[ ص: 158 ] تفسير سورة التحريم وهي مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم ( 1 )
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم ( 2 )
وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ( 3 )
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ( 4 )
عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ( 5 ) )
اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة ، فقيل : نزلت في شأن
مارية وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حرمها ، فنزل قوله : (
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ) الآية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15397أبو عبد الرحمن النسائي : أخبرنا
إبراهيم بن يونس بن محمد ، حدثنا أبي ، حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
ثابت ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=823143عن أنس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها ، فلم تزل به عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة حتى حرمها ، فأنزل الله ، عز وجل : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) إلى آخر الآية .
وقال
ابن جرير : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12613ابن عبد الرحيم البرقي ، حدثنا
ابن أبي مريم ، حدثنا
أبو غسان ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم :
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه ، فقالت : أي رسول الله ، في بيتي وعلى فراشي ؟ ! فجعلها عليه حراما فقالت : أي رسول الله ، كيف يحرم عليك الحلال ؟ فحلف لها بالله لا يصيبها . فأنزل الله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم فقوله : أنت علي حرام لغو .
وهكذا روى
عبد الرحمن بن زيد ، عن أبيه .
وقال
ابن جرير أيضا : حدثنا
يونس ، حدثنا
ابن وهب ، عن
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم قال : قل لها :
" أنت علي حرام ، ووالله لا أطؤك " . [ ص: 159 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13382وابن علية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي ، عن
مسروق ، قال : آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحرم ، فعوتب في التحريم ، وأمر بالكفارة في اليمين . رواه
ابن جرير . وكذا روي عن
قتادة ، وغيره ، عن
الشعبي نفسه . وكذا قال غير واحد من السلف ، منهم
الضحاك ،
والحسن ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان ، وروى
العوفي ، عن
ابن عباس القصة مطولة .
وقال
ابن جرير : حدثنا
سعيد بن يحيى ، حدثنا أبي ، حدثنا
محمد بن إسحاق ، عن
الزهري ، عن
عبيد الله بن عبد الله ، عن
ابن عباس قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب من المرأتان ؟ قال :
عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة . وكان بدء الحديث في شأن أم إبراهيم القبطية ، أصابها النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت
حفصة في نوبتها فوجدت
حفصة ، فقالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826927يا نبي الله ، لقد جئت إلي شيئا ما جئت إلى أحد من أزواجك في يومي ، وفي دوري ، وعلى فراشي . قال : " ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها ؟ " . قالت : بلى . فحرمها ، وقال : " لا تذكري ذلك لأحد " . فذكرته nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة فأظهره الله عليه ، فأنزل الله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ) الآيات ، فبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر عن يمينه ، وأصاب جاريته .
وقال
الهيثم بن كليب في مسنده : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12135أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي ، حدثنا
مسلم بن إبراهيم ، حدثنا
جرير بن حازم ، عن
أيوب ، عن
نافع ، عن
ابن عمر ، عن
عمر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=41لحفصة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826928 " لا تخبري أحدا ، وإن أم إبراهيم علي حرام " . فقالت : أتحرم ما أحل الله لك ؟ قال : " فوالله لا أقربها " . قال : فلم يقربها حتى أخبرت عائشة . قال : فأنزل الله : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم )
وهذا إسناد صحيح ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وقد اختاره
الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج .
وقال
ابن جرير : أيضا حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي قال : كتب إلي
يحيى يحدث عن
يعلى بن حكيم ، عن
سعيد بن جبير : أن
ابن عباس كان يقول في الحرام : يمين تكفرها ، وقال
ابن عباس : (
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) [ الأحزاب : 21 ] يعني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم جاريته فقال الله : (
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) ؟ إلى قوله : (
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) فكفر يمينه ، فصير الحرام يمينا .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
معاذ بن فضالة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام - هو الدستوائي - عن
nindex.php?page=showalam&ids=17343يحيى - هو ابن كثير - عن
ابن حكيم - وهو يعلى - عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس في الحرام : يمين تكفر . وقال
[ ص: 160 ] ابن عباس : (
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) [ الأحزاب : 21 ] .
ورواه
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي به .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : أنا
عبد الله بن عبد الصمد بن علي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17057مخلد - هو ابن يزيد - حدثنا
سفيان ، عن
سالم ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : أتاه رجل ، فقال : إني جعلت امرأتي علي حراما ؟ قال : كذبت ليس عليك بحرام . ثم تلا هذه الآية : (
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) ؟ عليك أغلظ الكفارات ، عتق رقبة .
