[ ص: 441 ] تفسير سورة القدر وهي مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
إنا أنزلناه في ليلة القدر ( 1 )
وما أدراك ما ليلة القدر ( 2 )
ليلة القدر خير من ألف شهر ( 3 )
تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ( 4 )
سلام هي حتى مطلع الفجر ( 5 ) )
يخبر الله تعالى أنه أنزل
القرآن ليلة القدر ، وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل : (
إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [ الدخان : 3 ] وهي ليلة القدر ، وهي من شهر رمضان ، كما قال تعالى : (
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) [ البقرة : 185 ] .
قال
ابن عباس وغيره : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تعالى معظما لشأن ليلة القدر ، التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها ، فقال : (
وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر )
قال
أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية : حدثنا
محمود بن غيلان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14941القاسم بن الفضل الحداني ، عن
يوسف بن سعد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823343قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال : سودت وجوه المؤمنين - أو : يا مسود وجوه المؤمنين - فقال : لا تؤنبني ، رحمك الله ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أري بني أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فنزلت : ( إنا أعطيناك الكوثر ) يا محمد يعني نهرا في الجنة ، ونزلت : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) يملكها بعدك بنو أمية يا محمد . قال
القاسم : فعددنا فإذا هي ألف شهر ، لا تزيد يوما ولا تنقص يوما .
ثم قال
الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث
القاسم بن الفضل ، وهو ثقة وثقه
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان وابن مهدي . قال : وشيخه
يوسف بن سعد - ويقال :
يوسف بن مازن - رجل مجهول ، ولا نعرف هذا الحديث ، على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه .
وقد روى هذا الحديث
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في مستدركه ، من طريق
القاسم بن الفضل ، عن
يوسف بن [ ص: 442 ] مازن به . وقول
الترمذي : إن
يوسف هذا مجهول - فيه نظر ; فإنه قد روى عنه جماعة ، منهم :
حماد بن سلمة nindex.php?page=showalam&ids=15804وخالد الحذاء nindex.php?page=showalam&ids=17419ويونس بن عبيد . وقال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين : هو مشهور ، وفي رواية عن
ابن معين [ قال ] هو ثقة . ورواه
ابن جرير من طريق
القاسم بن الفضل ، عن
عيسى بن مازن ، كذا قال ، وهذا يقتضي اضطرابا في هذا الحديث ، والله أعلم . ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدا ، قال شيخنا
الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي : هو حديث منكر .
قلت : وقول
nindex.php?page=showalam&ids=14941القاسم بن الفضل الحداني إنه حسب مدة
بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص ، ليس بصحيح ; فإن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنه ، استقل بالملك حين سلم إليه
الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين ، واجتمعت البيعة
لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة ، ثم استمروا فيها متتابعين
بالشام وغيرها ، لم تخرج عنهم إلا مدة دولة
عبد الله بن الزبير في
الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريبا من تسع سنين ، لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية ، بل عن بعض البلاد ، إلى أن استلبهم
بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة ، وذلك أزيد من ألف شهر ، فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر ، وكأن
القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام
ابن الزبير ، وعلى هذا فتقارب ما قاله للصحة في الحساب ، والله أعلم .
ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية ، ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق ; فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم ، فإن ليلة القدر شريفة جدا ، والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر ، فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة ، بمقتضى هذا الحديث ، وهل هذا إلا كما قال القائل :
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وقال آخر :
إذا أنت فضلت امرأ ذا براعة على ناقص كان المديح من النقص
ثم الذي يفهم من ولاية الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية ، والسورة مكية ، فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية ، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها ؟! والمنبر إنما صنع
بالمدينة بعد مدة من الهجرة ، فهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث ونكارته ، والله أعلم .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو زرعة ، حدثنا
إبراهيم بن موسى ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14429مسلم - يعني ابن خالد - ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826737أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في [ ص: 443 ] سبيل الله ألف شهر ، قال : فعجب المسلمون من ذلك ، قال : فأنزل الله عز وجل : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر .
وقال
ابن جرير : حدثنا
ابن حميد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15738حكام بن سلم ، عن
المثنى بن الصباح عن
مجاهد قال : كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي ، ففعل ذلك ألف شهر ، فأنزل الله هذه الآية : (
ليلة القدر خير من ألف شهر ) قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل .
وقال
ابن أبي حاتم : أخبرنا
يونس ، أخبرنا
ابن وهب ، حدثني
مسلمة بن علي ، عن
علي بن عروة قال :
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعة من بني إسرائيل ، عبدوا الله ثمانين عاما ، لم يعصوه طرفة عين : فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون - قال : فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فأتاه جبريل فقال : يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة ، لم يعصوه طرفة عين ; فقد أنزل الله خيرا من ذلك . فقرأ عليه : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك . قال : فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : بلغني عن
مجاهد : ليلة القدر خير من ألف شهر . قال : عملها ، صيامها وقيامها خير من ألف شهر . رواه
ابن جرير .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو زرعة ، حدثنا
إبراهيم بن موسى ، أخبرنا
ابن أبي زائدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد : ليلة القدر خير من ألف شهر ، ليس في تلك الشهور ليلة القدر . وهكذا قال
قتادة بن دعامة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغير واحد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16717عمرو بن قيس الملائي :
عمل فيها خير من عمل ألف شهر .
وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر - وليس فيها ليلة القدر - هو اختيار
ابن جرير . وهو الصواب لا ما عداه ، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823344 " رباط ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل " . رواه
أحمد وكما جاء في قاصد الجمعة بهيئة حسنة ، ونية صالحة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823345 " أنه يكتب له عمل سنة ، أجر صيامها وقيامها " إلى غير ذلك من المعاني المشابهة لذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا
أيوب ، عن
أبي قلابة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823346لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، افترض الله [ ص: 444 ] عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم " .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث
أيوب به .
ولما كانت
ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر ، ثبت في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823347 " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " .
وقوله : (
تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ) أي : يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة ، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر ، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له .
وأما الروح فقيل : المراد به هاهنا
جبريل عليه السلام ، فيكون من باب عطف الخاص على العام . وقيل : هم ضرب من الملائكة . كما تقدم في سورة " النبأ " . والله أعلم .
وقوله : (
من كل أمر ) قال
مجاهد : سلام هي من كل أمر .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور : حدثنا
عيسى بن يونس ، حدثنا
الأعمش عن
مجاهد في قوله : (
سلام هي ) قال : هي سالمة ، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى .
وقال
قتادة وغيره : تقضى فيها الأمور ، وتقدر الآجال والأرزاق ، كما قال تعالى : (
فيها يفرق كل أمر حكيم )
وقوله : (
سلام هي حتى مطلع الفجر ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور : حدثنا
هشيم ، عن
أبي إسحاق عن
الشعبي في قوله تعالى : (
من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر ) قال : تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد ، حتى يطلع الفجر .
وروى
ابن جرير عن
ابن عباس أنه كان يقرأ : " من كل امرئ سلام هي حتى مطلع الفجر " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في كتابه " فضائل الأوقات " عن
علي أثرا غريبا في نزول الملائكة ، ومرورهم على المصلين ليلة القدر ، وحصول البركة للمصلين .
وروى
ابن أبي حاتم ، عن
كعب الأحبار أثرا غريبا عجيبا مطولا جدا ، في تنزل الملائكة من سدرة المنتهى صحبة
جبريل عليه السلام إلى الأرض ، ودعائهم للمؤمنين والمؤمنات .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16687عمران - يعني القطان - ، عن
قتادة ، عن
أبي ميمونة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823348أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : " إنها ليلة سابعة - أو : تاسعة - وعشرين ، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " .
[ ص: 445 ]
وقال
الأعمش ، عن
المنهال عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله : (
من كل أمر سلام ) قال : لا يحدث فيها أمر .
