(
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ( 17 )
ولا يستثنون ( 18 )
فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ( 19 )
فأصبحت كالصريم ( 20 )
فتنادوا مصبحين ( 21 )
أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ( 22 )
فانطلقوا وهم يتخافتون ( 23 )
أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ( 24 )
وغدوا على حرد قادرين ( 25 )
فلما رأوها قالوا إنا لضالون ( 26 )
بل نحن محرومون ( 27 )
قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ( 28 )
قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ( 29 )
فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ( 30 )
قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين ( 31 )
عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ( 32 )
كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( 33 ) )
هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار
قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة ، وأعطاهم من النعم الجسيمة ، وهو بعثه محمدا - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة ; ولهذا قال : (
إنا بلوناهم ) أي : اختبرناهم ، (
كما بلونا أصحاب الجنة ) وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار
[ ص: 196 ] والفواكه (
إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) أي : حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلا لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ، ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء ، (
ولا يستثنون ) أي : فيما حلفوا به . ولهذا حنثهم الله في أيمانهم ، فقال : (
فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ) أي : أصابتها آفة سماوية ، (
فأصبحت كالصريم ) قال
ابن عباس : أي كالليل الأسود . وقال
الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : مثل الزرع إذا حصد ، أي هشيما يبسا .
وقال
ابن أبي حاتم : ذكر عن
أحمد بن الصباح : أنبأنا
بشر بن زاذان ، عن
عمر بن صبح ، عن
ليث بن أبي سليم ، عن
عبد الرحمن بن سابط ، عن
ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
إياكم والمعاصي ، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا قد كان هيئ له " ، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم ) قد حرموا خير جنتهم بذنبهم .
(
فتنادوا مصبحين ) أي : لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضا ليذهبوا إلى الجذاذ .
(
أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ) أي : تريدون الصرام . قال
مجاهد : كان حرثهم عنبا .
(
فانطلقوا وهم يتخافتون ) أي : يتناجون فيما بينهم بحيث لا يسمعون أحدا كلامهم . ثم فسر الله عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به ، فقال : (
فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ) أي : يقول بعضهم لبعض : لا تمكنوا اليوم فقيرا يدخلها عليكم !
قال الله تعالى : (
وغدوا على حرد ) أي : قوة وشدة . وقال
مجاهد : (
وغدوا على حرد ) أي : جد . وقال
عكرمة : غيظ . وقال الشعبي : (
على حرد ) على المساكين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
على حرد ) أي : كان اسم قريتهم حردا . فأبعد
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله هذا !
( قادرين ) أي : عليها فيما يزعمون ويرومون .
(
فلما رأوها قالوا إنا لضالون ) أي : فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها ، وهي على الحالة التي قال الله ، عز وجل ، قد استحالت عن تلك النضارة ، والزهرة ، وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مدلهمة ، لا ينتفع بشيء منها ، فاعتقدوا أنهم قد أخطئوا الطريق ; ولهذا قالوا : ( إنا لضالون ) أي : قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها . قاله
ابن عباس وغيره . ثم رجعوا عما كانوا فيه ، وتيقنوا أنها هي فقالوا : (
بل نحن محرومون ) أي : بل هذه هي ، ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب .
(
قال أوسطهم ) قال
ابن عباس ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
والضحاك ،
وقتادة : أي : أعدلهم وخيرهم : (
ألم أقل لكم لولا تسبحون ) ! قال
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج : (
لولا تسبحون ) أي : لولا تستثنون . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحا .
[ ص: 197 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : هو قول القائل : إن شاء الله . وقيل : معناه : (
قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ) أي : هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم ، (
قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ) أتوا بالطاعة حيث لا تنفع ، وندموا واعترفوا حيث لا ينجع ; ولهذا قالوا : (
إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ) أي : يلوم بعضهم بعضا على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجذاذ ، فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب ، (
قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ) أي : اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا ، (
عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ) قيل : رغبوا في بذلها لهم في الدنيا . وقيل : احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة ، والله أعلم .
ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من
أهل اليمن - قال
سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها
ضروان على ستة أميال من
صنعاء . وقيل : كانوا من
أهل الحبشة - وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة ، وكانوا من أهل الكتاب ، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة ، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها ، ويدخر لعياله قوت سنتهم ، ويتصدق بالفاضل . فلما مات ورثه بنوه ، قالوا : لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء ، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا . فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم ، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية ، ورأس المال ، والربح ، والصدقة ، فلم يبق لهم شيء .
قال الله تعالى : ( كذلك العذاب ) أي : هكذا عذاب من خالف أمر الله ، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ، ومنع حق المسكين والفقراء وذوي الحاجات ، وبدل نعمة الله كفرا (
ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) أي : هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم ، وعذاب الآخرة أشق . وقد ورد في حديث رواه
الحافظ البيهقي من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جده
nindex.php?page=hadith&LINKID=823194أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الجداد بالليل ، والحصاد بالليل .