[ ص: 390 ] تفسير سورة الفجر وهي مكية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : أخبرنا
عبد الوهاب بن الحكم ، أخبرني
يحيى بن سعيد ، عن
سليمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16883محارب بن دثار وأبي صالح ، عن
جابر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826705صلى معاذ صلاة ، فجاء رجل فصلى معه فطول ، فصلى في ناحية المسجد ثم انصرف ، فبلغ ذلك معاذا فقال : منافق . فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل الفتى ، فقال : يا رسول الله ، جئت أصلي معه فطول علي ، فانصرفت وصليت في ناحية المسجد ، فعلقت ناضحي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفتان يا معاذ ؟ أين أنت من ( سبح اسم ربك الأعلى ) ( والشمس وضحاها ) ( والفجر ) ( والليل إذا يغشى ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
والفجر ( 1 )
وليال عشر ( 2 )
والشفع والوتر ( 3 )
والليل إذا يسر ( 4 )
هل في ذلك قسم لذي حجر ( 5 )
ألم تر كيف فعل ربك بعاد ( 6 )
إرم ذات العماد ( 7 )
التي لم يخلق مثلها في البلاد ( 8 )
وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ( 9 )
وفرعون ذي الأوتاد ( 10 )
الذين طغوا في البلاد ( 11 )
فأكثروا فيها الفساد ( 12 )
فصب عليهم ربك سوط عذاب ( 13 )
إن ربك لبالمرصاد ( 14 ) )
أما الفجر فمعروف ، وهو : الصبح . قاله
علي ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
ومجاهد ، وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . وعن
مسروق ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب : المراد به فجر يوم النحر خاصة ، وهو خاتمة الليالي العشر .
وقيل : المراد بذلك الصلاة التي تفعل عنده ، كما قاله
عكرمة .
وقيل : المراد به جميع النهار . وهو رواية عن
ابن عباس .
والليالي العشر : المراد بها عشر ذي الحجة . كما قاله
ابن عباس ،
وابن الزبير ،
ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف . وقد ثبت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
ابن عباس مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824100 " ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام " - يعني عشر ذي الحجة - قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجلا خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء " .
[ ص: 391 ]
وقيل : المراد بذلك العشر الأول من المحرم ، حكاه
أبو جعفر بن جرير ولم يعزه إلى أحد وقد روى
أبو كدينة ، عن
قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
وليال عشر ) قال : هو العشر الأول من رمضان .
والصحيح القول الأول ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، حدثنا
عياش بن عقبة ، حدثني
خير بن نعيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن
جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822397 " إن العشر عشر الأضحى ، والوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر " .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
محمد بن رافع وعبدة بن عبد الله ، كل منهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، به ورواه
ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، به وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم ، وعندي أن المتن في رفعه نكارة ، والله أعلم .
وقوله : (
والشفع والوتر ) قد تقدم في هذا الحديث أن الوتر يوم عرفة ، لكونه التاسع ، وأن الشفع يوم النحر لكونه العاشر . وقاله
ابن عباس ،
وعكرمة ، والضحاك أيضا .
قول ثان : وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو سعيد الأشج ، حدثني
عقبة بن خالد ، عن
واصل بن السائب قال : سألت
عطاء عن قوله : (
والشفع والوتر ) قلت : صلاتنا وترنا هذا ؟ قال : لا ولكن الشفع يوم عرفة ، والوتر ليلة الأضحى .
قول ثالث : قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
محمد بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، حدثني أبي ، عن
النعمان - يعني ابن عبد السلام - عن
أبي سعيد بن عوف ، حدثني
بمكة قال : سمعت
عبد الله بن الزبير يخطب الناس ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن الشفع والوتر . فقال : الشفع قول الله ، - عز وجل - : (
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) والوتر قوله : (
ومن تأخر فلا إثم عليه ) [ البقرة : 203 ] .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : أخبرني
محمد بن المرتفع أنه سمع
ابن الزبير يقول : الشفع أوسط أيام التشريق ، والوتر آخر أيام التشريق .
وفي الصحيحين من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820202 " إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " .
قول رابع : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ،
وزيد بن أسلم : الخلق كلهم شفع ، ووتر ، أقسم تعالى بخلقه . وهو رواية عن
مجاهد ، والمشهور عنه الأول .