وقال
قتادة وابن زيد في قوله : (
سلام هي ) يعني هي خير كلها ، ليس فيها شر إلى مطلع الفجر . ويؤيد هذا المعنى ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
حيوة بن شريح ، حدثنا
بقية ، حدثني
بحير بن سعد ، عن
خالد بن معدان ، عن
عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824140 " ليلة القدر في العشر البواقي ، من قامهن ابتغاء حسبتهن ، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وهي ليلة وتر : تسع أو سبع ، أو خامسة ، أو ثالثة ، أو آخر ليلة " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824141 " إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة ، كأن فيها قمرا ساطعا ، ساكنة سجية ، لا برد فيها ولا حر ، ولا يحل لكوكب يرمى به فيها حتى تصبح . وأن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ، ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ " .
وهذا إسناد حسن ، وفي المتن غرابة ، وفي بعض ألفاظه نكارة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي ، حدثنا
زمعة ، عن
سلمة بن وهرام ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826739 " ليلة سمحة طلقة ، لا حارة ولا باردة ، وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12510ابن أبي عاصم النبيل بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501532 " إني رأيت ليلة القدر فأنسيتها ، وهي في العشر الأواخر ، من لياليها ليلة طلقة بلجة ، لا حارة ولا باردة ، كأن فيها قمرا ، لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها " .
فصل
اختلف العلماء : هل كانت
ليلة القدر في الأمم السالفة ، أو هي من خصائص هذه الأمة ؟ على قولين :
قال
أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري : حدثنا
مالك : أنه بلغه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله - أو : ما شاء الله من ذلك - فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر وقد أسند من وجه آخر .
[ ص: 446 ] وهذا الذي قاله
مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر ، وقد نقله صاحب " العدة " أحد أئمة الشافعية عن جمهور العلماء ، فالله أعلم . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي عليه الإجماع [ ونقله
الرافعي جازما به عن المذهب ] والذي دل عليه الحديث أنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : حدثنا
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار : حدثني
أبو زميل سماك الحنفي : حدثني
مالك بن مرثد بن عبد الله ، حدثني
مرثد قال : سألت
أبا ذر قلت : كيف سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر ؟ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820615أنا كنت أسأل الناس عنها ، قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن ليلة القدر ، أفي رمضان هي أو في غيره ؟ قال : " بل هي في رمضان " . قلت : تكون مع الأنبياء ما كانوا ، فإذا قبضوا رفعت ؟ أم هي إلى يوم القيامة ؟ قال : " بل هي إلى يوم القيامة " . قلت : في أي رمضان هي ؟ قال : " التمسوها في العشر الأول ، والعشر الأواخر " . ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث ، ثم اهتبلت غفلته قلت : في أي العشرين هي ؟ قال : " ابتغوها في العشر الأواخر ، لا تسألني عن شيء بعدها " . ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم اهتبلت غفلته فقلت : يا رسول الله ، أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي ؟ فغضب علي غضبا لم يغضب مثله منذ صحبته ، وقال : " التمسوها في السبع الأواخر ، لا تسألني عن شيء بعدها " .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، عن
الفلاس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان به .
ففيه دلالة على ما ذكرناه ، وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة [ بعد النبي صلى الله عليه وسلم ] لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية ، على ما فهموه من الحديث الذي سنورده بعد من قوله ، عليه السلام : " فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا لكم " ; لأن المراد رفع علم وقتها عينا . وفيه دلالة على أنها
ليلة القدر يختص وقوعها بشهر رمضان من بين سائر الشهور ، لا كما روي عن
ابن مسعود ، ومن تابعه من علماء أهل الكوفة ، من أنها توجد في جميع السنة ، وترجى في جميع الشهور على السواء .
وقد ترجم
أبو داود في سننه على هذا فقال : " باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان " : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15768حميد بن زنجويه النسائي ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15974سعيد بن أبي مريم ، حدثنا
محمد بن جعفر بن أبي كثير ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
أبي إسحاق ، عن
سعيد بن جبير ، عن
عبد الله بن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824143سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر ، فقال : " هي في كل رمضان " .
وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن
أبا داود قال : رواه
شعبة وسفيان ، عن
أبي إسحاق فأوقفاه .
وقد حكي عن
أبي حنيفة ، رحمه الله ، رواية أنها ترجى في جميع شهر رمضان . وهو وجه [ حكاه ]
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي واستغربه
الرافعي جدا .
