[ ص: 402 ] تفسير سورة البلد وهي مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
لا أقسم بهذا البلد ( 1 )
وأنت حل بهذا البلد ( 2 )
ووالد وما ولد ( 3 )
لقد خلقنا الإنسان في كبد ( 4 )
أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ( 5 )
يقول أهلكت مالا لبدا ( 6 )
أيحسب أن لم يره أحد ( 7 )
ألم نجعل له عينين ( 8 )
ولسانا وشفتين ( 9 )
وهديناه النجدين ( 10 ) )
هذا قسم من الله - عز وجل -
بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حالا ; لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها .
قال
خصيف ، عن
مجاهد : (
لا أقسم بهذا البلد ) لا رد عليهم ; أقسم بهذا البلد .
وقال
شبيب بن بشر ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
لا أقسم بهذا البلد ) يعني :
مكة ، (
وأنت حل بهذا البلد ) قال : أنت - يا
محمد - يحل لك أن تقابل به . وكذا روي عن
سعيد بن جبير ،
وأبي صالح ،
وعطية ، والضحاك ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وابن زيد .
وقال
مجاهد : ما أصبت فيه فهو حلال لك .
وقال
قتادة : (
وأنت حل بهذا البلد ) قال : أنت به من غير حرج ولا إثم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : أحلها الله له ساعة من نهار .
وهذا المعنى الذي قالوه قد ورد به الحديث المتفق على صحته :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822492 " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه . وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب " . وفي لفظ [ آخر ] فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم " .
وقوله : (
ووالد وما ولد ) قال
ابن جرير : حدثنا
أبو كريب ، حدثنا
ابن عطية ، عن
شريك ، عن
خصيف ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : (
ووالد وما ولد ) الوالد : الذي يلد ، وما ولد : العاقر الذي لا يولد له .
[ ص: 403 ]
ورواه [
ابن جرير و ] ابن أبي حاتم ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16101شريك - وهو ابن عبد الله القاضي - به .
وقال
عكرمة : الوالد : العاقر ، وما ولد : الذي يلد . رواه
ابن أبي حاتم .
وقال
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح ،
وقتادة ، والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، والحسن البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15822وخصيف ، وشرحبيل بن سعد وغيرهم : يعني بالوالد آدم ، وما ولد ولده .
وهذا الذي ذهب إليه
مجاهد وأصحابه حسن قوي ; لأنه تعالى لما أقسم
بأم القرى وهي المساكن أقسم بعده بالساكن ، وهو
آدم أبو البشر وولده .
وقال
أبو عمران الجوني : هو
إبراهيم وذريته . رواه
ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم .
واختار
ابن جرير أنه عام في كل والد وولده . وهو محتمل أيضا .
وقوله : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) روي عن
ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وعكرمة ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ،
وخيثمة ، والضحاك ، وغيرهم : يعني منتصبا - زاد
ابن عباس في رواية عنه - في بطن أمه .
والكبد : الاستواء والاستقامة . ومعنى هذا القول : لقد خلقنا الإنسان سويا مستقيما كقوله : (
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ) [ الانفطار : 6 ، 7 ] ، وكقوله (
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) [ التين : 4 ] .
وقال
ابن [ أبي نجيح ] عن جريج nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء عن
ابن عباس : في كبد ، قال : في شدة خلق ، ألم تر إليه . . وذكر مولده ونبات أسنانه .
قال
مجاهد : (
في كبد ) نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة يتكبد في الخلق - قال
مجاهد : وهو كقوله : (
حملته أمه كرها ووضعته كرها ) وأرضعته كرها ، ومعيشته كره ، فهو يكابد ذلك .
وقال
سعيد بن جبير : (
لقد خلقنا الإنسان في كبد ) في شدة وطلب معيشة . وقال
عكرمة : في شدة وطول . وقال
قتادة : في مشقة .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أحمد بن عصام ، حدثنا
أبو عاصم ، أخبرنا
عبد الحميد بن جعفر ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16937محمد بن علي أبا جعفر الباقر سأل رجلا من
الأنصار عن قول الله : (
لقد خلقنا الإنسان في كبد ) قال : في قيامه واعتداله . فلم ينكر عليه
أبو جعفر .