[ ص: 392 ]
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : (
والشفع والوتر ) قال : الله وتر واحد ، وأنتم شفع . ويقال : الشفع صلاة الغداة ، والوتر : صلاة المغرب .
قول خامس : قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو سعيد الأشج ، حدثنا
عبيد بن موسى ، عن
إسرائيل ، عن
أبي يحيى ، عن
مجاهد : (
والشفع والوتر ) قال : الشفع الزوج ، والوتر : الله - عز وجل - .
وقال
أبو عبد الله ، عن
مجاهد : الله الوتر ، وخلقه الشفع ، الذكر والأنثى .
وقال
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
والشفع والوتر ) كل شيء خلقه الله شفع ، السماء والأرض ، والبر والبحر ، والجن والإنس ، والشمس والقمر ، ونحو هذا . ونحا
مجاهد في هذا ما ذكروه في قوله تعالى : (
ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) [ الذاريات : 49 ] أي : لتعلموا أن خالق الأزواج واحد .
قول سادس : قال
قتادة ، عن
الحسن : (
والشفع والوتر ) هو العدد ، منه شفع ومنه وتر .
قول سابع : في الآية الكريمة رواه
ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، ثم قال
ابن جرير : وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر يؤيد القول الذي ذكرنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير : حدثني
عبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، أخبرني
عياش بن عقبة ، حدثني
خير بن نعيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن
جابر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" الشفع اليومان ، والوتر اليوم الثالث " .
هكذا ورد هذا الخبر بهذا اللفظ ، وهو مخالف لما تقدم من اللفظ في رواية
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، وما رواه هو أيضا ، والله أعلم .
قال
أبو العالية ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ، وغيرهما : هي الصلاة ، منها شفع كالرباعية والثنائية ، ومنها وتر كالمغرب ، فإنها ثلاث ، وهي وتر النهار . وكذلك
صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل .
وقد قال
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة ، عن
عمران بن حصين : (
والشفع والوتر ) قال : هي الصلاة المكتوبة ، منها شفع ومنها وتر . وهذا منقطع وموقوف ، ولفظه خاص بالمكتوبة . وقد روي متصلا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه عام ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود - هو الطيالسي - حدثنا
همام ، عن
قتادة ، عن
عمران بن عصام : أن شيخا حدثه من أهل البصرة ، عن
عمران بن حصين :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824101أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الشفع والوتر ، فقال : " هي الصلاة ، بعضها شفع ، وبعضها وتر " .
هكذا وقع في المسند ، وكذا رواه
ابن جرير عن
بندار ، عن
عفان وعن
أبي كريب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=17258همام - وهو ابن يحيى - عن
قتادة ، عن
عمران بن عصام ، عن
[ ص: 393 ] شيخ ، عن
عمران بن حصين وكذا رواه
أبو عيسى الترمذي ، عن
عمرو بن علي ، عن
ابن مهدي وأبي داود ، كلاهما عن
همام ، عن
قتادة ، عن
عمران بن عصام ، عن رجل من أهل البصرة ، عن
عمران بن حصين ، به . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث
قتادة ، وقد رواه
خالد بن قيس أيضا عن
قتادة .
وقد روي عن
عمران بن عصام ، عن
عمران نفسه ، والله أعلم .
قلت : ورواه
ابن أبي حاتم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12260أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، أخبرنا
همام عن
قتادة ، عن
عمران بن عصام الضبعي - شيخ من أهل البصرة - عن
عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره ، هكذا رأيته في تفسيره ، فجعل الشيخ البصري هو
عمران بن عصام [ الضبعي ] .
وهكذا رواه
ابن جرير : حدثنا
نصر بن علي ، حدثني أبي ، حدثني
خالد بن قيس ، عن
قتادة ، عن
عمران بن عصام ، عن
عمران بن حصين ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=824102عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفع والوتر قال : " هي الصلاة منها شفع ، ومنها وتر " .
فأسقط ذكر الشيخ المبهم ، وتفرد به
عمران بن عصام الضبعي أبو عمارة البصري ، إمام مسجد
بني ضبيعة وهو والد
أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي . روى عنه
قتادة ، وابنه
أبو جمرة والمثنى بن سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11834وأبو التياح يزيد بن حميد . وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في كتاب الثقات وذكره
خليفة بن خياط في التابعين من أهل البصرة ، وكان شريفا نبيلا حظيا عند
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج بن يوسف ، ثم قتله يوم الزاوية سنة ثلاث وثمانين لخروجه مع
ابن الأشعث ، وليس له عند
الترمذي سوى هذا الحديث الواحد . وعندي أن وقفه على
عمران بن حصين أشبه ، والله أعلم .