تفرد به
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من هذا الوجه ، بهذا اللفظ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : حدثنا
محمد بن زكريا ، حدثنا
عبد الله بن رجاء ، حدثنا
إسرائيل ، عن
مسلم ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس في قوله : (
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) ؟ قال : حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريته .
ومن ها هنا ذهب من ذهب من الفقهاء ممن قال بوجوب
الكفارة على من حرم جاريته ، أو زوجته ، أو طعاما ، أو شرابا ، أو ملبسا ، أو شيئا من المباحات ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وطائفة . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى أنه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية ، إذا حرم عينيهما ، أو أطلق التحريم فيهما في قوله ، فأما إن نوى بالتحريم طلاق الزوجة ، أو عتق الأمة ، نفذ فيهما .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثني
أبو عبد الله الظهراني ، أخبرنا
حفص بن عمر العدني ، أخبرنا
الحكم بن أبان ، حدثنا
عكرمة ، عن
ابن عباس ، قال : نزلت هذه الآية : (
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) ؟ في المرأة التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا قول غريب ، والصحيح أن ذلك كان في تحريمه العسل ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عند هذه الآية :
حدثنا
إبراهيم بن موسى ، أخبرنا
هشام بن يوسف ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=823144عن عائشة قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ، ويمكث عندها ، فتواطأت أنا nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة على : أيتنا دخل عليها ، فلتقل له : أكلت مغافير ؟ إني أجد منك ريح مغافير . قال : " لا ، ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له ، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا " ، (
تبتغي مرضاة أزواجك ) .
هكذا أورد هذا الحديث ها هنا بهذا اللفظ ، وقال في كتاب " الأيمان والنذور " : حدثنا
الحسن بن محمد ، حدثنا
الحجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : زعم
عطاء ، أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ، يقول : سمعت
عائشة تزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث عند
زينب بنت جحش ، ويشرب
[ ص: 161 ] عندها عسلا فتواصيت أنا ،
nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ; أكلت مغافير ؟ فدخل على إحداهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت ذلك له ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823145 " لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ، ولن أعود له " . فنزلت : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) ؟ إلى : (
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما )
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة ، (
وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) لقوله : " بل شربت عسلا " . وقال
إبراهيم بن موسى ، عن
هشام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823146 " ولن أعود له ، وقد حلفت ، فلا تخبري بذلك أحدا " .
وهكذا رواه في كتاب " الطلاق " بهذا الإسناد ، ولفظه قريب منه . ثم قال : المغافير : شبيه بالصمغ ، يكون في الرمث فيه حلاوة ، أغفر الرمث : إذا ظهر فيه . واحدها مغفور ، ويقال : مغافير . وهكذا قال
الجوهري قال : وقد يكون المغفور أيضا للعشر ، والثمام ، والسلم ، والطلح . قال : والرمث ، بالكسر : مرعى من مراعي الإبل ، وهو من الحمض . قال : والعرفط : شجر من العضاه ينضح المغفور منه .
وقد روى
مسلم هذا الحديث في كتاب " الطلاق " من صحيحه ، عن
محمد بن حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15697حجاج بن محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أخبرني
عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ، عن
عائشة به ، ولفظه كما أورده
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، في " الأيمان والنذور " .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب " الطلاق " : حدثنا
فروة بن أبي المغراء ، حدثنا
علي بن مسهر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823147كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلوى والعسل ، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه ، فيدنو من إحداهن . فدخل على nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس ، فغرت فسألت عن ذلك ، فقيل لي : أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل ، فسقت النبي - صلى الله عليه وسلم - منه شربة ، فقلت : أما والله لنحتالن له . فقلت nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة بنت زمعة : إنه سيدنو منك ، فإذا دنا منك فقولي : أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول ذلك لا . فقولي له : ما هذه الريح التي أجد ؟ فإنه سيقول لك : سقتني حفصة شربة عسل . فقولي : جرست نحله العرفط . وسأقول ذلك ، وقولي أنت له يا صفية ذلك ، قالت - تقول سودة - : والله ما هو إلا أن قام على الباب ، فأردت أن أناديه بما أمرتني فرقا منك ، فلما دنا منها قالت له سودة : يا رسول الله ، أكلت مغافير ؟ قال : " لا " . قالت : فما هذه الريح التي أجد منك ؟ قال : " سقتني حفصة شربة عسل " . قالت : جرست نحله العرفط . فلما دار إلي قلت نحو ذلك ، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك ، فلما دار إلى حفصة قالت له : يا رسول الله ، ألا أسقيك منه ؟ قال : " لا حاجة لي فيه " . قالت - تقول سودة - : والله لقد حرمناه . قلت لها : اسكتي .
