع النجوم ( 75 )
وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( 76 )
إنه لقرآن كريم ( 77 )
في كتاب مكنون ( 78 )
لا يمسه إلا المطهرون ( 79 )
تنزيل من رب العالمين ( 80 )
أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ( 81 )
وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ( 82 ) ) .
قال
جويبر ، عن
الضحاك : إن الله لا يقسم بشيء من خلقه ، ولكنه استفتاح يستفتح به كلامه .
وهذا القول ضعيف . والذي عليه الجمهور أنه قسم من الله عز وجل ، يقسم بما شاء من خلقه ، وهو دليل على عظمته . ثم قال بعض المفسرين : " لا " هاهنا زائدة ، وتقديره : أقسم بمواقع النجوم . ورواه
ابن جرير ، عن
سعيد بن جبير . ويكون جوابه : (
إنه لقرآن كريم ) .
وقال آخرون : ليست " لا " زائدة لا معنى لها ، بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسما به على منفي ، كقول
عائشة رضي الله عنها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824065 " لا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط " وهكذا هاهنا تقدير الكلام : " لا أقسم بمواقع النجوم ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة ، بل هو قرآن كريم " .
[ ص: 544 ] وقال
ابن جرير : وقال بعض أهل العربية : معنى قوله : (
فلا أقسم ) فليس الأمر كما تقولون ، ثم استأنف القسم بعد : فقيل : أقسم .
واختلفوا في معنى قوله : (
بمواقع النجوم ) ، فقال
حكيم بن جبير ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس يعني :
نجوم القرآن ; فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا ، ثم نزل مفرقا في السنين بعد . ثم قرأ
ابن عباس هذه الآية .
وقال
الضحاك عن
ابن عباس : نزل القرآن جملة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا ، فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة ، ونجمه جبريل على محمد - صلى الله عليه وسلم - عشرين سنة ، فهو قوله : (
فلا أقسم بمواقع النجوم ) نجوم القرآن .
وكذا قال
عكرمة ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
وأبو حزرة .
وقال
مجاهد أيضا : (
بمواقع النجوم ) في السماء ، ويقال : مطالعها ومشارقها . وكذا قال
الحسن ،
وقتادة ، وهو اختيار
ابن جرير . وعن
قتادة : مواقعها : منازلها . وعن
الحسن أيضا : أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة . وقال
الضحاك : (
فلا أقسم بمواقع النجوم ) يعني بذلك : الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا ، قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا .
وقوله : (
وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) أي : وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم ، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به عليه ، (
إنه لقرآن كريم ) أي : إن هذا القرآن الذي نزل على
محمد لكتاب عظيم . (
في كتاب مكنون ) أي : معظم في كتاب معظم محفوظ موقر .
قال
ابن جرير : حدثني
إسماعيل بن موسى ، أخبرنا
شريك ، عن
حكيم - هو ابن جبير - عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
لا يمسه إلا المطهرون ) قال : الكتاب الذي في السماء .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : (
[ لا يمسه ] إلا المطهرون ) يعني : الملائكة . وكذا قال
أنس ،
ومجاهد ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وأبو الشعثاء جابر بن زيد ،
وأبو نهيك ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم .
وقال
ابن جرير : حدثنا
ابن عبد الأعلى ، حدثنا
ابن ثور ، حدثنا
معمر ، عن
قتادة : (
لا يمسه إلا المطهرون ) قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس . وقال : وهي في قراءة
ابن مسعود : " ما يمسه إلا المطهرون " . وقال
أبو العالية : (
لا يمسه إلا المطهرون ) ليس أنتم أصحاب الذنوب .
وقال
ابن زيد : زعمت كفار
قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال : (
وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ) [ الشعراء : 210 - 212 ] .
[ ص: 545 ] وهذا القول قول جيد ، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله .
وقال
الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به .
وقال آخرون : (
لا يمسه إلا المطهرون ) أي : من الجنابة والحدث . قالوا : ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب ، قالوا : والمراد بالقرآن - هاهنا - المصحف ، كما روى
مسلم ، عن
ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=824066نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، مخافة أن يناله العدو . واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام
مالك في موطئه ، عن
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=824067في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم : ألا يمس القرآن إلا طاهر . وروى
أبو داود في المراسيل من حديث
الزهري قال : قرأت في صحيفة عند
nindex.php?page=showalam&ids=11949أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824068 " ولا يمس القرآن إلا طاهر " .
وهذه وجادة جيدة . قد قرأها
الزهري وغيره ، ومثل هذا ينبغي الأخذ به . وقد أسنده
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
عمرو بن حزم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=61وعثمان بن أبي العاص ، وفي إسناد كل منها نظر ، والله أعلم .