[ ص: 447 ]
فصل
ثم قد قيل :
إنها في أول ليلة من شهر رمضان ، يحكى هذا عن
أبي رزين . وقيل : إنها تقع ليلة سبع عشرة . وروى فيه
أبو داود حديثا مرفوعا عن
ابن مسعود . وروي موقوفا عليه ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم nindex.php?page=showalam&ids=61وعثمان بن أبي العاص .
وهو قول عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790محمد بن إدريس الشافعي ، ويحكى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري . ووجهوه بأنها ليلة بدر ، وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشر من شهر رمضان ، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر ، وهو اليوم الذي قال الله تعالى فيه : (
يوم الفرقان ) [ الأنفال : 41 ] .
وقيل :
ليلة تسع عشرة ، يحكى عن
علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود أيضا ، رضي الله عنهما . .
وقيل :
ليلة إحدى وعشرين ; لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824144اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم [ في ] العشر الأول من رمضان واعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك . فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : [ إن ] الذي تطلب أمامك . ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان ، فقال : " من كان اعتكف معي فليرجع ، فإني رأيت ليلة القدر ، وإني أنسيتها ، وإنها في العشر الأواخر وفي وتر ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء " . وكان سقف المسجد جريدا من النخل ، وما نرى في السماء شيئا ، فجاءت قزعة فمطرنا ، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه . وفي لفظ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824145 " في صبح إحدى وعشرين " أخرجاه في الصحيحين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وهذا الحديث أصح الروايات .
وقيل : ليلة ثلاث وعشرين ; لحديث
عبد الله بن أنيس في " صحيح مسلم " وهو قريب السياق من رواية
أبي سعيد ، فالله أعلم .
وقيل : ليلة أربع وعشرين ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي : حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
الجريري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
أبي سعيد ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824146 " ليلة القدر ليلة أربع وعشرين " إسناده رجاله ثقات .
وقال
أحمد : حدثنا
موسى بن داود ، حدثنا
ابن لهيعة ، عن
يزيد بن أبي حبيب ، عن
أبي الخير ، عن
الصنابحي ، عن
بلال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824146 " ليلة القدر ليلة أربع وعشرين " .
[ ص: 448 ] ابن لهيعة ضعيف . وقد خالفه ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
أصبغ ، عن
ابن وهب ، عن
عمرو بن الحارث ، عن
يزيد بن أبي حبيب ، عن
أبي الخير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=5152أبي عبد الله الصنابحي قال : أخبرني
بلال - مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنها أول السبع من العشر الأواخر ، فهذا الموقوف أصح ، والله أعلم . وهكذا روي عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وجابر والحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16472وعبد الله بن وهب : أنها ليلة أربع وعشرين . وقد تقدم في سورة " البقرة " حديث
واثلة بن الأسقع مرفوعا :
" إن القرآن أنزل ليلة أربع وعشرين " .
وقيل : تكون ليلة خمس وعشرين ; لما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824148 " التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى " . فسره كثيرون بليالي الأوتار ، وهو أظهر وأشهر . وحمله آخرون على الأشفاع كما رواه
مسلم ، عن
أبي سعيد ، أنه حمله على ذلك . والله أعلم .
وقيل : إنها تكون ليلة سبع وعشرين ; لما رواه
مسلم في صحيحه عن
أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824149 " أنها ليلة سبع وعشرين " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
سفيان : سمعت
عبدة وعاصما عن
زر : سألت
أبي بن كعب قلت :
أبا المنذر ، إن أخاك
ابن مسعود يقول : من يقم الحول يصب ليلة القدر . قال : يرحمه الله ، لقد علم أنها في شهر رمضان ، وأنها ليلة سبع وعشرين . ثم حلف . قلت : وكيف تعلمون ذلك ؟ قال : بالعلامة - أو : بالآية - التي أخبرنا بها ، تطلع ذلك اليوم لا شعاع لها ، أعني الشمس .
وقد رواه
مسلم من طريق
سفيان بن عيينة وشعبة nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، عن
عبدة ، عن
زر عن أبي فذكره ، وفيه : فقال : والله الذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - والله إني لأعلم أي ليلة القدر هي التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها .
وفي الباب عن
معاوية nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824149أنها ليلة سبع وعشرين . وهو قول طائفة من السلف ، وهو الجادة من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، وهو رواية عن
أبي حنيفة أيضا . وقد حكي عن بعض السلف أنه حاول استخراج كونها ليلة سبع وعشرين من القرآن ، من قوله : ( هي ) لأنها الكلمة السابعة والعشرون من السورة ، والله أعلم .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا
إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أخبرنا
عبد الرزاق ، أخبرنا
معمر ، عن
قتادة وعاصم : أنهما سمعا
عكرمة يقول : قال
ابن عباس : دعا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب [ ص: 449 ] أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم ، فسألهم عن ليلة القدر ، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر . قال
ابن عباس : فقلت
لعمر : إني لأعلم - أو : إني لأظن - أي ليلة القدر هي ؟ فقال
عمر : أي ليلة هي ؟ [ فقلت ] سابعة تمضي - أو : سابعة تبقى - من العشر الأواخر . فقال
عمر : ومن أين علمت ذلك ؟ قال
ابن عباس : فقلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ، وسبعة أيام ، وإن الشهر يدور على سبع ، وخلق الإنسان من سبع ، ويأكل من سبع ، ويسجد على سبع ، والطواف بالبيت سبع ، ورمي الجمار سبع . . . لأشياء ذكرها . فقال
عمر : لقد فطنت لأمر ما فطنا له . وكان
قتادة يزيد عن
ابن عباس في قوله : ويأكل من سبع ، قال : هو قول الله تعالى : (
فأنبتنا فيها حبا وعنبا [ وقضبا ] ) الآية [ عبس : 27 ، 28 ] .
وهذا إسناد جيد قوي ، ونص غريب جدا ، والله أعلم .
وقيل : إنها تكون في ليلة تسع وعشرين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل :
حدثنا
أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا
سعيد بن سلمة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13371عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن
عمر بن عبد الرحمن ، عن
عبادة بن الصامت : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824150 " في رمضان ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، فإنها في وتر إحدى وعشرين ، أو ثلاث وعشرين ، أو خمس وعشرين ، أو سبع وعشرين ، [ أو تسع وعشرين ] أو في آخر ليلة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14724سليمان بن داود - وهو : أبو داود الطيالسي - ، حدثنا
عمران القطان ، عن
قتادة ، عن
أبي ميمونة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824151 " إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين ، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " .
تفرد به
أحمد وإسناده لا بأس به .
وقيل : إنها تكون في آخر ليلة ، لما تقدم من هذا الحديث آنفا ، ولما رواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن
أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824152 " في تسع يبقين ، أو سبع يبقين ، أو خمس يبقين ، أو ثلاث ، أو آخر ليلة " . يعني : التمسوا ليلة القدر .
[ ص: 450 ]
وقال
الترمذي : حسن صحيح . وفي المسند من طريق
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر :
" إنها آخر ليلة " .
فصل
قال
[ الإمام ] الشافعي في هذه الروايات : صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم جوابا للسائل إذ قيل له : ألتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية ؟ يقول : " نعم " . وإنما ليلة القدر ليلة معينة : لا تنتقل . نقله
الترمذي عنه بمعناه . وروي عن
أبي قلابة أنه قال : ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر .
وهذا الذي حكاه عن
أبي قلابة نص عليه
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
والمزني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13114وأبو بكر بن خزيمة ، وغيرهم . وهو محكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - نقله القاضي عنه ، وهو الأشبه - والله أعلم .
وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين ، عن
عبد الله بن عمر : أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824154 " أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر " .
وفيها أيضا عن
عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824155 " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " ولفظه
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري .
ويحتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي أنها لا تنتقل ، وأنها معينة من الشهر ، بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه ، عن
عبادة بن الصامت قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824156خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : " خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان ، فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " .
وجه الدلالة منه : أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين ، لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة ، إذا لو كانت تنتقل لما علموا تعينها إلا ذلك العام فقط ، اللهم إلا أن يقال : إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط .
وقوله : " فتلاحى فلان وفلان فرفعت " : فيه استئناس لما يقال : إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع ، وكما جاء في الحديث : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " .
وقوله : " فرفعت " أي : رفع علم تعينها لكم ، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود ، كما يقوله
[ ص: 451 ] جهلة الشيعة ; لأنه قد قال بعد هذا : " فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " .
وقوله : " وعسى أن يكون خيرا لكم " يعني : عدم تعيينها لكم ، فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها ، فكان أكثر للعبادة ، بخلاف ما إذا علموا عينها فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط . وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها ، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر . ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، حتى توفاه الله عز وجل . ثم اعتكف أزواجه من بعده . أخرجاه من حديث
عائشة .
ولهما عن
ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان .
وقالت
عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ، أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وشد المئزر . أخرجاه .
ولمسلم عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره .
وهذا معنى قولها : " وشد المئزر " . وقيل : المراد بذلك : اعتزال النساء . ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين ، لما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
سريج ، حدثنا
أبو معشر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه عن
عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي عشر من رمضان شد مئزره ، واعتزل نساءه . انفرد به
أحمد .
وقد حكي عن
مالك رحمه الله ، أن جميع ليالي العشر في تطلب ليلة القدر على السواء ، لا يترجح منها ليلة على أخرى : رأيته في شرح
الرافعي رحمه الله .
والمستحب
الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات ، وفي شهر رمضان أكثر ، وفي العشر الأخير منه ، ثم في أوتاره أكثر . والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824401 " اللهم ، إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " ; لما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد - هو ابن هارون - ، حدثنا
الجريري - وهو سعيد بن إياس - ، عن
عبد الله بن بريدة ، أن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824157يا رسول الله ، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟ قال : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " .
[ ص: 452 ]
وقد رواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من طريق
كهمس بن الحسن ، عن
عبد الله بن بريدة ، عن
عائشة قالت : قلت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824158يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : " قولي : اللهم ، إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " .
وهذا لفظ
الترمذي ، ثم قال : " هذا حديث حسن صحيح " . وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في مستدركه ، وقال : " هذا صحيح على شرط الشيخين " ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أيضا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
علقمة بن مرثد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16035سليمان بن بريدة ، عن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824159يا رسول الله ، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " .
ذكر أثر غريب ونبأ عجيب ، يتعلق بليلة القدر ، رواه
الإمام أبو محمد بن أبي حاتم ، عند تفسير هذه السورة الكريمة فقال :
حدثنا أبي ، حدثنا
عبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا
سيار بن حاتم ، حدثنا
موسى بن سعيد - يعني الراسبي - ، عن
هلال أبي جبلة ، عن
أبي عبد السلام ، عن أبيه ، عن
كعب أنه قال : إن سدرة المنتهى على حد السماء السابعة ، مما يلي الجنة ، فهي على حد هواء الدنيا وهواء الآخرة ، علوها في الجنة ، وعروقها وأغصانها من تحت الكرسي ، فيها ملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل ، يعبدون الله عز وجل على أغصانها ، في كل موضع شعرة منها ملك . ومقام
جبريل عليه السلام ، في وسطها ، فينادي الله
جبريل أن ينزل في كل ليلة قدر مع الملائكة الذين يسكنون سدرة المنتهى ، وليس فيهم ملك إلا قد أعطي الرأفة والرحمة للمؤمنين ، فينزلون على
جبريل في ليلة القدر ، حين تغرب الشمس ، فلا تبقى بقعة في ليلة القدر إلا وعليها ملك ، إما ساجد وإما قائم ، يدعو للمؤمنين والمؤمنات ، إلا أن تكون كنيسة أو بيعة ، أو بيت نار أو وثن ، أو بعض أماكنكم التي تطرحون فيها الخبث ، أو بيت فيه سكران ، أو بيت فيه مسكر ، أو بيت فيه وثن منصوب ، أو بيت فيه جرس معلق ، أو مبولة ، أو مكان فيه كساحة البيت ، فلا يزالون ليلتهم تلك يدعون للمؤمنين والمؤمنات ،
وجبريل لا يدع أحدا من المؤمنين إلا صافحه ، وعلامة ذلك من اقشعر جلده ورق قلبه ودمعت عيناه ، فإن ذلك من مصافحة
جبريل .
