[ ص: 319 ] تفسير
سورة عبس وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
عبس وتولى ( 1 )
أن جاءه الأعمى ( 2 )
وما يدريك لعله يزكى ( 3 )
أو يذكر فتنفعه الذكرى ( 4 )
أما من استغنى ( 5 )
فأنت له تصدى ( 6 )
وما عليك ألا يزكى ( 7 )
وأما من جاءك يسعى ( 8 )
وهو يخشى ( 9 )
فأنت عنه تلهى ( 10 )
كلا إنها تذكرة ( 11 )
فمن شاء ذكره ( 12 )
في صحف مكرمة ( 13 )
مرفوعة مطهرة ( 14 )
بأيدي سفرة ( 15 )
كرام بررة ( 16 ) )
ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء
قريش وقد طمع في إسلامه فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديما فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعا ورغبة في هدايته وعبس في وجه
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر فأنزل الله عز وجل (
عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى ) ؟ أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه (
أو يذكر فتنفعه الذكرى ) أي يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم ، (
أما من استغنى فأنت له تصدى ) أي أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي (
وما عليك ألا يزكى ) ؟ أي ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة (
وأما من جاءك يسعى وهو يخشى ) أي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له (
فأنت عنه تلهى ) أي : تتشاغل ومن هاهنا أمر الله عز وجل - رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يخص بالإنذار أحدا بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف والفقير والغني والسادة والعبيد والرجال والنساء والصغار والكبار ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12201الحافظ أبو يعلى في مسنده حدثنا
محمد هو ابن مهدي حدثنا
عبد الرزاق أخبرنا
معمر عن
قتادة عن
أنس في قوله
) عبس وتولى ) جاء nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه فأنزل الله ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه
قال
قتادة وأخبرني
أنس بن مالك قال رأيته يوم
القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء
[ ص: 320 ] يعني
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم .
وقال
أبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير حدثنا
سعيد بن يحيى الأموي حدثني أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة مما عرضه عليه عن
عروة عن
عائشة قالت أنزلت (
عبس وتولى ) في
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم الأعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرشدني . قالت وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين قالت فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول أترى بما أقول بأسا فيقول : لا ففي هذا أنزلت (
عبس وتولى ) .
وقد روى
الترمذي هذا الحديث ، عن
سعيد بن يحيى الأموي بإسناده مثله ثم قال وقد رواه بعضهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه قال أنزلت (
عبس وتولى ) في
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم ولم يذكر فيه عن
عائشة .
قلت كذلك هو في الموطأ .
ثم روى
ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم أيضا من طريق
العوفي عن
ابن عباس قوله (
عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) قال
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام nindex.php?page=showalam&ids=18والعباس بن عبد المطلب وكان يتصدى لهم كثيرا ويحرص عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له nindex.php?page=showalam&ids=100عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن وقال يا رسول الله علمني مما علمك الله فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله بعض بصره ثم خفق برأسه ثم أنزل الله ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ) فلما نزل فيه ما نزل أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما حاجتك هل تريد من شيء " وإذا ذهب من عنده قال هل لك حاجة في شيء ؟ وذلك لما أنزل الله تعالى ( أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى ) .
فيه غرابة ونكارة وقد تكلم في إسناده
وقال
ابن أبي حاتم حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14386أحمد بن منصور الرمادي حدثنا
عبد الله بن صالح حدثنا
الليث حدثنا
يونس عن
ابن شهاب قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله عن
عبد الله بن عمر [ ص: 321 ] سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501450إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم وهو الأعمى الذي أنزل الله فيه (
عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) وكان يؤذن مع
بلال قال
سالم وكان رجلا ضرير البصر فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن .
وهكذا ذكر
عروة بن الزبير ومجاهد وأبو مالك وقتادة والضحاك وابن زيد وغير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم والمشهور أن اسمه
عبد الله ويقال :
عمرو والله أعلم
وقوله (
كلا إنها تذكرة ) أي هذه السورة أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم من شريفهم ووضيعهم
وقال
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي (
كلا إنها تذكرة ) يعني القرآن (
فمن شاء ذكره ) أي فمن شاء ذكر الله في جميع أموره ويحتمل عود الضمير على الوحي لدلالة الكلام عليه
وقوله (
في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة ) أي هذه السورة أو العظة وكلاهما متلازم بل جميع القرآن (
في صحف مكرمة ) أي : معظمة موقرة ( مرفوعة ) أي عالية القدر ( مطهرة ) أي من الدنس والزيادة والنقص .
وقوله (
بأيدي سفرة ) قال
ابن عباس ومجاهد والضحاك وابن زيد هي الملائكة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه هم أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم وقال
قتادة هم القراء وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
ابن عباس السفرة بالنبطية القراء
وقال
ابن جرير الصحيح أن السفرة الملائكة والسفرة يعني بين الله وبين خلقه ومنه يقال : السفير الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير كما قال الشاعر :
وما أدع السفارة بين قومي وما أمشي بغش إن مشيت
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سفرة الملائكة . سفرت أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم .
وقوله (
كرام بررة ) أي خلقهم كريم حسن شريف وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة ومن هاهنا
ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد حدثنا
إسماعيل حدثنا
هشام عن
قتادة عن
زرارة بن أوفى عن
سعد بن هشام عن
عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501451الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران [ ص: 322 ] أخرجه الجماعة من طريق
قتادة به .