(
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( 17 )
وإلى السماء كيف رفعت ( 18 )
وإلى الجبال كيف نصبت ( 19 )
وإلى الأرض كيف سطحت ( 20 )
فذكر إنما أنت مذكر ( 21 )
لست عليهم بمسيطر ( 22 )
إلا من تولى وكفر ( 23 )
فيعذبه الله العذاب الأكبر ( 24 )
إن إلينا إيابهم ( 25 )
ثم إن علينا حسابهم ( 26 ) )
يقول تعالى آمرا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته : (
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) ؟ فإنها خلق عجيب ، وتركيبها غريب ، فإنها في غاية القوة والشدة ، وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل ، وتنقاد للقائد الضعيف ، وتؤكل ، وينتفع بوبرها ، ويشرب لبنها . ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل ، وكان
شريح القاضي يقول : اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت ، وإلى السماء كيف رفعت ؟ أي : كيف رفعها الله ، - عز وجل - عن الأرض هذا الرفع العظيم ، كما قال تعالى : (
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ) [ ق : 6 ]
(
وإلى الجبال كيف نصبت ) أي : جعلت منصوبة قائمة ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها ، وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن .
(
وإلى الأرض كيف سطحت ) ؟ أي : كيف بسطت ومدت ومهدت ، فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه ، والسماء التي فوق رأسه ، والجبل الذي تجاهه ، والأرض التي تحته - على قدرة خالق ذلك وصانعه ، وأنه الرب العظيم الخالق المتصرف المالك ، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه . وهكذا أقسم
" ضمام " في سؤاله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد حيث قال :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11920هاشم بن القاسم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16034سليمان بن المغيرة ، عن
ثابت ، nindex.php?page=hadith&LINKID=824097عن أنس قال : كنا نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد ، إنه أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك . قال : " صدق " . قال : فمن خلق السماء ؟ قال : " الله " . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : " الله " . قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : " الله " . قال : فبالذي خلق السماء والأرض ونصب هذه الجبال ، آلله أرسلك ؟ قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا . قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ [ ص: 388 ] قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا ؟ قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ . قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قال : " صدق " . قال : ثم ولى فقال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن شيئا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن صدق ليدخلن الجنة " .
وقد رواه
مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16696عمرو الناقد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11920أبي النضر هاشم بن القاسم ، به وعلقه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ورواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16034سليمان بن المغيرة به ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث
الليث بن سعد ، عن
سعيد المقبري ، عن
شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن
أنس ، به بطوله وقال في آخره : " وأنا
ضمام بن ثعلبة أخو
بني سعد بن بكر " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12201الحافظ أبو يعلى : حدثنا
إسحاق ، حدثنا
عبد الله بن جعفر ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما كان يحدث عن امرأة في الجاهلية على رأس جبل ، معها ابن لها ترعى غنما ، فقال لها ابنها : يا أمه ، من خلقك ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق أبي ؟ قالت : الله . قال : فمن خلقني ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق السماء ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق الأرض ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق الجبل ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق هذه الغنم ؟ قالت : الله . قال : إني لأسمع لله شأنا . وألقى نفسه من الجبل فتقطع .
قال
ابن عمر : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما يحدثنا هذا .
قال
ابن دينار : كان
ابن عمر كثيرا ما يحدثنا بهذا .
في إسناده ضعف ،
nindex.php?page=showalam&ids=166وعبد الله بن جعفر هذا هو المديني ، ضعفه ولده الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني وغيره .
وقوله : (
فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) أي : فذكر - يا
محمد - الناس بما أرسلت به إليهم ، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ; ولهذا قال : (
لست عليهم بمسيطر ) قال
ابن عباس ،
ومجاهد ، وغيرهما : لست عليهم بجبار .
وقال
ابن زيد : لست بالذي تكرههم على الإيمان .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن
جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824098 " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله - عز وجل - " . ثم قرأ : ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) [ ص: 389 ]
وهكذا رواه
مسلم في كتاب " الإيمان " ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في كتابي التفسير " من سننيهما ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان بن سعيد الثوري ، به بهذه الزيادة وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، بدون ذكر هذه الآية .
وقوله : (
إلا من تولى وكفر ) أي : تولى عن العمل بأركانه ، وكفر بالحق بجنانه ولسانه . وهذه كقوله : (
فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ) [ القيامة : 31 ، 32 ] ولهذا قال : (
فيعذبه الله العذاب الأكبر ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
قتيبة ، حدثنا
ليث ، عن
سعيد بن أبي هلال ، عن
علي بن خالد nindex.php?page=hadith&LINKID=824099أن أبا أمامة الباهلي مر على خالد بن يزيد بن معاوية ، فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ألا كلكم يدخل الجنة ، إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله " .
تفرد بإخراجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وعلي بن خالد هذا ذكره
ابن أبي حاتم عن أبيه ، ولم يزد على ما هاهنا : " روى عن
أبي أمامة ، وعنه
سعيد بن أبي هلال " .
وقوله : (
إن إلينا إيابهم ) أي : مرجعهم ومنقلبهم (
ثم إن علينا حسابهم ) أي : نحن نحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
آخر تفسير سورة " الغاشية " ولله الحمد والمنة .