[ ص: 249 ] تفسير سورة المزمل وهي مكية
قال
الحافظ أبو بكر [ أحمد ] بن عمرو بن عبد الخالق البزار : حدثنا
محمد بن موسى القطان الواسطي ، حدثنا
معلى بن عبد الرحمن ، حدثنا
شريك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13371عبد الله بن محمد بن عقيل ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501423عن جابر قال : اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا : سموا هذا الرجل اسما تصدر الناس عنه ، فقالوا : كاهن . قالوا : ليس بكاهن . قالوا : مجنون . قالوا : ليس بمجنون . قالوا : ساحر . قالوا : ليس بساحر ، فتفرق المشركون على ذلك ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فتزمل في ثيابه وتدثر فيها ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، فقال : " يا أيها المزمل " " يا أيها المدثر " .
ثم قال
البزار :
معلى بن عبد الرحمن قد حدث عنه جماعة من أهل العلم ، واحتملوا حديثه ، لكن تفرد بأحاديث لا يتابع عليها .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
يا أيها المزمل ( 1 )
قم الليل إلا قليلا ( 2 )
نصفه أو انقص منه قليلا ( 3 )
أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ( 4 )
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ( 5 )
إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ( 6 )
إن لك في النهار سبحا طويلا ( 7 )
واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ( 8 )
رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ( 9 ) )
يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل ، وهو : التغطي في الليل ، وينهض إلى القيام لربه عز وجل ، كما قال تعالى : (
تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ) [ السجدة : 16 ] وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلا ما أمره الله تعالى به من قيام الليل ، وقد كان واجبا عليه وحده ، كما قال تعالى : (
ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) [ الإسراء : 79 ] وهاهنا بين له مقدار ما يقوم ، فقال تعالى : (
يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا )
قال
ابن عباس والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : (
يا أيها المزمل ) يعني : يا أيها النائم . وقال
قتادة : المزمل في ثيابه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : نزلت وهو متزمل بقطيفة .
وقال
شبيب بن بشر ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
يا أيها المزمل ) قال : يا
محمد [ ص: 250 ] زملت القرآن .
وقوله : ( نصفه ) بدل من الليل (
أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ) أي : أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل ، لا حرج عليك في ذلك .
وقوله : (
ورتل القرآن ترتيلا ) أي : اقرأه على تمهل ، فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره . وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه ، قالت
عائشة : كان يقرأ السورة فيرتلها ، حتى تكون أطول من أطول منها . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
أنس : أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : كانت مدا ، ثم قرأ (
بسم الله الرحمن الرحيم ) يمد " بسم الله " ، ويمد " الرحمن " ، ويمد " الرحيم " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة nindex.php?page=hadith&LINKID=823237عن أم سلمة : أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان يقطع قراءته آية آية ، ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين ) رواه
أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عبد الرحمن ، عن
سفيان ، عن
عاصم ، عن
زر ، عن
عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820146 " يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " .
ورواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري به ، وقال
الترمذي : حسن صحيح .
وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على
استحباب الترتيل وتحسين الصوت بالقراءة ، كما جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820068 " زينوا القرآن بأصواتكم " ، و
nindex.php?page=hadith&LINKID=820065 " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " ، و
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501424 " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود " يعني : أبا موسى ، فقال أبو موسى : لو كنت أعلم أنك كنت تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا .
وعن
ابن مسعود أنه قال : لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة . رواه
البغوي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
آدم ، حدثنا
شعبة ، حدثنا
عمرو بن مرة : سمعت
أبا وائل قال : جاء رجل إلى
ابن مسعود فقال : قرأت المفصل الليلة في ركعة ، فقال : هذا كهذ الشعر . لقد عرفت
[ ص: 251 ] النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن ، فذكر عشرين سورة من المفصل ، سورتين في ركعة .
وقوله : (
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) قال
الحسن وقتادة : أي العمل به .
وقيل : ثقيل وقت نزوله ; من عظمته . كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت : أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي ، فكادت ترض فخذي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
قتيبة ، حدثنا
ابن لهيعة ، عن
يزيد بن أبي حبيب ، عن
عمرو بن الوليد nindex.php?page=hadith&LINKID=823238عن عبد الله بن عمرو قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، هل تحس بالوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسمع صلاصيل ، ثم أسكت عند ذلك ، فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيض " ، تفرد به
أحمد .
وفي أول صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
عبد الله بن يوسف ، عن
مالك ، عن
هشام ، عن أبيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=823239عن عائشة : أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : " أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول " . قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا هذا لفظه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
سليمان بن داود ، أخبرنا
عبد الرحمن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=823240عن عائشة قالت : إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته ، فتضرب بجرانها .
وقال
ابن جرير : حدثنا
ابن عبد الأعلى ، حدثنا
ابن ثور ، عن
معمر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501425عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته ، وضعت جرانها ، فما تستطيع أن تحرك حتى يسرى عنه .
