[ ص: 89 ] (
عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ( 7 )
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ( 8 )
إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ( 9 ) )
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين : (
عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ) أي : محبة بعد البغضة ، ومودة بعد النفرة ، وألفة بعد الفرقة . (
والله قدير ) أي : على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة ، والمتباينة ، والمختلفة ، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة ، فتصبح مجتمعة متفقة ، كما قال تعالى ممتنا على الأنصار : (
واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) الآية [ آل عمران : 103 ] . وكذا قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823056ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ " . وقال الله تعالى : (
هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) [ الأنفال : 62 ، 63 ] . وفي الحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823057أحبب حبيبك هونا ما ، فعسى أن يكون بغيضك يوما ما . وأبغض بغيضك هونا ما ، فعسى أن يكون حبيبك يوما ما " . وقال الشاعر
وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن ألا تلاقيا
وقوله تعالى : ( والله غفور رحيم ) أي : يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له ، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه ، من أي ذنب كان .
وقد قال
مقاتل بن حيان : إن هذه الآية نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان صخر بن حرب ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه .
وفي هذا الذي قاله
مقاتل نظر ; فإن رسول الله تزوج
nindex.php?page=showalam&ids=10583بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح
وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف . وأحسن من هذا ما رواه
ابن أبي حاتم حيث قال :
قرئ على
محمد بن عزيز : حدثني
سلامة ، حدثني
عقيل ، حدثني
ابن شهاب ;
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا ، فقاتله ، فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين . قال
ابن شهاب : وهو ممن أنزل
[ ص: 90 ] الله فيه : (
عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ) .
وفي صحيح
مسلم ، عن
ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826876أن أبا سفيان قال : يا رسول الله ، ثلاث أعطنيهن . قال : " نعم " . قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال : " نعم " . قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك . قال : " نعم " . قال : وعندي أحسن العرب وأجمله ، أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . . . الحديث . وقد تقدم الكلام عليه .
وقوله تعالى : (
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ، كالنساء والضعفة منهم ، (
أن تبروهم ) أي : تحسنوا إليهم (
وتقسطوا إليهم ) أي : تعدلوا (
إن الله يحب المقسطين ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
أبو معاوية ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن
فاطمة بنت المنذر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء - هي بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما - قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823058قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها ؟ قال : " نعم ، صلي أمك " أخرجاه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عارم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ، حدثنا
مصعب بن ثابت ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16281عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823059قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا : صناب ، وأقط ، وسمن ، وهي مشركة ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها ، وأن تدخلها بيتها ، فسألت عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله ، عز وجل : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ) إلى آخر الآية ، فأمرها أن تقبل هديتها ، وأن تدخلها بيتها .
وهكذا رواه
ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، من حديث
مصعب بن ثابت به . وفي رواية
لأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير : "
قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد من
بني مالك بن حسل . وزاد
ابن أبي حاتم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823060في المدة التي كانت بين قريش ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .
[ ص: 91 ]
وقال
أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار : حدثنا
عبد الله بن شبيب ، حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا
أبو قتادة العدوي ، عن
ابن أخي الزهري ، عن
الزهري ، عن
عروة عن
عائشة وأسماء أنهما قالتا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826877قدمت علينا أمنا المدينة وهي مشركة ، في الهدنة التي كانت بين قريش وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : يا رسول الله ، إن أمنا قدمت علينا المدينة راغبة ، أفنصلها ؟ قال : " نعم ، فصلاها " .
ثم قال : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن
الزهري ، عن
عروة ، عن
عائشة إلا من هذا الوجه .
قلت : وهو منكر بهذا السياق ; لأن أم
عائشة هي
أم رومان ، وكانت مسلمة مهاجرة ، وأم
أسماء غيرها ، كما هو مصرح باسمها في هذه الأحاديث المتقدمة والله أعلم .
وقوله : (
إن الله يحب المقسطين ) تقدم تفسير ذلك في سورة " الحجرات " ، وأورد الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823061المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش ، الذين يعدلون في حكمهم ، وأهاليهم ، وما ولوا " .
وقوله : (
إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ) أي : إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم العداوة ، فقاتلوكم وأخرجوكم ، وعاونوا على إخراجكم ، ينهاكم الله عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم . ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال : (
ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) كقوله (
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) [ المائدة : 51 ] .