(
رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا ( 37 )
يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ( 38 )
ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ( 39 )
إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا ( 40 ) )
يخبر تعالى عن عظمته وجلاله ، وأنه رب السموات والأرض وما فيهما وما بينهما ، وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء .
وقوله : (
لا يملكون منه خطابا ) أي : لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه ، كقوله : (
من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) [ البقرة : 255 ] ، وكقوله : (
يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه ) [ هود : 105 ]
وقوله : (
يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون ) اختلف المفسرون في المراد بالروح هاهنا ، ما هو ؟ على أقوال :
أحدها : رواه
العوفي ، عن
ابن عباس : أنهم أرواح بني آدم .
الثاني : هم بنو آدم . قاله
الحسن ،
وقتادة ، وقال
قتادة : هذا مما كان
ابن عباس يكتمه .
الثالث : أنهم خلق من خلق الله ، على صور بني آدم ، وليسوا بملائكة ولا ببشر ، وهم يأكلون ويشربون . قاله
ابن عباس ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش .
الرابع : هو
جبريل . قاله
الشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والضحاك . ويستشهد لهذا القول بقوله : (
نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193 ، 194 ] وقال
مقاتل بن حيان : الروح : أشرف الملائكة ، وأقرب إلى الرب - عز وجل - وصاحب الوحي .
والخامس : أنه القرآن . قاله
ابن زيد ، كقوله : (
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) الآية [ الشورى : 52 ] .
والسادس : أنه ملك من الملائكة بقدر جميع المخلوقات ; قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : قوله : (
يوم يقوم الروح ) قال : هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقا .
وقال
ابن جرير : حدثني
محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا
رواد بن الجراح ، عن
أبي [ ص: 310 ] حمزة ، عن
الشعبي ، عن
علقمة ، عن
ابن مسعود قال : الروح : في السماء الرابعة هو أعظم من السماوات ومن الجبال ومن الملائكة ، يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق الله من كل تسبيحة ملكا من الملائكة يجيء يوم القيامة صفا وحده ، وهذا قول غريب جدا .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : حدثنا
محمد بن عبد الله بن عرس المصري ، حدثنا
وهب [ الله بن رزق أبو هريرة ، حدثنا
بشر بن بكر ] ، حدثنا
الأوزاعي ، حدثني
عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825658 " إن لله ملكا لو قيل له : التقم السماوات السبع والأرضين بلقمة واحدة ، لفعل ، تسبيحه : سبحانك حيث كنت " .
وهذا حديث غريب جدا ، وفي رفعه نظر ، وقد يكون موقوفا على
ابن عباس ، ويكون مما تلقاه من الإسرائيليات ، والله أعلم .
وتوقف
ابن جرير فلم يقطع بواحد من هذه الأقوال كلها ، والأشبه - والله أعلم - أنهم بنو آدم .
وقوله : (
إلا من أذن له الرحمن ) كقوله : (
لا تكلم نفس إلا بإذنه ) [ هود : 105 ] . وكما ثبت في الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823281 " ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل " .
وقوله (
وقال صوابا ) أي : حقا ، ومن الحق : " لا إله إلا الله " ، كما قاله
أبو صالح ،
وعكرمة .
وقوله : (
ذلك اليوم الحق ) أي : الكائن لا محالة ، (
فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ) أي : مرجعا وطريقا يهتدي إليه ومنهجا يمر به عليه .
وقوله : (
إنا أنذرناكم عذابا قريبا ) يعني : يوم القيامة لتأكد وقوعه صار قريبا ، لأن كل ما هو آت آت .
(
يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) أي : يعرض عليه جميع أعماله ، خيرها وشرها ، قديمها وحديثها ، كقوله : (
ووجدوا ما عملوا حاضرا ) [ الكهف : 49 ] ، وكقوله : (
ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) [ القيامة : 13 ] .
(
ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا ) أي : يود الكافر يومئذ أنه كان في الدار الدنيا ترابا ، ولم يكن خلق ، ولا خرج إلى الوجود . وذلك حين عاين عذاب الله ، ونظر إلى أعماله الفاسدة قد سطرت عليه بأيدي الملائكة السفرة الكرام البررة ، وقيل : إنما يود ذلك حين يحكم الله بين
[ ص: 311 ] الحيوانات التي كانت في الدنيا ، فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا يجور ، حتى إنه
ليقتص للشاة الجماء من القرناء . فإذا فرغ من الحكم بينها قال لها : كوني ترابا ، فتصير ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : (
ياليتني كنت ترابا ) أي : كنت حيوانا فأرجع إلى التراب . وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور وورد فيه آثار عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمرو ، وغيرهما .
[ آخر تفسير سورة " عم " ]