وهذا مرسل . الجران : هو باطن العنق .
واختار
ابن جرير أنه ثقيل من الوجهين معا ، كما قال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كما ثقل في الدنيا ثقل يوم القيامة في الموازين .
وقوله : (
إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ) قال
أبو إسحاق ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : نشأ : قام
بالحبشة .
وقال
عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وابن الزبير : الليل كله ناشئة . وكذا قال
مجاهد وغير واحد ،
[ ص: 252 ] يقال : نشأ : إذا قام من الليل . وفي رواية عن
مجاهد : بعد العشاء . وكذا قال
أبو مجلز وقتادة وسالم وأبو حازم nindex.php?page=showalam&ids=16920ومحمد بن المنكدر .
والغرض أن ناشئة الليل هي : ساعاته وأوقاته ، وكل ساعة منه تسمى ناشئة ، وهي الآنات . والمقصود أن
قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان ، وأجمع على التلاوة ; ولهذا قال : (
هي أشد وطئا وأقوم قيلا ) أي : أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار ; لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش .
[ وقد ] قال الحافظ
أبو يعلى الموصلي : حدثنا
إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا
أبو أسامة ، حدثنا
الأعمش ، أن
أنس بن مالك قرأ هذه الآية : " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا " فقال له رجل : إنما نقرؤها (
وأقوم قيلا ) فقال له : إن أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحد .
ولهذا قال : (
إن لك في النهار سبحا طويلا ) قال
ابن عباس وعكرمة وعطاء بن أبي مسلم : الفراغ والنوم .
وقال
أبو العالية ومجاهد وابن مالك والضحاك والحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري : فراغا طويلا .
وقال
قتادة : فراغا وبغية ومنقلبا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ( سبحا طويلا ) تطوعا كثيرا .
وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : (
[ إن لك في النهار ] سبحا طويلا ) قال : لحوائجك ، فأفرغ لدينك الليل . قال : وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة ، ثم إن الله من على العباد فخففها ووضعها ، وقرأ : (
قم الليل إلا قليلا ) إلى آخر الآية ، ثم قال : (
إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ) حتى بلغ : (
فاقرءوا ما تيسر منه ) [ الليل نصفه أو ثلثه . ثم جاء أمر أوسع وأفسح وضع الفريضة عنه وعن أمته ] فقال : قال : (
ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) [ الإسراء : 49 ] وهذا الذي قاله كما قاله .
والدليل عليه ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده حيث قال : حدثنا
يحيى ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة ، عن
زرارة بن أوفى عن
سعيد بن هشام : أنه طلق امرأته ثم ارتحل إلى
المدينة ليبيع عقارا له بها ويجعله في الكراع والسلاح ، ثم يجاهد
الروم حتى يموت ، فلقي رهطا من قومه فحدثوه أن رهطا من قومه ستة أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أليس لكم في أسوة ؟ "
[ ص: 253 ] فنهاهم عن ذلك ، فأشهدهم على رجعتها ، ثم رجع إلينا فأخبرنا أنه أتى
ابن عباس فسأله عن الوتر ، فقال : ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : ائت
عائشة فاسألها ثم ارجع إلي فأخبرني بردها عليك . قال : فأتيت على
حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها ، فقال : ما أنا بقاربها ; إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا ، فأبت فيهما إلا مضيا ، فأقسمت عليه ، فجاء معي ، فدخلنا عليها فقالت :
حكيم ؟ وعرفته ، قال : نعم . قالت : من هذا معك ؟ قال :
سعيد بن هشام . قالت : من
هشام ؟ قال :
ابن عامر . قال : فترحمت عليه وقالت : نعم المرء كان
عامر . قلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى . قالت : فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن ، فهممت أن أقوم ، ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : ألست تقرأ هذه السورة : ( يا أيها المزمل ) ؟ قلت : بلى .
nindex.php?page=hadith&LINKID=823241قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا ، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوعا من بعد فريضة ، فهممت أن أقوم ، ثم بدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : كنا نعد له سواكه وطهوره ، فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل ، فيتسوك ثم يتوضأ ثم يصلي ثماني ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة ، فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو [ ويستغفر ثم ينهض وما يسلم . ثم يصلي التاسعة فيقعد فيحمد ربه ويذكره ويدعو ] ثم يسلم تسليما يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم ، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني ، فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم ، أوتر بسبع ، ثم صلى ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم ، فتلك تسع يا بني . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها ، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض ، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا قام ليلة حتى أصبح ، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان .
فأتيت
ابن عباس فحدثته بحديثها ، فقال : صدقت ، أما لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة .
هكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بتمامه . وقد أخرجه
مسلم في صحيحه ، من حديث
قتادة بنحوه .