ولم يجزم
ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في الشفع والوتر .
وقوله : (
والليل إذا يسر ) قال
العوفي ، عن
ابن عباس : أي إذا ذهب .
وقال
عبد الله بن الزبير : (
والليل إذا يسر ) حتى يذهب بعضه بعضا .
وقال
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية ،
وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم وابن زيد : (
والليل إذا يسر ) إذا سار .
وهذا يمكن حمله على ما قاله
ابن عباس ، أي : ذهب . ويحتمل أن يكون المراد إذا سار ،
[ ص: 394 ] أي : أقبل . وقد يقال : إن هذا أنسب ; لأنه في مقابلة قوله : (
والفجر ) فإن الفجر هو إقبال النهار وإدبار الليل ، فإذا حمل قوله : (
والليل إذا يسر ) على إقباله كان قسما بإقبال الليل وإدبار النهار ، وبالعكس ، كقوله : (
والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) [ التكوير : 17 ، 18 ] . وكذا قال
الضحاك : (
[ والليل ] إذا يسر ) أي : يجري .
وقال
عكرمة : (
والليل إذا يسر ) يعني : ليلة جمع . رواه
ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم .
ثم قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أحمد بن عصام ، حدثنا
أبو عامر ، حدثنا
كثير بن عبد الله بن عمرو قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، يقول في قوله : (
والليل إذا يسر ) قال : اسر يا سار ولا تبين إلا بجمع .
وقوله : (
هل في ذلك قسم لذي حجر ) أي : لذي عقل ولب وحجا [ ودين ] وإنما سمي العقل حجرا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال ، ومنه حجر البيت لأنه يمنع الطائف من اللصوق بجداره الشامي . ومنه حجر اليمامة ، وحجر الحاكم على فلان : إذا منعه التصرف ، (
ويقولون حجرا محجورا ) [ الفرقان : 22 ] ، كل هذا من قبيل واحد ، ومعنى متقارب ، وهذا القسم هو بأوقات العبادة ، وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب التي يتقرب بها [ إليه عباده ] المتقون المطيعون له ، الخائفون منه ، المتواضعون لديه ، الخاشعون لوجهه الكريم .
ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده : (
ألم تر كيف فعل ربك بعاد ) وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين ، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله ، جاحدين لكتبه . فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم ، وجعلهم أحاديث وعبرا ، فقال : (
ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ) وهؤلاء
عاد الأولى ، وهم أولاد
عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، قاله
ابن إسحاق وهم الذين بعث الله فيهم رسوله
هودا ، عليه السلام ، فكذبوه وخالفوه ، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم ، وأهلكهم بريح صرصر عاتية ، (
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ) [ الحاقة : 7 ، 8 ] وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع ، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون .
فقوله تعالى : (
إرم ذات العماد ) عطف بيان ; زيادة تعريف بهم .
وقوله : (
ذات العماد ) لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد ، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشا ، ولهذا ذكرهم
هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم ، فقال : (
واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله [ لعلكم تفلحون ] ) [ الأعراف : 69 ] . وقال تعالى :
[ ص: 395 ] (
فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) [ فصلت : 15 ] ، وقال هاهنا : (
التي لم يخلق مثلها في البلاد ) أي : القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم ، لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم .
قال
مجاهد :
إرم : أمة قديمة . يعني :
عادا الأولى ، كما قال
قتادة بن دعامة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : إن
إرم بيت مملكة
عاد . وهذا قول حسن جيد قوي .
وقال
مجاهد ، وقتادة ، والكلبي في قوله : (
ذات العماد ) كانوا أهل عمود لا يقيمون .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : إنما قيل لهم : (
ذات العماد ) لطولهم .
واختار الأول
ابن جرير ، ورد الثاني فأصاب .