وذكر
كعب أنه من قال في ليلة القدر : " لا إله إلا الله " ، ثلاث مرات ، غفر الله له بواحدة ، ونجا من النار بواحدة ، وأدخله الجنة بواحدة . فقلنا
nindex.php?page=showalam&ids=16850لكعب الأحبار : يا
أبا إسحاق ، صادقا ؟ فقال
كعب وهل يقول : " لا إله إلا الله " في ليلة القدر إلا كل صادق ؟ والذي نفسي بيده ، إن ليلة القدر لتثقل على الكافر والمنافق ، حتى كأنها على ظهره جبل ، فلا تزال الملائكة هكذا حتى يطلع الفجر . فأول من يصعد
جبريل حتى يكون في وجه الأفق الأعلى من الشمس ، فيبسط جناحيه -
[ ص: 453 ] وله جناحان أخضران ، لا ينشرهما إلا في تلك الساعة - فتصير الشمس لا شعاع لها ، ثم يدعو ملكا فيصعد ، فيجتمع نور الملائكة ونور جناحي
جبريل ، فلا تزال الشمس يومها ذلك متحيرة ، فيقيم
جبريل ومن معه بين الأرض وبين السماء الدنيا يومهم ذلك ، في دعاء ورحمة واستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، ولمن صام رمضان احتسابا ، ودعاء لمن حدث نفسه إن عاش إلى قابل صام رمضان لله . فإذا أمسوا دخلوا السماء الدنيا ، فيجلسون حلقا [ حلقا ] فتجتمع إليهم ملائكة سماء الدنيا ، فيسألونهم عن رجل رجل ، وعن امرأة امرأة فيحدثونهم حتى يقولوا : ماذا فعل فلان ؟ وكيف وجدتموه العام ؟ فيقولون : وجدنا فلانا عام أول في هذه الليلة متعبدا ووجدناه العام مبتدعا ، ووجدنا فلانا مبتدعا ووجدناه العام عابدا قال : فيكفون عن الاستغفار لذلك ، ويقبلون على الاستغفار لهذا ، ويقولون : وجدنا فلانا وفلانا يذكران الله ، ووجدنا فلانا راكعا ، وفلانا ساجدا ، ووجدناه تاليا لكتاب الله . قال : فهم كذلك يومهم وليلتهم ، حتى يصعدون إلى السماء الثانية ، ففي كل سماء يوم وليلة ، حتى ينتهوا مكانهم من سدرة المنتهى ، فتقول لهم سدرة المنتهى : يا سكاني ، حدثوني عن الناس وسموهم لي . فإن لي عليكم حقا ، وإني أحب من أحب الله . فذكر كعب الأحبار أنهم يعدون لها ، ويحكون لها الرجل والمرأة بأسمائهم وأسماء آبائهم . ثم تقبل الجنة على السدرة فتقول : أخبريني بما أخبرك سكانك من الملائكة . فتخبرها ، قال : فتقول الجنة : رحمة الله على فلان ، ورحمة الله على فلانة ، اللهم عجلهم إلي ، فيبلغ
جبريل مكانه قبلهم ، فيلهمه الله فيقول : وجدت فلانا ساجدا فاغفر له . فيغفر له ، فيسمع
جبريل جميع حملة العرش فيقولون : رحمة الله على فلان ، ورحمة الله على فلانة ، ومغفرته لفلان ، ويقول يا رب ، وجدت عبدك فلانا الذي وجدته عام أول على السنة والعبادة ، ووجدته العام قد أحدث حدثا وتولى عما أمر به . فيقول الله : يا جبريل ، إن تاب فأعتبني قبل أن يموت بثلاث ساعات غفرت له . فيقول جبريل : لك الحمد إلهي ، أنت أرحم من جميع خلقك ، وأنت أرحم بعبادك من عبادك بأنفسهم ، قال : فيرتج العرش وما حوله ، والحجب والسماوات ومن فيهن ، تقول : الحمد لله الرحيم ، الحمد لله الرحيم .
قال : وذكر
كعب أنه من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان ألا يعصي الله ، دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب .
آخر تفسير سورة " ليلة القدر " [ ولله الحمد والمنة ] .