طريق أخرى عن
عائشة في هذا المعنى : قال
ابن جرير : حدثنا
ابن وكيع ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب - وحدثنا
ابن حميد ، حدثنا
مهران قالا جميعا ، واللفظ
لابن وكيع : عن
موسى بن عبيدة ، حدثني
محمد بن طحلاء ، عن
أبي سلمة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501426عن عائشة قالت : كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا يصلي عليه من الليل ، فتسامع الناس به فاجتمعوا ، فخرج كالمغضب - وكان بهم رحيما ، فخشي أن يكتب [ ص: 254 ] عليهم قيام الليل - فقال : " أيها الناس ، اكلفوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل ، وخير الأعمال ما ديم عليه " . ونزل القرآن : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ) حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق ، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر ، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه ، فرحمهم فردهم إلى الفريضة ، وترك قيام الليل .
ورواه
ابن أبي حاتم من طريق
موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف . والحديث في الصحيح بدون زيادة نزول هذه السورة ، وهذا السياق قد يوهم أن نزول هذه السورة بالمدينة ، وليس كذلك ، وإنما هي مكية . وقوله في هذا السياق : إن بين نزول أولها وآخرها ثمانية أشهر - غريب ; فقد تقدم في رواية أحمد أنه كان بينهما سنة .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو سعيد الأشج ، حدثنا
أبو أسامة ، عن
مسعر ، عن
سماك الحنفي ، سمعت
ابن عباس يقول : أول ما نزل : أول المزمل ، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان ، وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة .
وهكذا رواه
ابن جرير ، عن
أبي كريب ، عن
أبي أسامة به .
وقال
الثوري nindex.php?page=showalam&ids=16925ومحمد بن بشر العبدي كلاهما عن
مسعر ، عن
سماك ، عن
ابن عباس : كان بينهما سنة . وروى
ابن جرير ، عن
أبي كريب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس مثله .
وقال
ابن جرير : حدثنا
ابن حميد ، حدثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
قيس بن وهب عن
أبي عبد الرحمن قال : لما نزلت : ( يا أيها المزمل ) قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم ، حتى نزلت : (
فاقرءوا ما تيسر منه ) قال : فاستراح الناس .
وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري .
وقال
ابن أبي حاتم : [ حدثنا
أبو زرعة ، حدثنا
عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام حدثنا أبي ] عن
قتادة ، عن
زرارة بن أوفى nindex.php?page=hadith&LINKID=823242عن سعد بن هشام قال : فقلت - يعني nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة - : أخبرينا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : ألست تقرأ : ( يا أيها المزمل ) ؟ قلت : بلى . قالت : فإنها كانت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، حتى انتفخت أقدامهم ، وحبس آخرها في السماء ستة عشر شهرا ، ثم نزل .
وقال
معمر عن
قتادة : ( قم الليل إلا قليلا ) قاموا حولا أو حولين ، حتى انتفخت سوقهم
[ ص: 255 ] وأقدامهم ، فأنزل الله تخفيفها بعد في آخر السورة .
وقال
ابن جرير : حدثنا
ابن حميد ، حدثنا
يعقوب القمي ، عن
جعفر عن
سعيد - هو ابن جبير - قال : لما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها المزمل ) قال : مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل ، كما أمره ، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه ، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين : (
إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ) إلى قوله : (
وأقيموا الصلاة ) فخفف الله تعالى عنهم بعد عشر سنين .
ورواه
ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن
عمرو بن رافع ، عن
يعقوب القمي به .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله : (
يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا [ أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ) فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا ] فشق ذلك على المؤمنين ، ثم خفف الله عنهم ورحمهم ، فأنزل بعد هذا : (
علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض ) إلى قوله : (
فاقرءوا ما تيسر منه ) فوسع الله - وله الحمد - ولم يضيق .
وقوله : (
واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) أي : أكثر من ذكره ، وانقطع إليه ، وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك ، وما تحتاج إليه من أمور دنياك ، كما قال : (
فإذا فرغت فانصب ) [ الشرح : 7 ] أي : إذا فرغت من مهامك فانصب في طاعته وعبادته ، لتكون فارغ البال . قاله
ابن زيد بمعناه أو قريب منه .
وقال
ابن عباس ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح وعطية والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : ( وتبتل إليه تبتيلا ) أي : أخلص له العبادة .
وقال
الحسن : اجتهد وبتل إليه نفسك .
وقال
ابن جرير : يقال للعابد : متبتل ، ومنه الحديث المروي : أنه نهى عن التبتل ، يعني : الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج .
وقوله : (
رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) أي : هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب لا إله إلا هو ، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل ، ( فاتخذه وكيلا ) كما قال في الآية الأخرى : (
فاعبده وتوكل عليه ) [ هود : 123 ] وكقوله : (
إياك نعبد وإياك نستعين ) وآيات كثيرة في هذا المعنى ، فيها الأمر بإفراد العبادة والطاعة لله ، وتخصيصه بالتوكل عليه .