(
وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ( 11 )
وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا ( 12 )
وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ( 13 ) )
(
وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ( 14 )
وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ( 15 )
وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ( 16 )
لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ( 17 ) )
يقول مخبرا عن الجن : أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم : (
وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ) أي : غير ذلك ، ( كنا طرائق قددا ) أي : طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة .
[ ص: 242 ]
قال
ابن عباس ومجاهد وغير واحد : ( كنا طرائق قددا ) أي : منا المؤمن ومنا الكافر .
وقال
أحمد بن سليمان النجاد في أماليه ، حدثنا
أسلم بن سهل بحشل ، حدثنا
علي بن الحسن بن سليمان - هو أبو الشعثاء الحضرمي ، شيخ
مسلم - حدثنا
أبو معاوية قال : سمعت
الأعمش يقول : تروح إلينا جني ، فقلت له : ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال الأرز . قال : فأتيناهم به ، فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدا ، فقلت : فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال : نعم . قلت : فما
الرافضة فيكم ؟ قال شرنا . عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ
أبي الحجاج المزي فقال : هذا إسناد صحيح إلى
الأعمش .
وذكر الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في ترجمة
العباس بن أحمد الدمشقي ، قال : سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد :
قلوب براها الحب حتى تعلقت مذاهبها في كل غرب وشارق تهيم بحب الله والله ربها
معلقة بالله دون الخلائق
وقوله : (
وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا ) أي : نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض ، ولو أمعنا في الهرب ، فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا .
(
وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به ) يفتخرون بذلك ، وهو مفخر لهم ، وشرف رفيع وصفة حسنة .
وقولهم : (
فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) قال
ابن عباس وقتادة وغيرهما : فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته ، كما قال تعالى : (
فلا يخاف ظلما ولا هضما ) [ طه : 112 ]
(
وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون ) أي : منا المسلم ومنا القاسط ، وهو : الجائر عن الحق الناكب عنه ، بخلاف المقسط فإنه العادل ، (
فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) أي : طلبوا لأنفسهم النجاة ،
(
وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) أي : وقودا تسعر بهم .
وقوله : (
وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ) اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين :
أحدهما : وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها ، (
لأسقيناهم ماء غدقا ) أي : كثيرا . والمراد بذلك سعة الرزق . كقوله تعالى : (
ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) [ المائدة : 66 ] وكقوله :
[ ص: 243 ] (
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) [ الأعراف : 96 ] وعلى هذا يكون معنى قوله : ( لنفتنهم فيه ) أي : لنختبرهم ، كما قال
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : ( لنفتنهم ) لنبتليهم ، من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية ؟ .
ذكر من قال بهذا القول : قال
العوفي ، عن
ابن عباس : (
وأن لو استقاموا على الطريقة ) يعني بالاستقامة : الطاعة . وقال
مجاهد : (
وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : الإسلام . وكذا قال
سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي .
وقال
قتادة : (
وأن لو استقاموا على الطريقة ) يقول : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا .
وقال
مجاهد : (
وأن لو استقاموا على الطريقة ) أي : طريقة الحق . وكذا قال
الضحاك واستشهد على ذلك بالآيتين اللتين ذكرناهما ، وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله : ( لنفتنهم فيه ) أي لنبتليهم به .
وقال
مقاتل : فنزلت في كفار
قريش حين منعوا المطر سبع سنين .
والقول الثاني : (
وأن لو استقاموا على الطريقة ) الضلالة (
لأسقيناهم ماء غدقا ) أي : لأوسعنا عليهم الرزق استدراجا ، كما قال : (
فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) [ الأنعام : 44 ] وكقوله : (
أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) [ المؤمنون : 55 ، 56 ] وهذا قول
أبي مجلز لاحق بن حميد ; فإنه في قوله : (
وأن لو استقاموا على الطريقة ) أي : طريقة الضلالة . رواه
ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وحكاه
البغوي ، عن
الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان . وله اتجاه ، ويتأيد بقوله : ( لنفتنهم فيه )
وقوله : (
ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) أي :
عذابا شاقا شديدا موجعا مؤلما .
قال
ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد : ( عذابا صعدا ) أي : مشقة لا راحة معها .
وعن
ابن عباس : جبل في جهنم . وعن
سعيد بن جبير : بئر فيها .