وقوله : (
التي لم يخلق مثلها في البلاد ) أعاد
ابن زيد الضمير على العماد ; لارتفاعها ، وقال : بنوا عمدا
بالأحقاف لم يخلق مثلها في البلاد . وأما
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير فأعاد الضمير على القبيلة ، أي : لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد ، يعني في زمانهم . وهذا القول هو الصواب ، وقول
ابن زيد ومن ذهب مذهبه ضعيف ; لأنه لو كان أراد ذلك لقال : التي لم يعمل مثلها في البلاد ، وإنما قال : (
لم يخلق مثلها في البلاد )
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
أبو صالح كاتب الليث ، حدثنا
معاوية بن صالح ، عمن حدثه ، عن
المقدام ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر إرم ذات العماد فقال : " كان الرجل منهم يأتي على صخرة فيحملها على الحي فيهلكهم " .
ثم قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
أبو الطاهر ، حدثنا
أنس بن عياض ، عن
ثور بن زيد الديلي . قال : قرأت كتابا - قد سمى حيث قرأه - : أنا
شداد بن عاد ، وأنا الذي رفعت العماد ، وأنا الذي شددت بذراعي نظر واحد ، وأنا الذي كنزت كنزا على سبعة أذرع ، لا يخرجه إلا أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
قلت : فعلى كل قول سواء كانت العماد أبنية بنوها ، أو أعمدة بيوتهم للبدو ، أو سلاحا يقاتلون به ، أو طول الواحد منهم - فهم قبيلة وأمة من الأمم ، وهم المذكورون في القرآن في غير ما موضع ، المقرونون
بثمود كما هاهنا ، والله أعلم . ومن زعم أن المراد بقوله : (
إرم ذات العماد ) مدينة إما
دمشق ، كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وعكرمة ، أو
إسكندرية كما روي عن
القرظي أو غيرهما ، ففيه نظر ، فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا : (
ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ) إن جعل ذلك بدلا أو عطف بيان ، فإنه لا يتسق الكلام حينئذ . ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة
بعاد ، وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يرد ، لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم .
[ ص: 396 ]
وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية ، من ذكر مدينة يقال لها : (
إرم ذات العماد ) مبنية بلبن الذهب والفضة ، قصورها ودورها وبساتينها ، وإن حصباءها لآلئ وجواهر ، وترابها بنادق المسك ، وأنهارها سارحة ، وثمارها ساقطة ، ودورها لا أنيس بها ، وسورها وأبوابها تصفر ، ليس بها داع ولا مجيب . وأنها تنتقل فتارة تكون بأرض
الشام ، وتارة
باليمن ، وتارة
بالعراق ، وتارة بغير ذلك من البلاد - فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين ، من وضع بعض زنادقتهم ، ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك .
وذكر
الثعلبي وغيره أن رجلا من الأعراب - وهو
عبد الله بن قلابة - في زمان
معاوية ذهب في طلب أباعر له شردت ، فبينما هو يتيه في ابتغائها ، إذ طلع على مدينة عظيمة لها سور وأبواب ، فدخلها فوجد فيها قريبا مما ذكرناه من صفات المدينة الذهبية التي تقدم ذكرها ، وأنه رجع فأخبر الناس ، فذهبوا معه إلى المكان الذي قال فلم يروا شيئا .
وقد ذكر
ابن أبي حاتم قصة (
إرم ذات العماد ) هاهنا مطولة جدا ، فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها ، ولو صح إلى ذلك الأعرابي فقد يكون اختلق ذلك ، أو أنه أصابه نوع من الهوس والخبال فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج ، وليس كذلك . وهذا مما يقطع بعدم صحته . وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة والطامعين والمتحيلين ، من وجود مطالب تحت الأرض ، فيها قناطير الذهب والفضة ، وألوان الجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير الكبير ، لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها والأخذ منها ، فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة والسفهاء ، فيأكلونها بالباطل في صرفها في بخاخير وعقاقير ، ونحو ذلك من الهذيانات ، ويطنزون بهم . والذي يجزم به أن في الأرض دفائن جاهلية وإسلامية وكنوزا كثيرة ، من ظفر بشيء منها أمكنه تحويله فأما على الصفة التي زعموها فكذب وافتراء وبهت ، ولم يصح في ذلك شيء مما يقولون إلا عن نقلهم أو نقل من أخذ عنهم ، والله سبحانه وتعالى الهادي للصواب .