[ ص: 162 ]
هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وقد رواه
مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16071سويد بن سعيد ، عن
علي بن مسهر به . وعن
أبي كريب ،
وهارون بن عبد الله ، والحسن بن بشر ، ثلاثتهم عن
أبي أسامة nindex.php?page=showalam&ids=11804حماد بن أسامة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة به ، وعنده قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826929وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشتد عليه أن يوجد منه الريح يعني : الريح الخبيثة ; ولهذا قلن له : أكلت مغافير لأن ريحها فيه شيء . فلما قال : " بل شربت عسلا " . قلن : جرست نحله العرفط ، أي : رعت نحله شجر العرفط الذي صمغه المغافير ; فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته .
قال
الجوهري : جرست نحله العرفط تجرس : إذا أكلته ، ومنه قيل للنحل : جوارس ، قال الشاعر :
تظل على الثمراء منها جوارس
وقال : الجرس والجرس : الصوت الخفي . ويقال : سمعت جرس الطير : إذا سمعت صوت مناقيرها على شيء تأكله ، وفي الحديث :
" فيسمعون جرس طير الجنة " . قال
الأصمعي : كنت في مجلس
شعبة قال :
" فيسمعون جرش طير الجنة " بالشين المعجمة ، فقلت : " جرس " ؟ ! فنظر إلي فقال : خذوها عنه ، فإنه أعلم بهذا منا .
والغرض أن هذا السياق فيه أن
حفصة هي الساقية للعسل ، وهو من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن خالته عن
عائشة . وفي طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ، عن
عائشة أن
زينب بنت جحش هي التي سقت العسل ، وأن
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة تواطأتا وتظاهرتا عليه ، فالله أعلم . وقد يقال : إنهما واقعتان ، ولا بعد في ذلك ، إلا أن كونهما سببا لنزول هذه الآية فيه نظر ، والله أعلم .
ومما يدل على أن
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة رضي الله عنهما ، هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده حيث قال : حدثنا
عبد الرزاق ، أخبرنا
معمر ، عن
الزهري ، عن
عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن
ابن عباس ، قال : لم أزل حريصا على أن أسأل
عمر عن المرأتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله تعالى : (
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) حتى حج
عمر وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل
عمر وعدلت معه بالإداوة . فتبرز ، ثم أتاني ، فسكبت على يديه فتوضأ ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال الله تعالى : (
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) ؟ فقال
عمر : واعجبا لك يا
ابن عباس - قال
الزهري : كره - والله ما سألته عنه ولم يكتمه قال : هي
حفصة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة . قال : ثم أخذ يسوق الحديث . قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823150كنا معشر قريش قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، قال : وكان منزلي في دار بني أمية بن زيد بالعوالي . قال : فغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي [ ص: 163 ] - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل . قال : فانطلقت ، فدخلت على حفصة فقلت : أتراجعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت : نعم . قلت : وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم . قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله ، فإذا هي قد هلكت ؟ لا تراجعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تسأليه شيئا ، وسليني من مالي ما بدا لك ، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك - يريد عائشة - قال : وكان لي جار من الأنصار وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل يوما وأنزل يوما ، فيأتيني بخبر الوحي وغيره ، وآتيه بمثل ذلك . قال : وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا ، فنزل صاحبي يوما ، ثم أتى عشاء ، فضرب بابي ، ثم ناداني ، فخرجت إليه ، فقال : حدث أمر عظيم ! فقلت : وما ذاك ؟ أجاءت غسان ؟ قال : لا ، بل أعظم من ذلك ، وأطول ! طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، فقلت : قد خابت حفصة وخسرت ، قد كنت أظن هذا كائنا . حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ، ثم نزلت ، فدخلت على حفصة وهي تبكي ، فقلت : أطلقكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : لا أدري ، هو هذا معتزل في هذه المشربة ، فأتيت غلاما له أسود ، فقلت : استأذن لعمر . فدخل الغلام ، ثم خرج إلي ، فقال : ذكرتك له فصمت . فانطلقت حتى أتيت المنبر ، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم ، فجلست قليلا ، ثم غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام ، فقلت : استأذن لعمر . فدخل ، ثم خرج ، فقال : قد ذكرتك له ، فصمت . فخرجت ، فجلست إلى المنبر ، ثم غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام ، فقلت : استأذن لعمر . فدخل ، ثم خرج إلي ، فقال : قد ذكرتك له ، فصمت . فوليت مدبرا ، فإذا الغلام يدعوني فقال : ادخل ، قد أذن لك . فدخلت ، فسلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو متكئ على رمال حصير .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : وحدثناه
