(
إن يوم الفصل كان ميقاتا ( 17 )
يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ( 18 )
وفتحت السماء فكانت أبوابا ( 19 )
وسيرت الجبال فكانت سرابا ( 20 )
إن جهنم كانت مرصادا ( 21 )
للطاغين مآبا ( 22 )
لابثين فيها أحقابا ( 23 )
لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ( 24 )
إلا حميما وغساقا ( 25 )
جزاء وفاقا ( 26 )
إنهم كانوا لا يرجون حسابا ( 27 )
وكذبوا بآياتنا كذابا ( 28 )
وكل شيء أحصيناه كتابا ( 29 )
فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ( 30 ) )
يقول تعالى مخبرا عن يوم الفصل ، وهو
يوم القيامة ، أنه مؤقت بأجل معدود ، لا يزاد عليه ولا ينقص منه ، ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله - عز وجل - كما قال : (
وما نؤخره إلا لأجل معدود ) [ هود : 104 ] .
(
يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ) قال
مجاهد : زمرا . قال
ابن جرير : يعني تأتي كل أمة مع رسولها ، كقوله : (
يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) [ الإسراء : 31 ] .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : (
يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ) حدثنا
محمد ، حدثنا
أبو معاوية ، عن
الأعمش ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823280 " ما بين النفختين أربعون " .
[ ص: 305 ] قالوا : أربعون يوما ؟ قال : " أبيت " . قالوا : أربعون شهرا ؟ قال : " أبيت " . قالوا : أربعون سنة ؟ قال : " أبيت " . قال : " ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى ، إلا عظما واحدا ، وهو عجب الذنب ، ومنه يركب الخلق يوم القيامة " .
(
وفتحت السماء فكانت أبوابا ) أي : طرقا ومسالك لنزول الملائكة ، (
وسيرت الجبال فكانت سرابا ) كقوله : (
وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) [ النمل : 88 ] وكقوله : (
وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) [ القارعة : 5 ] .
وقال هاهنا : (
فكانت سرابا ) أي : يخيل إلى الناظر أنها شيء ، وليست بشيء ، بعد هذا تذهب بالكلية ، فلا عين ولا أثر ، كما قال : (
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) [ طه : 105 - 107 ] وقال : (
ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة ) [ الكهف : 47 ] .
وقوله : (
إن جهنم كانت مرصادا ) أي : مرصدة معدة ، (
للطاغين ) وهم : المردة العصاة المخالفون للرسل ، (
مآبا ) أي : مرجعا ومنقلبا ومصيرا ونزلا . وقال
الحسن ،
وقتادة في قوله : (
إن جهنم كانت مرصادا ) يعني : أنه لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز بالنار ، فإن كان معه جواز نجا ، وإلا احتبس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : عليها ثلاث قناطر .
وقوله : (
لابثين فيها أحقابا ) أي : ماكثين فيها أحقابا ، وهي جمع " حقب " ، وهو : المدة من الزمان . وقد اختلفوا في مقداره . فقال
ابن جرير ، عن
ابن حميد ، عن
مهران ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16650عمار الدهني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب لهلال الهجري : ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال : نجده ثمانين سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا ، كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة .
وهكذا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وعمرو بن ميمون ،
والحسن ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
والضحاك . وعن
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي أيضا : سبعون سنة كذلك . وعن
عبد الله بن عمرو : الحقب أربعون سنة ، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون . رواهما
ابن أبي حاتم .
وقال
بشير بن كعب : ذكر لي أن الحقب الواحد ثلاثمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم منها كألف سنة . رواه
ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم .
ثم قال
ابن أبي حاتم : ذكر عن
عمر بن علي بن أبي بكر الأسفذني : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17070مروان بن معاوية الفزاري ، عن
جعفر بن الزبير ، عن
القاسم ، عن
أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826666 ( لابثين فيها أحقابا ) [ ص: 306 ] قال : فالحقب [ ألف ] شهر ، الشهر ثلاثون يوما ، والسنة اثنا عشر شهرا ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم منها ألف سنة مما تعدون ، فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة . وهذا حديث منكر جدا ،
والقاسم هو والراوي عنه وهو
جعفر بن الزبير كلاهما متروك .
وقال
البزار : حدثنا
محمد بن مرداس ، حدثنا
سليمان بن مسلم أبو المعلى قال : سألت
سليمان التيمي : هل يخرج من النار أحد ؟ فقال حدثني
نافع ، عن
ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501446 " والله لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقابا " . قال : والحقب : بضع وثمانون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون .
ثم قال :
سليمان بن مسلم بصري مشهور .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
لابثين فيها أحقابا ) سبعمائة حقب ، كل حقب سبعون سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم كألف سنة مما تعدون .
وقد قال
مقاتل بن حيان : إن هذه الآية منسوخة بقوله : (
فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا )
وقال
خالد بن معدان : هذه الآية وقوله : (
إلا ما شاء ربك ) [ هود : 107 ] في أهل التوحيد . رواهما
ابن جرير .
ثم قال : ويحتمل أن يكون قوله : (
لابثين فيها أحقابا ) متعلقا بقوله : (
لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ) ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذابا من شكل آخر ونوع آخر . ثم قال : والصحيح أنها لا انقضاء لها ، كما قال
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس وقد قال قبل ذلك حدثني
محمد بن عبد الرحيم البرقي ، حدثنا
عمرو بن أبي سلمة ، عن
زهير ، عن
سالم : سمعت
الحسن يسأل عن قوله : (
لابثين فيها أحقابا ) قال : أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار ، ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة ، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون .
وقال
سعيد ، عن
قتادة : قال الله تعالى : (
لابثين فيها أحقابا ) وهو : ما لا انقطاع له ، كلما مضى حقب جاء حقب بعده ، وذكر لنا أن الحقب ثمانون سنة .
وقال
الربيع بن أنس : (
لابثين فيها أحقابا ) لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله ، ولكن الحقب الواحد ثمانون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم كألف سنة مما تعدون . رواهما أيضا
ابن جرير .
[ ص: 307 ]
وقوله : (
لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ) أي :
لا يجدون في جهنم بردا لقلوبهم ، ولا شرابا طيبا يتغذون به . ولهذا قال : (
إلا حميما وغساقا ) قال
أبو العالية : استثنى من البرد الحميم ومن الشراب الغساق . وكذا قال
الربيع بن أنس . فأما الحميم : فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموه . والغساق : هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم ، فهو بارد لا يستطاع من برده ، ولا يواجه من نتنه . وقد قدمنا الكلام على الغساق في سورة " ص " بما أغنى عن إعادته ، أجارنا الله من ذلك ، بمنه وكرمه .
قال
ابن جرير : وقيل : المراد بقوله : (
لا يذوقون فيها بردا ) يعني : النوم ، كما قال
الكندي :
بردت مراشفها علي فصدني عنها وعن قبلاتها ، البرد
يعني بالبرد : النعاس والنوم هكذا ذكره ولم يعزه إلى أحد . وقد رواه
ابن أبي حاتم ، من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
مرة الطيب . ونقله عن
مجاهد أيضا . وحكاه
البغوي عن
أبي عبيدة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي أيضا .
وقوله : (
جزاء وفاقا ) أي : هذا الذي صاروا إليه من هذه
العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا . قاله
مجاهد ،
وقتادة ، وغير واحد .
ثم قال : (
إنهم كانوا لا يرجون حسابا ) أي : لم يكونوا يعتقدون أن ثم دارا يجازون فيها ويحاسبون ، (
وكذبوا بآياتنا كذابا ) أي : وكانوا
يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله ، فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة .
وقوله : ( كذابا ) أي : تكذيبا ، وهو مصدر من غير الفعل . قالوا : وقد سمع أعرابي يستفتي الفراء على المروة : الحلق أحب إليك أو القصار ؟ وأنشد بعضهم :
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج قضاؤها من شفائيا
وقوله : (
وكل شيء أحصيناه كتابا ) أي : وقد علمنا
أعمال العباد كلهم ، وكتبناها عليهم ، وسنجزيهم على ذلك ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
وقوله : (
فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) أي : يقال لأهل النار : ذوقوا ما أنتم فيه ، فلن نزيدكم إلا عذابا من جنسه ، (
وآخر من شكله أزواج ) [ ص : 58 ] .
قال
قتادة : عن
أبي أيوب الأزدي ، عن
عبد الله بن عمرو قال : لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه : (
فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) قال : فهم في مزيد من العذاب أبدا .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
محمد بن محمد بن مصعب الصوري ، حدثنا
خالد بن عبد [ ص: 308 ] الرحمن ، حدثنا
جسر بن فرقد ، عن
الحسن قال : سألت
أبا برزة الأسلمي عن
أشد آية في كتاب الله على أهل النار . قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ :
( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) فقال : " هلك القوم بمعاصيهم الله - عز وجل - " .
جسر بن فرقد : ضعيف الحديث بالكلية .