[ ص: 244 ] (
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ( 18 )
وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ( 19 )
قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ( 20 )
قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ( 21 )
قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ( 22 )
إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ( 23 )
حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ( 24 ) )
يقول تعالى آمرا عباده أن يوحدوه في مجال عبادته ، ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به كما قال
قتادة في قوله : (
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) قال :
كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم ، أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوحدوه وحده .
وقال
ابن أبي حاتم : ذكر
علي بن الحسين : حدثنا
إسماعيل ابن بنت السدي ، أخبرنا رجل سماه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك - أو
أبي صالح - عن
ابن عباس في قوله : (
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) قال : لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا
المسجد الحرام ومسجد إيليا : بيت المقدس .
وقال
الأعمش :
قالت الجن : يا رسول الله ، ائذن لنا نشهد معك الصلوات في مسجدك ، فأنزل الله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) يقول : صلوا ، لا تخالطوا الناس .
وقال
ابن جرير : حدثنا
ابن حميد ، حدثنا
مهران ، حدثنا
سفيان ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
محمود ، عن
سعيد بن جبير : ( وأن المساجد لله ) قال :
قالت الجن لنبي الله صلى الله عليه وسلم : كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناءون [ عنك ] ؟ ، وكيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك ؟ فنزلت : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )
وقال
سفيان ، عن
خصيف ، عن
عكرمة : نزلت في المساجد كلها .
وقال
سعيد بن جبير . نزلت في أعضاء السجود ، أي : هي لله فلا تسجدوا بها لغيره . وذكروا عند هذا القول الحديث الصحيح ، من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16446عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن
ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823234 " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة - أشار بيديه إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين "
وقوله : (
وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) قال
العوفي عن ابن عباس يقول : لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه يتلو القرآن ، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه : ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) يستمعون القرآن .
هذا قول ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام رضي الله عنه .
وقال
ابن جرير : حدثني
محمد بن معمر ، حدثنا
أبو مسلم ، عن
أبي عوانة ، عن
أبي بشر [ ص: 245 ] عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501419قال الجن لقومهم : ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ، قالوا : عجبوا من طواعية أصحابه له ، قال : فقالوا لقومهم : ( لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا )
وهذا قول ثان ، وهو مروي عن
سعيد بن جبير أيضا .
وقال
الحسن : لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا إله إلا الله " ويدعو الناس إلى ربهم ، كادت العرب تلبد عليه جميعا .
وقال
قتادة في قوله : (
وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) قال : تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه ، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه .
هذا قول ثالث ، وهو مروي عن
ابن عباس ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وقول
ابن زيد واختيار
ابن جرير وهو الأظهر لقوله بعده : (
قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ) أي : قال لهم الرسول - لما آذوه وخالفوه وكذبوه وتظاهروا عليه ، ليبطلوا ما جاء به من الحق واجتمعوا على عداوته : (
إنما أدعو ربي ) أي : إنما أعبد ربي وحده لا شريك له ، وأستجير به وأتوكل عليه ، (
ولا أشرك به أحدا )
وقوله : (
قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) أي : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ، وعبد من عباد الله ليس إلي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم ، بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز وجل .
ثم أخبر عن نفسه أيضا أنه لا يجيره من الله أحد ، أي : لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه ، (
ولن أجد من دونه ملتحدا ) قال
مجاهد وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : لا ملجأ . وقال
قتادة أيضا : (
قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ) أي : لا نصير ولا ملجأ . وفي رواية : لا ولي ولا موئل .
وقوله تعالى : (
إلا بلاغا من الله ورسالاته ) قال بعضهم : هو مستثنى من قوله : (
لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) (
إلا بلاغا ) ويحتمل أن يكون استثناء من قوله : (
لن يجيرني من الله أحد ) أي : لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها علي ، كما قال تعالى : (
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) [ المائدة : 67 ]
وقوله : (
ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) أي : أنما أبلغكم رسالة الله ، فمن يعص بعد ذلك فله جزاء على ذلك نار جهنم خالدين فيها أبدا ، أي لا محيد لهم عنها ، ولا خروج
[ ص: 246 ] لهم منها .
وقوله : (
حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) أي : حتى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجن والإنس ما يوعدون يوم القيامة فسيعلمون يومئذ من أضعف ناصرا وأقل عددا ، هم أم المؤمنون الموحدون لله عز وجل ، أي : بل المشركين لا ناصر لهم بالكلية ، وهم أقل عددا من جنود الله عز وجل .