وروى من طريق
أبي مودود : سمعت
الحسن قرأ هذه الآية : (
لقد خلقنا الإنسان في كبد ) قال : يكابد أمرا من أمر الدنيا ، وأمرا من أمر الآخرة - وفي رواية : يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة .
[ ص: 404 ] وقال
ابن زيد : (
لقد خلقنا الإنسان في كبد ) قال :
آدم خلق في السماء ، فسمي ذلك الكبد .
واختار
ابن جرير أن المراد [ بذلك ] مكابدة الأمور ومشاقها .
وقوله : (
أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : يعني أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يأخذ ماله .
وقال
قتادة : (
أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) قال : ابن آدم يظن أن لن يسأل عن هذا المال : من أين اكتسبه ؟ وأين أنفقه ؟
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) قال : الله - عز وجل - .
وقوله : (
يقول أهلكت مالا لبدا ) أي : يقول ابن آدم : أنفقت مالا لبدا ، أي : كثيرا . قاله
مجاهد [ والحسن ] وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وغيرهم .
(
أيحسب أن لم يره أحد ) قال
مجاهد : أي أيحسب أن لم يره الله - عز وجل - . وكذا قال غيره من السلف .
وقوله : (
ألم نجعل له عينين ) أي : يبصر بهما ، ( ولسانا ) أي : ينطق به ، فيعبر عما في ضميره ، (
وشفتين ) يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام ، وجمالا لوجهه وفمه .
وقد روى الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في ترجمة
أبي الربيع الدمشقي ، عن
مكحول قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، قد أنعمت عليك نعما عظاما لا تحصي عددها ولا تطيق شكرها ، وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما ، وجعلت لهما غطاء ، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك ، وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما . وجعلت لك لسانا ، وجعلت له غلافا ، فانطق بما أمرتك وأحللت لك ، فإن عرض لك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك . وجعلت لك فرجا ، وجعلت لك سترا ، فأصب بفرجك ما أحللت لك ، فإن عرض لك ما حرمت عليك فأرخ عليك سترك . يا ابن آدم ، إنك لا تحمل سخطي ، ولا تطيق انتقامي " .
(
وهديناه النجدين ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
عاصم ، عن
زر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - هو ابن مسعود - : (
وهديناه النجدين ) قال : الخير والشر . وكذا روي عن
علي ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
ومجاهد ، وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=16115وأبي وائل ،
وأبي صالح ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب ،
والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني في آخرين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب : أخبرني
ابن لهيعة ، عن
يزيد بن أبي حبيب ، عن
سنان بن سعد ، عن
أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" هما نجدان ، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " .
[ ص: 405 ]
تفرد به
سنان بن سعد - ويقال :
nindex.php?page=showalam&ids=44سعد بن سنان - وقد وثقه
ابن معين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي والجوزجاني : منكر الحديث . وقال
أحمد : تركت حديثه لاضطرابه . وروى خمسة عشر حديثا منكرة كلها ، ما أعرف منها حديثا واحدا . يشبه حديثه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن - يعني البصري - لا يشبه حديث
أنس .
وقال
ابن جرير : حدثني
يعقوب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء قال : سمعت
الحسن يقول : ( وهديناه النجدين ) قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " يا أيها الناس ، إنهما النجدان ، نجد الخير ونجد الشر ، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " .
وكذا رواه
حبيب بن الشهيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=17419ويونس بن عبيد ،
وأبو وهب ، عن
الحسن مرسلا . وهكذا أرسله
قتادة .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12276أحمد بن عصام الأنصاري ، حدثنا
أبو أحمد الزبيري ، حدثنا
عيسى بن عقال عن أبيه ، عن
ابن عباس في قوله : (
وهديناه النجدين ) قال : الثديين .
وروي عن
الربيع بن خثيم وقتادة وأبي حازم ، مثل ذلك . ورواه
ابن جرير عن
أبي كريب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
عيسى بن عقال ، به . ثم قال : والصواب القول الأول .
ونظير هذه الآية قوله : (
إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) [ سورة الإنسان : 2 ، 3 ] .