[ ص: 220 ] تفسير سورة سأل سائل وهي مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
سأل سائل بعذاب واقع ( 1 )
للكافرين ليس له دافع ( 2 )
من الله ذي المعارج ( 3 )
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( 4 )
فاصبر صبرا جميلا ( 5 )
إنهم يرونه بعيدا ( 6 )
ونراه قريبا ( 7 ) )
(
سأل سائل بعذاب واقع ) فيه تضمين دل عليه حرف " الباء " ، كأنه مقدر : يستعجل سائل بعذاب واقع . كقوله : (
ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ) أي : وعذابه واقع لا محالة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : حدثنا
بشر بن خالد ، حدثنا
أبو أسامة ، حدثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس في قوله : (
سأل سائل بعذاب واقع ) قال :
النضر بن الحارث بن كلدة .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : (
سأل سائل بعذاب واقع ) قال : ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع .
وقال
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : تعالى ) سأل سائل ) دعا داع بعذاب واقع يقع في الآخرة ، قال : وهو قولهم : (
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [ الأنفال : 32 ] .
وقال
ابن زيد وغيره : (
سأل سائل بعذاب واقع ) أي : واد في جهنم ، يسيل يوم القيامة بالعذاب . وهذا القول ضعيف ، بعيد عن المراد . والصحيح الأول لدلالة السياق عليه .
وقوله : ( واقع للكافرين ) أي : مرصد معد للكافرين .
وقال
ابن عباس : ( واقع ) جاء ) ليس له دافع ) أي : لا دافع له إذا أراد الله كونه ; ولهذا قال ) من الله ذي المعارج ) قال
الثوري ، عن
الأعمش عن رجل ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس في قوله : ( ذي المعارج ) قال : ذو الدرجات .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : ( ذي المعارج ) يعني : العلو والفواضل .
وقال
مجاهد : ( ذي المعارج ) معارج السماء . وقال
قتادة : ذي الفواضل والنعم .
[ ص: 221 ]
وقوله : (
تعرج الملائكة والروح إليه ) قال
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة : ( تعرج ) تصعد .
وأما الروح ، فقال
أبو صالح : هم خلق من خلق الله . يشبهون الناس ، وليسوا أناسا .
قلت : ويحتمل أن يكون المراد به
جبريل ، ويكون من باب عطف الخاص على العام . ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني
آدم ، فإنها
إذا قبضت يصعد بها إلى السماء ، كما دل عليه حديث
البراء . وفي الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث
المنهال ، عن
زاذان ، عن
البراء مرفوعا - الحديث بطوله في قبض الروح الطيبة - قال فيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501412 " فلا يزال يصعد بها من سماء إلى سماء حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة " . والله أعلم بصحته ، فقد تكلم في بعض رواته ، ولكنه مشهور ، وله شاهد في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فيما تقدم من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من طريق
ابن أبي ذئب ، عن
محمد بن عمرو بن عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11839سعيد بن يسار عنه ، وهذا إسناد رجاله على شرط الجماعة ، وقد بسطنا لفظه عند قوله تعالى : (
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [ إبراهيم : 27 ] .
وقوله : (
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) فيه أربعة أقوال :
أحدهما : أن المراد بذلك مسافة ما بين العرش العظيم إلى أسفل السافلين ، وهو قرار الأرض السابعة ، وذلك مسيرة خمسين ألف سنة ، هذا ارتفاع العرش عن المركز الذي في وسط الأرض السابعة . وذلك اتساع العرش من قطر إلى قطر مسيرة خمسين ألف سنة ، وأنه من ياقوتة حمراء ، كما ذكره
ابن أبي شيبة في كتاب
صفة العرش . وقد قال
ابن أبي حاتم عند هذه الآية :
حدثنا
أحمد بن سلمة ، حدثنا
إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا
حكام ، عن
عمر بن معروف ، عن
ليث ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس قوله : (
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السماوات مقدار خمسين ألف سنة ، ويوم كان مقداره ألف سنة : يعني بذلك : تنزل الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقداره ألف سنة ; لأن ما بين السماء والأرض مقدار مسيرة خمسمائة سنة .
وقد رواه
ابن جرير ، عن
ابن حميد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15738حكام بن سلم ، عن
عمر بن معروف ، عن
ليث ، عن
مجاهد قوله ، لم يذكر
ابن عباس .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14714علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا
إسحاق بن منصور ، حدثنا
نوح المؤدب ، عن
عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قال : غلظ كل أرض خمسمائة عام ، وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام ، فذلك سبعة آلاف عام . وغلظ كل سماء
[ ص: 222 ] خمسمائة عام ، وبين السماء إلى السماء خمسمائة عام ، فذلك أربعة عشر ألف عام ، وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام ، فذلك قوله : (
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )
القول الثاني : أن المراد بذلك مدة بقاء الدنيا منذ خلق الله هذا العالم إلى قيام الساعة ، قال
ابن أبي حاتم :
حدثنا
أبو زرعة ، أخبرنا
إبراهيم بن موسى ، أخبرنا
ابن أبي زائدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : (
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : الدنيا عمرها خمسون ألف سنة . وذلك عمرها يوم سماها الله تعالى يوم ، (
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم ) قال : اليوم : الدنيا .
