[ ص: 514 ] تفسير
سورة تبت وهي مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
تبت يدا أبي لهب وتب ( 1 )
ما أغنى عنه ماله وما كسب ( 2 )
سيصلى نارا ذات لهب ( 3 )
وامرأته حمالة الحطب ( 4 )
في جيدها حبل من مسد ( 5 ) )
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
محمد بن سلام ، حدثنا
أبو معاوية ، حدثنا
الأعمش ، عن
عمرو بن مرة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824259أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه " . فاجتمعت إليه قريش ، فقال : " أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أكنتم تصدقوني ؟ " . قالوا : نعم . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك . فأنزل الله : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) إلى آخرها .
وفي رواية : فقام ينفض يديه ، وهو يقول : تبا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : (
تبت يدا أبي لهب وتب ) .
الأول دعاء عليه ، والثاني خبر عنه .
فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه :
عبد العزى بن عبد المطلب ، وكنيته
أبو عتبة . وإنما سمي
" أبا لهب " لإشراق وجهه ، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له ، والازدراء به ، والتنقص له ولدينه . .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : أخبرني رجل - يقال له :
ربيعة بن عباد ، من
بني الديل ، وكان جاهليا فأسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824260رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه ، ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين ، يقول : إنه صابئ كاذب . يتبعه حيث ذهب ، فسألت عنه فقالوا : هذا عمه أبو لهب .
ثم رواه عن
سريج ، عن
ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، فذكره - قال
أبو الزناد : قلت
لربيعة : كنت يومئذ صغيرا ؟ قال : لا والله ، إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة . تفرد به
أحمد .
وقال
محمد بن إسحاق : حدثني
حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : سمعت
nindex.php?page=hadith&LINKID=824261 nindex.php?page=showalam&ids=2884ربيعة بن عباد الديلي يقول : إني لمع أبي رجل شاب ، أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل - ووراءه [ ص: 515 ] رجل أحول وضيء ، ذو جمة - يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول : " يا بني فلان ، إني رسول الله إليكم ، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا ، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " . وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان ، هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى ، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه . فقلت لأبي : من هذا ؟ قال : عمه أبو لهب .
رواه
أحمد أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني بهذا اللفظ .
فقوله تعالى : (
تبت يدا أبي لهب ) أي : خسرت وخابت ، وضل عمله وسعيه (
وتب ) أي : وقد تب تحقق خسارته وهلاكه .
وقوله : (
ما أغنى عنه ماله وما كسب ) قال
ابن عباس وغيره : (
وما كسب ) يعني : ولده . وروي عن
عائشة ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، مثله .
وذكر عن
ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان ،
قال أبو لهب : إذا كان ما يقول ابن أخي حقا ، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي ، فأنزل الله : (
ما أغنى عنه ماله وما كسب ) .
وقوله : (
سيصلى نارا ذات لهب ) أي : ذات شرر ولهيب وإحراق شديد .
(
وامرأته حمالة الحطب ) وكانت زوجته من سادات نساء قريش ، وهي :
أم جميل ، واسمها
أروى بنت حرب بن أمية ، وهي أخت
أبي سفيان . وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده ; فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم . ولهذا قال : (
حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد ) يعني : تحمل الحطب فتلقي على زوجها ، ليزداد على ما هو فيه ، وهي مهيأة لذلك مستعدة له .
(
في جيدها حبل من مسد ) قال
مجاهد وعروة : من مسد النار .
وعن
مجاهد ،
وعكرمة ،
والحسن ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : (
حمالة الحطب ) كانت تمشي بالنميمة ، [ واختاره
ابن جرير ] .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس ،
وعطية الجدلي ،
والضحاك ،
وابن زيد : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختاره
ابن جرير .
قال
ابن جرير : وقيل : كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وكانت تحتطب ، فعيرت بذلك .
كذا حكاه ، ولم يعزه إلى أحد . والصحيح الأول ، والله أعلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة فقالت : لأنفقنها في عداوة
محمد يعني : فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار .
[ ص: 516 ]
وقال
ابن جرير : حدثنا
أبو كريب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سليم مولى الشعبي ، عن
الشعبي قال : المسد : الليف .
وقال
عروة بن الزبير : المسد : سلسلة ذرعها سبعون ذراعا .
وعن
الثوري : هو قلادة من نار ، طولها سبعون ذراعا .
وقال
الجوهري : المسد : الليف . والمسد أيضا : حبل من ليف أو خوص ، وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها ، ومسدت الحبل أمسده مسدا : إذا أجدت فتله .
وقال
مجاهد : (
في جيدها حبل من مسد ) أي : طوق من حديد ، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسدا ؟
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي
وأبو زرعة ، قالا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14171عبد الله بن الزبير الحميدي ، حدثنا
سفيان ، حدثنا
الوليد بن كثير ، عن
ابن تدرس ، عن
أسماء بنت أبي بكر قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826775لما نزلت : ( تبت يدا أبي لهب ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ، ولها ولولة ، وفي يدها فهر ، وهي تقول :
مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ، قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها لن تراني " . وقرأ قرآنا اعتصم به ، كما قال تعالى : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) [ الإسراء : 45 ] . فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبا بكر ، إني أخبرت أن صاحبك هجاني ؟ قال : لا ورب هذا البيت ما هجاك . فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها . قال : وقال
الوليد في حديثه أو غيره : فعثرت
أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت ، فقالت : تعس مذمم . فقالت
أم حكيم بنت عبد المطلب : إني لحصان فما أكلم ، وثقاف فما أعلم ، وكلنا من بني العم ، وقريش بعد أعلم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا
إبراهيم بن سعيد nindex.php?page=showalam&ids=14629وأحمد بن إسحاق ، قالا : حدثنا
أبو أحمد ، حدثنا
عبد السلام بن حرب ، عن
عطاء بن السائب ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826776لما نزلت : ( تبت يدا أبي لهب ) جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، ومعه أبو بكر . فقال له أبو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشيء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه سيحال بيني وبينها " . فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت : يا أبا بكر ، هجانا صاحبك . فقال أبو بكر : لا ورب هذه البنية ما نطق بالشعر ولا يتفوه به . فقالت : إنك لمصدق ، فلما ولت قال أبو بكر ، رضي الله عنه : ما رأتك ؟ قال : " لا ، ما زال ملك يسترني حتى ولت " .
[ ص: 517 ]
ثم قال
البزار : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد ، عن
أبي بكر ، رضي الله عنه .
وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : (
في جيدها حبل من مسد ) أي : في عنقها حبل في نار [ جهنم ] ترفع به إلى شفيرها ، ثم يرمى بها إلى أسفلها ، ثم كذلك دائما .
قال
أبو الخطاب بن دحية في كتابه التنوير - وقد روى ذلك - وعبر بالمسد عن حبل الدلو ، كما قال
أبو حنيفة الدينوري في كتاب " النبات " : كل مسد : رشاء ، وأنشد في ذلك :
وبكرة ومحورا صرارا ومسدا من أبق مغارا
قال : والأبق : القنب .
وقال الآخر :
يا مسد الخوص تعوذ مني إن تك لدنا لينا فإني
ما شئت من أشمط مقسئن
قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة ، فإنه منذ نزل قوله تعالى : (
سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد ) فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان ، لم يقيض لهما أن يؤمنا ، ولا واحد منهما لا ظاهرا ولا باطنا ، لا مسرا ولا معلنا ، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة .
[ آخر تفسير " تبت " ولله الحمد والمنة ]