يعقوب في حديث
صالح : رمال حصير قد أثر في جنبه ، فقلت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823151أطلقت يا رسول الله نساءك ؟ فرفع رأسه إلي وقال : " لا " . فقلت : الله أكبر ، ولو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، فغضبت على امرأتي يوما ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل . فقلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله ، فإذا هي قد هلكت . فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، فدخلت على حفصة فقلت : لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم - أو : أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك . فتبسم أخرى ، فقلت : أستأنس يا رسول الله . قال : " نعم " . فجلست ، فرفعت رأسي في البيت ، فوالله ما رأيت في البيت شيئا يرد البصر إلا أهبة ثلاثة ، فقلت : ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك ، فقد وسع على فارس والروم ، وهم لا يعبدون الله . فاستوى جالسا وقال : " أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " . فقلت : استغفر لي يا رسول الله . وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا ; من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله ، عز وجل .
[ ص: 164 ]
وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
ومسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طرق ، عن
الزهري به ، وأخرجه الشيخان من حديث
يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن
عبيد بن حنين ، عن
ابن عباس ، قال : مكثت سنة أريد أن أسأل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب عن آية ، فما أستطيع أن أسأله هيبة له ، حتى خرج حاجا فخرجت معه ، فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق ، عدل إلى الأراك لحاجة له ، قال : فوقفت حتى فرغ ، ثم سرت معه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من اللتان تظاهرتا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
ولمسلم : من المرأتان اللتان قال الله تعالى : (
وإن تظاهرا عليه ) ؟ قال :
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة . ثم ساق الحديث بطوله ، ومنهم من اختصره .
وقال
مسلم أيضا : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=11997زهير بن حرب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16686عمر بن يونس الحنفي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16051سماك بن الوليد - أبي زميل - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823152لما اعتزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، دخلت المسجد ، فإذا الناس ينكتون بالحصى ، ويقولون : طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ! وذلك قبل أن يؤمر بالحجاب . فقلت : لأعلمن ذلك اليوم . . . فذكر الحديث في دخوله على عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة ووعظه إياهما ، إلى أن قال : فدخلت ، فإذا أنا برباح غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أسكفة المشربة ، فناديت ، فقلت : يا رباح ، استأذن لي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . فذكر نحو ما تقدم ، إلى أن قال : فقلت يا رسول الله ما يشق عليك من أمر النساء ؟ فإن كنت طلقتهن ، فإن الله معك ، وملائكته ، وجبريل ، وميكائيل ، وأنا ، وأبو بكر والمؤمنون معك ، وقلما تكلمت - وأحمد الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي ، ونزلت هذه الآية ، آية التخيير : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) ( وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) فقلت : أطلقتهن ؟ قال : " لا " . فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي : لم يطلق نساءه ، ونزلت هذه الآية : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) [ النساء : 83 ] فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر .
وكذا قال
سعيد بن جبير ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان ،
والضحاك ، وغيرهم : (
وصالح المؤمنين )
أبو بكر ،
وعمر - زاد
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري :
وعثمان . وقال
ليث بن أبي سليم ، عن
مجاهد : (
وصالح المؤمنين ) قال :
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
محمد بن أبي عمر ، حدثنا
محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال : أخبرني رجل ثقة يرفعه إلى
علي قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( وصالح المؤمنين ) قال : هو nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب . إسناده ضعيف . وهو منكر جدا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون ، حدثنا
، هشيم ، عن
حميد ، عن
أنس قال : قال
[ ص: 165 ] عمر : اجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة عليه ، فقلت لهن : (
عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) فنزلت هذه الآية .