وقال
عبد الرزاق : أخبرنا
معمر ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد - وعن
الحكم بن أبان ، عن
عكرمة : (
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : الدنيا من أولها إلى آخرها مقدار خمسين ألف سنة ، لا يدري أحد كم مضى ، ولا كم بقي إلا الله ، عز وجل .
القول الثالث : أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة ، وهو قول غريب جدا . قال
ابن أبي حاتم :
حدثنا
أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا
بهلول بن المورق ، حدثنا
موسى بن عبيدة أخبرني
محمد بن كعب : (
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : هو يوم الفصل بين الدنيا والآخرة .
القول الرابع : أن المراد بذلك يوم القيامة ، قال
ابن أبي حاتم :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12260أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، عن
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال :
يوم القيامة . هذا وإسناده صحيح . ورواه
الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، عن
عكرمة (
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) يوم القيامة . وكذا قال
الضحاك وابن زيد .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله : (
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : فهذا يوم القيامة ، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة .
وقد وردت أحاديث في معنى ذلك ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
الحسن بن موسى ، حدثنا
ابن لهيعة ، حدثنا
دراج ، عن
أبي الهيثم ، عن
أبي سعيد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823223قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) ما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " .
[ ص: 223 ]
ورواه
ابن جرير ، عن
يونس ، عن
ابن وهب ، عن
عمرو بن الحارث ، عن
دراج به ، إلا أن دراجا وشيخه ضعيفان ، والله أعلم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة ، عن
قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16432أبي عمرو الغداني قال : كنت عند
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فمر رجل من
بني عامر بن صعصعة فقيل له : هذا أكثر عامري مالا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : ردوه فقال : نبئت أنك ذو مال كثير ؟ فقال العامري : إي والله ، إن لي لمائة حمرا ومائة أدما ، حتى عد من ألوان الإبل ، وأفنان الرقيق ، ورباط الخيل ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : إياك وأخفاف الإبل وأظلاف النعم - يردد ذلك عليه ، حتى جعل لون العامري يتغير - فقال : ما ذاك يا
أبا هريرة ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823224 " من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها - قلنا : يا رسول الله : ما نجدتها ورسلها ؟ قال : " في عسرها ويسرها - " فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفافها ، فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله ، وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله . وإذا كانت له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا عضباء ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله " . قال العامري : وما حق الإبل يا
أبا هريرة ؟ قال : أن تعطي الكريمة ، وتمنح الغزيرة ، وتفقر الظهر ، وتسقي اللبن وتطرق الفحل .
وقد رواه
أبو داود من حديث
شعبة nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة كلاهما عن
قتادة به .
طريق أخرى لهذا الحديث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
أبو كامل ، عن
سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823225 " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره ، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " . وذكر بقية الحديث في الغنم والإبل كما تقدم ، وفيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823226 " الخيل لثلاثة ; لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى [ ص: 224 ] رجل وزر " إلى آخره .
ورواه
مسلم في صحيحه بتمامه منفردا به دون
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
سهيل عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وموضع استقصاء طرقه وألفاظه في كتاب الزكاة في " الأحكام " ، والغرض من إيراده هاهنا قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823227 " حتى يحكم الله بين عباده ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " .
وقد روى
ابن جرير ، عن
يعقوب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية وعبد الوهاب ، عن
أيوب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة قال : سأل رجل
ابن عباس عن قوله : (
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : فاتهمه ، فقيل له فيه ، فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ فقال : إنما سألتك لتحدثني . قال : هما يومان ذكرهما الله ، الله أعلم بهما ، وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم .
وقوله : (
فاصبر صبرا جميلا ) أي : اصبر يا
محمد على تكذيب قومك لك ، واستعجالهم العذاب استبعادا لوقوعه ، كقوله : (
يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ) [ الشورى : 18 ] قال : ( إنهم يرونه بعيدا ) أي :
وقوع العذاب وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع ، بمعنى مستحيل الوقوع ، ( ونراه قريبا ) أي : المؤمنون يعتقدون كونه قريبا ، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله ، عز وجل ، لكن كل ما هو آت فهو قريب وواقع لا محالة .