وقول
ابن جرير : يحتمل أن يكون المراد بقوله : (
إرم ) قبيلة أو بلدة كانت
عاد تسكنها فلذلك لم تصرف فيه نظر ; لأن المراد من السياق إنما هو الإخبار عن القبيلة ، ولهذا قال بعده : (
وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ) يعني : يقطعون الصخر بالوادي . قال
ابن عباس : ينحتونها ويخرقونها . وكذا قال
مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد . ومنه يقال : " مجتابي النمار " . إذا خرقوها ، واجتاب الثوب : إذا فتحه . ومنه الجيب أيضا . وقال الله تعالى : (
وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ) [ الشعراء : 149 ] . وأنشد
ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم هاهنا قول الشاعر :
[ ص: 397 ] ألا كل شيء - ما خلا الله - بائد كما باد حي من شنيف ومارد هم ضربوا في كل صماء
صعدة بأيد شداد أيدات السواعد
وقال
ابن إسحاق : كانوا عربا ، وكان منزلهم بوادي القرى . وقد ذكرنا قصة " عاد " مستقصاة في سورة " الأعراف " بما أغنى عن إعادته .
وقوله : (
وفرعون ذي الأوتاد ) قال
العوفي ، عن
ابن عباس : الأوتاد : الجنود الذين يشدون له أمره . ويقال :
كان فرعون يوتد أيديهم وأرجلهم في أوتاد من حديد يعلقهم بها . وكذا قال
مجاهد : كان يوتد الناس بالأوتاد . وهكذا قال
سعيد بن جبير ،
والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : كان يربط الرجل ، كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فتشدخه .
وقال
قتادة : بلغنا أنه كانت له مطال وملاعب ، يلعب له تحتها ، من أوتاد وحبال .
وقال
ثابت البناني ، عن
أبي رافع : قيل لفرعون (
ذي الأوتاد ) ; لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد ، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت .
وقوله : (
الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ) أي : تمردوا وعتوا وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذية للناس ، (
فصب عليهم ربك سوط عذاب ) أي : أنزل عليهم رجزا من السماء ، وأحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين .
وقوله : (
إن ربك لبالمرصاد ) قال
ابن عباس : يسمع ويرى . يعني : يرصد خلقه فيما يعملون ، ويجازي كلا بسعيه في الدنيا والأخرى ، وسيعرض الخلائق كلهم عليه ، فيحكم فيهم بعدله ، ويقابل كلا بما يستحقه . وهو المنزه عن الظلم والجور .
وقد ذكر
ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا جدا - وفي إسناده نظر وفي صحته - فقال : حدثنا أبي ، حدثنا
أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا
يونس الحذاء ، عن
أبي حمزة البيساني ، عن
معاذ بن جبل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826708 " يا معاذ ، إن المؤمن لدى الحق أسير . يا معاذ ، إن المؤمن لا يسكن روعه ولا يأمن اضطرابه حتى يخلف جسر جهنم خلف ظهره . يا معاذ ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته ، وعن أن يهلك فيها هو بإذن الله ، - عز وجل - فالقرآن دليله ، والخوف محجته ، والشوق مطيته ، والصلاة كهفه ، والصوم جنته ، والصدقة فكاكه ، والصدق أميره ، والحياء وزيره ، وربه ، - عز وجل - من وراء ذلك كله بالمرصاد " .
قال
ابن أبي حاتم :
يونس الحذاء وأبو حمزة مجهولان ،
وأبو حمزة عن
معاذ مرسل . ولو كان عن
أبي حمزة لكان حسنا . أي : لو كان من كلامه لكان حسنا . ثم قال
ابن أبي حاتم :
[ ص: 398 ]
حدثنا أبي ، حدثنا
صفوان بن صالح ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو ، عن
أيفع بن عبد الكلاعي : أنه سمعه وهو يعظ الناس يقول : إن لجهنم سبع قناطر - قال : والصراط عليهن ، قال : فيحبس الخلائق عند القنطرة الأولى ، فيقول : (
وقفوهم إنهم مسئولون ) [ الصافات : 24 ] ، قال : فيحاسبون على الصلاة ويسألون عنها ، قال : فيهلك فيها من هلك ، وينجو من نجا ، فإذا بلغوا القنطرة الثانية حوسبوا على الأمانة كيف أدوها ، وكيف خانوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . فإذا بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرحم كيف وصلوها وكيف قطعوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . قال : والرحم يومئذ متدلية إلى الهوي في جهنم تقول : اللهم من وصلني فصله ، ومن قطعني فاقطعه . قال : وهي التي يقول الله - عز وجل - : (
إن ربك لبالمرصاد ) .
هكذا أورد هذا الأثر ، ولم يذكر تمامه .