وقد تقدم أنه وافق القرآن في أماكن ، منها في نزول الحجاب ، ومنها في أسارى بدر ، ومنها قوله : لو اتخذت من مقام
إبراهيم مصلى ؟ فأنزل الله : (
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ البقرة : 125 ] .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
الأنصاري ، حدثنا
حميد ، عن
أنس قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : بلغني شيء كان بين أمهات المؤمنين وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستقريتهن أقول : لتكفن عن رسول الله ، أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن . حتى أتيت على آخر أمهات المؤمنين ، فقالت : يا
عمر أما لي برسول الله ما يعظ نساءه ، حتى تعظهن ؟ ! فأمسكت ، فأنزل الله ، عز وجل : (
عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا )
وهذه المرأة التي ردته عما كان فيه من وعظ النساء هي
أم سلمة ، كما ثبت ذلك في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، حدثنا
إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ، حدثنا
إسماعيل البجلي ، حدثنا
أبو عوانة ، عن
أبي سنان ، عن
الضحاك ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=826930عن ابن عباس في قوله : ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) قال : دخلت حفصة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها وهو يطأ مارية فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة ، فإن أباك يلي الأمر من بعد أبي بكر إذا أنا مت " . فذهبت حفصة فأخبرت عائشة فقالت عائشة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أنبأك هذا ؟ قال : ( نبأني العليم الخبير ) فقالت عائشة : لا أنظر إليك حتى تحرم مارية فحرمها ، فأنزل الله : ( يا أيها النبي لم تحرم ) .
إسناده فيه نظر ، وقد تبين مما أوردناه تفسير هذه الآيات الكريمات . ومعنى قوله : ( مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات ) ظاهر .
وقوله ( سائحات ) أي : صائمات ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وعكرمة ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12067وأبو عبد الرحمن السلمي ،
وأبو مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ،
والحسن ،
وقتادة ،
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وغيرهم . وتقدم فيه حديث مرفوع عند قوله : ( السائحون ) من سورة " براءة " ، ولفظه :
" سياحة هذه الأمة الصيام " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، وابنه
عبد الرحمن : ( سائحات ) أي : مهاجرات ، وتلا
عبد الرحمن :
[ ص: 166 ] ( السائحون ) [ التوبة : 112 ] أي :
المهاجرون . والقول الأول أولى ، والله أعلم .
وقوله : (
ثيبات وأبكارا ) أي : منهن ثيبات ، ومنهن أبكارا ، ليكون ذلك أشهى إلى النفوس ، فإن التنوع يبسط النفس ; ولهذا قال : (
ثيبات وأبكارا )
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا
أبو بكر بن صدقة ، حدثنا
محمد بن محمد بن مرزوق ، حدثنا
عبد الله بن أمية ، حدثنا
عبد القدوس ، عن
صالح بن حيان ، عن
ابن بريدة ، عن أبيه : (
ثيبات وأبكارا ) قال : وعد الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية أن يزوجه ، فالثيب :
آسية امرأة فرعون وبالأبكار :
مريم بنت عمران .
وذكر الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في ترجمة "
مريم عليها السلام " من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16071سويد بن سعيد حدثنا
محمد بن صالح بن عمر ، عن
الضحاك ،
ومجاهد ، عن
ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826932جاء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموت خديجة فقال : إن الله يقرئها السلام ، ويبشرها ببيت في الجنة من قصب ، بعيد من اللهب لا نصب فيه ، ولا صخب ، من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران ، وبيت آسية بنت مزاحم .
ومن حديث
أبي بكر الهذلي ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على خديجة وهي في الموت فقال : " يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام " . فقالت : يا رسول الله ، وهل تزوجت قبلي ؟ قال : " لا " ، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وكلثم أخت موسى " . ضعيف أيضا .
وقال
أبو يعلى : حدثنا
إبراهيم بن عرعرة ، حدثنا
عبد النور بن عبد الله ، حدثنا
يونس بن شعيب ، عن
أبي أمامة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826934 " أعلمت أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون " . فقلت : هنيئا لك يا رسول الله .
وهذا أيضا ضعيف وروي مرسلا عن
ابن أبي داود .