وقوله : (
تنزيل من رب العالمين ) أي : هذا القرآن منزل من [ الله ] رب العالمين ، وليس هو كما يقولون : إنه سحر ، أو كهانة ، أو شعر ، بل هو الحق الذي لا مرية فيه ، وليس وراءه حق نافع .
وقوله : (
أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ) قال
العوفي ، عن
ابن عباس : أي مكذبون غير مصدقين . وكذا قال
الضحاك ،
وأبو حزرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
وقال
مجاهد : ( مدهنون ) أي : تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم .
(
وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) قال بعضهم : يعني : وتجعلون رزقكم بمعنى شكركم أنكم تكذبون ، أي : تكذبون بدل الشكر .
وقد روي عن
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أنهما قرآها : " وتجعلون شكركم أنكم تكذبون " كما سيأتي .
وقال
ابن جرير : وقد ذكر عن
الهيثم بن عدي : أن من لغة
أزد شنوءة : ما رزق فلان بمعنى : ما شكر فلان .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
حسين بن محمد ، حدثنا
إسرائيل ، عن
عبد الأعلى ، عن
أبي [ ص: 546 ] عبد الرحمن ، عن
علي - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824069قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وتجعلون رزقكم ) يقول : " شكركم ( أنكم تكذبون ) تقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، بنجم كذا وكذا " .
وهكذا رواه
ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن
مخول بن إبراهيم النهدي -
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، وعن
يعقوب بن إبراهيم ، عن
يحيى بن أبي بكير ، ثلاثتهم عن
إسرائيل به مرفوعا . وكذا رواه
الترمذي ، عن
أحمد بن منيع ، عن
حسين بن محمد - وهو المروزي - به ، وقال : " حسن غريب " . وقد رواه
سفيان ، عن
عبد الأعلى ، ولم يرفعه .
وقال
ابن جرير : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : ما مطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرا يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا . وقرأ ابن عباس : " وتجعلون شكركم أنكم تكذبون " .
وهذا إسناد صحيح إلى
ابن عباس .
وقال
مالك في الموطأ ، عن
صالح بن كيسان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن
زيد بن خالد الجهني أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824070صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : " هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . " قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا . فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب " .
أخرجاه في الصحيحين
، وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، كلهم من حديث
مالك به .
وقال
مسلم : حدثنا
محمد بن سلمة المرادي ،
وعمرو بن سواد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب ، عن
عمرو بن الحارث أن
أبا يونس حدثه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=824071ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ، ينزل الغيث ، فيقولون : بكوكب كذا وكذا " .
تفرد به
مسلم من هذا الوجه .
وقال
ابن جرير : حدثني
يونس ، أخبرنا
سفيان ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826278إن الله ليصبح القوم بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا " .
[ ص: 547 ] قال
محمد - هو ابن إبراهيم - : فذكرت هذا الحديث
nindex.php?page=showalam&ids=15990لسعيد بن المسيب ، فقال : ونحن قد سمعنا من
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وقد أخبرني من شهد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يستسقي ، فلما استسقى التفت إلى العباس فقال : يا عباس ، يا عم رسول الله ، كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال : العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعا . قال : فما مضت سابعة حتى مطروا .
وهذا محمول على السؤال عن الوقت الذي أجرى الله فيه العادة بإنزال المطر ، لا أن ذلك النوء يؤثر بنفسه في نزول المطر ; فإن هذا هو المنهي عن اعتقاده . وقد تقدم شيء من هذه الأحاديث عند قوله : (
ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ) [ فاطر : 2 ] .
وقال
ابن جرير : حدثني
يونس ، أخبرنا
سفيان ، عن
إسماعيل بن أمية - أحسبه أو غيره -
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا - ومطروا - يقول : مطرنا ببعض عشانين الأسد . فقال : " كذبت ! بل هو رزق الله " .
ثم قال
ابن جرير : حدثني
أبو صالح الصراري ، حدثنا
أبو جابر محمد بن عبد الملك الأزدي ، حدثنا
جعفر بن الزبير ، عن
القاسم ، عن
أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826280 " ما مطر قوم من ليلة إلا أصبح قوم بها كافرين " . ثم قال : " ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) يقول قائل : مطرنا بنجم كذا وكذا " .
وفي حديث عن
أبي سعيد مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824072 " لو قحط الناس سبع سنين ثم مطروا لقالوا : مطرنا بنوء المجدح " .
وقال
مجاهد : (
وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) قال : قولهم في الأنواء : مطرنا بنوء كذا ، وبنوء كذا ، يقول : قولوا : هو من عند الله ، وهو رزقه ، وهكذا قال
الضحاك وغير واحد .
وقال
قتادة : أما
الحسن فكان يقول : بئس ما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب . فمعنى قول
الحسن هذا : وتجعلون حظكم من كتاب الله أنكم تكذبون به ; ولهذا قال قبله : (
أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون )