[ ص: 302 ] تفسير سورة النبأ وهي مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
عم يتساءلون ( 1 )
عن النبإ العظيم ( 2 )
الذي هم فيه مختلفون ( 3 )
كلا سيعلمون ( 4 )
ثم كلا سيعلمون ( 5 )
ألم نجعل الأرض مهادا ( 6 )
والجبال أوتادا ( 7 )
وخلقناكم أزواجا ( 8 )
وجعلنا نومكم سباتا ( 9 )
وجعلنا الليل لباسا ( 10 )
وجعلنا النهار معاشا ( 11 )
وبنينا فوقكم سبعا شدادا ( 12 )
وجعلنا سراجا وهاجا ( 13 )
وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ( 14 )
لنخرج به حبا ونباتا ( 15 )
وجنات ألفافا ( 16 ) )
يقول تعالى منكرا على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكارا لوقوعها : (
عم يتساءلون عن النبإ العظيم ) أي : عن أي شيء يتساءلون ؟ من أمر القيامة ، وهو النبأ العظيم ، يعني : الخبر الهائل المفظع الباهر .
قال
قتادة ،
وابن زيد : النبأ العظيم : البعث بعد الموت . وقال
مجاهد : هو القرآن . والأظهر الأول لقوله : (
الذي هم فيه مختلفون ) يعني : الناس فيه على قولين : مؤمن به وكافر .
ثم قال تعالى متوعدا لمنكري القيامة : (
كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد .
ثم شرع وتعالى
يبين قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة ، الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره ، فقال : (
ألم نجعل الأرض مهادا ) ؟ أي : ممهدة للخلائق ذلولا لهم ، قارة ساكنة ثابتة ، (
والجبال أوتادا ) أي : جعلها لها أوتادا أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها .
ثم قال : (
وخلقناكم أزواجا ) يعني : ذكرا وأنثى ، يستمتع كل منهما بالآخر ، ويحصل التناسل بذلك ، كقوله : (
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) [ الروم : 21 ] .
وقوله : (
وجعلنا نومكم سباتا ) أي : قطعا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي
[ ص: 303 ] في المعايش في عرض النهار . وقد تقدم مثل هذه الآية في سورة " الفرقان " .
(
وجعلنا الليل لباسا ) أي : يغشى الناس ظلامه وسواده ، كما قال : (
والليل إذا يغشاها ) [ الشمس : 4 ] وقال الشاعر :
فلما لبسن الليل ، أو حين نصبت له من خذا آذانها وهو جانح
وقال
قتادة في قوله : (
وجعلنا الليل لباسا ) أي : سكنا .
وقوله : (
وجعلنا النهار معاشا ) أي : جعلناه مشرقا منيرا مضيئا ، ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات ، وغير ذلك .
وقوله : (
وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) يعني : السماوات السبع ، في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها ، وتزيينها بالكواكب الثوابت والسيارات ; ولهذا قال : (
وجعلنا سراجا وهاجا ) يعني : الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم .
وقوله : (
وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ) قال
العوفي ، عن
ابن عباس : (
المعصرات ) الريح .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو سعيد ، حدثنا
أبو داود الحفري عن
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
المنهال ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
وأنزلنا من المعصرات ) قال : الرياح . وكذا قال
عكرمة ،
ومجاهد ،
وقتادة ،
ومقاتل ،
والكلبي ،
وزيد بن أسلم : وابنه
عبد الرحمن : إنها الرياح . ومعنى هذا القول أنها تستدر المطر من السحاب .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
من المعصرات ) أي : من السحاب . وكذا قال
عكرمة أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية ،
والضحاك ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري . واختاره
ابن جرير .
وقال
الفراء : هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد ، كما يقال امرأة معصر ، إذا دنا حيضها ولم تحض .
وعن
الحسن ،
وقتادة : (
من المعصرات ) يعني : السماوات . وهذا قول غريب .
والأظهر أن المراد بالمعصرات : السحاب ، كما قال [ الله ] تعالى : (
الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله ) [ الروم : 48 ] أي : من بينه .
وقوله : (
ماء ثجاجا ) قال
مجاهد ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس : (
ثجاجا ) منصبا . وقال
الثوري : متتابعا . وقال
ابن زيد : كثيرا .
[ ص: 304 ]
قال
ابن جرير : ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج ، وإنما الثج : الصب المتتابع . ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823279 " أفضل الحج العج والثج " . يعني صب دماء البدن . هكذا قال . قلت : وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" أنعت لك الكرسف " - يعني : أن تحتشي بالقطن - : قالت : يا رسول الله ، هو أكثر من ذلك ، إنما أثج ثجا . وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصب المتتابع الكثير ، والله أعلم .
وقوله : (
لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ) أي : لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك ) حبا ) يدخر للأناسي والأنعام ، (
ونباتا ) أي : خضرا يؤكل رطبا ، ( وجنات ) أي : بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة ، وألوان مختلفة ، وطعوم وروائح متفاوتة ، وإن كان ذهلك في بقعة واحدة من الأرض مجتمعا ; ولهذا قال : (
وجنات ألفافا ) قال
ابن عباس ، وغيره : (
ألفافا ) مجتمعة . وهذه كقوله تعالى : (
وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) الآية [ الرعد : 4 ] .