(
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير ( 234 ) )
هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن : أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع ، ومستنده في غير
[ ص: 636 ] المدخول بها عموم الآية الكريمة ، وهذا الحديث الذي رواه الإمام
أحمد وأهل السنن وصححه
الترمذي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500837أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات ولم يدخل بها ، ولم يفرض لها ؟ فترددوا إليه مرارا في ذلك فقال : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه : [ أرى ] لها الصداق كاملا . وفي لفظ : لها صداق مثلها ، لا وكس ، ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث . فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق . ففرح عبد الله بذلك فرحا شديدا . وفي رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500838فقام رجال من أشجع ، فقالوا : نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق .
ولا يخرج من ذلك إلا
المتوفى عنها زوجها ، وهي حامل ، فإن عدتها بوضع الحمل ، ولو لم تمكث بعده سوى لحظة ; لعموم قوله : (
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) [ الطلاق : 4 ] . وكان
ابن عباس يرى : أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع ، أو أربعة أشهر وعشر ، للجمع بين الآيتين ، وهذا مأخذ جيد ومسلك قوي ، لولا ما ثبتت به السنة في حديث
سبيعة الأسلمية ، المخرج في الصحيحين من غير وجه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820632أنه توفي عنها زوجها سعد بن خولة ، وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، وفي رواية : فوضعت حملها بعده بليال ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك ، فقال لها : ما لي أراك متجملة ؟ لعلك ترجين النكاح . والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشرا . قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي .
قال
أبو عمر بن عبد البر : وقد روي أن
ابن عباس رجع إلى حديث
سبيعة ، يعني لما احتج عليه به . قال : ويصحح ذلك عنه : أن أصحابه أفتوا بحديث
سبيعة ، كما هو قول أهل العلم قاطبة .
وكذلك يستثنى من ذلك
الزوجة إذا كانت أمة ، فإن عدتها على النصف من عدة الحرة ، شهران وخمس ليال ، على قول الجمهور ; لأنها لما كانت على النصف من الحرة في الحد ، فكذلك فلتكن على النصف منها في العدة . ومن العلماء
كمحمد بن سيرين وبعض الظاهرية من يسوي بين الزوجات الحرائر والإماء في هذا المقام ; لعموم الآية ، ولأن العدة من باب الأمور الجبلية التي تستوي فيها الخليقة . وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية وغيرهما : أن الحكمة في جعل
عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ; لاحتمال اشتمال الرحم على حمل ، فإذا انتظر به هذه المدة ظهر إن كان موجودا ، كما جاء في حديث
ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820633 " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه الملك [ ص: 637 ] فينفخ فيه الروح " . فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر ، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور ، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه ، والله أعلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : ما بال العشرة ؟ قال : فيه ينفخ الروح . وقال
الربيع بن أنس : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=11873لأبي العالية : لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة ؟ قال : لأنه ينفخ فيها الروح . رواهما
ابن جرير . ومن هاهنا ذهب الإمام
أحمد ، في رواية عنه ، إلى أن
عدة أم الولد عدة الحرة هاهنا ; لأنها صارت فراشا كالحرائر ، وللحديث الذي رواه الإمام
أحمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15889رجاء بن حيوة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16812قبيصة بن ذؤيب ، عن
عمرو بن العاص أنه قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا ، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر ورواه
أبو داود ، عن
قتيبة ، عن
غندر وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، عن
عبد الأعلى .
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، عن
علي بن محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ثلاثتهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17096مطر الوراق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15889رجاء بن حيوة ، عن
قبيصة ، عن
عمرو بن العاص ، فذكره .
وقد روي عن الإمام
أحمد أنه أنكر هذا الحديث ، وقيل : إن
قبيصة لم يسمع
عمرا ، وقد ذهب إلى القول بهذا الحديث طائفة من السلف ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ،
وأبو عياض ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز . وبه كان يأمر
nindex.php?page=showalam&ids=17369يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وهو أمير المؤمنين . وبه يقول
الأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق ابن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه . وقال
طاوس وقتادة : عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها نصف عدة الحرة : شهران وخمس ليال . وقال
أبو حنيفة وأصحابه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح بن حي : تعتد بثلاث حيض . وهو قول
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي . وقال
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد في المشهور عنه : عدتها حيضة . وبه يقول
ابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
ومكحول ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث ،
وأبو عبيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، والجمهور .
قال
الليث : ولو مات وهي حائض أجزأتها . وقال
مالك : فلو كانت ممن لا تحيض فثلاثة أشهر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجمهور : شهر ، وثلاثة أحب إلي . والله أعلم .
وقوله : (
فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير ) يستفاد من هذا
وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها مدة عدتها ، لما ثبت في الصحيحين ، من غير وجه ، عن
أم حبيبة nindex.php?page=showalam&ids=15953وزينب بنت جحش أمي المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820634 " لا يحل لامرأة تؤمن [ ص: 638 ] بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " . وفي الصحيحين أيضا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=820635عن أم سلمة : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها ، أفنكحلها ؟ فقال : " لا " . كل ذلك يقول : " لا " مرتين أو ثلاثا . ثم قال : " إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة " . قالت
nindex.php?page=showalam&ids=170زينب بنت أم سلمة : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيبا ولا شيئا ، حتى تمر بها سنة ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات .
ومن هاهنا ذهب كثير من العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة للآية التي بعدها ، وهي قوله : (
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ) [ البقرة : 240 ] ، كما قاله
ابن عباس وغيره ، وفي هذا نظر كما سيأتي تقريره .
والغرض أن
الإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ، ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك وهو
واجب في عدة الوفاة قولا واحدا ،
ولا يجب في عدة الرجعية قولا واحدا ،
وهل يجب في عدة البائن ؟ فيه قولان .
ويجب
الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن ، سواء في ذلك الصغيرة والآيسة والحرة والأمة ، والمسلمة والكافرة ، لعموم الآية . وقال
الثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه :
لا إحداد على الكافرة . وبه يقول
أشهب ،
وابن نافع من أصحاب
مالك . وحجة قائل هذه المقالة قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=820634لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " : قالوا : فجعله تعبدا . وألحق
أبو حنيفة وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري الصغيرة بها ، لعدم التكليف . وألحق
أبو حنيفة وأصحابه الأمة المسلمة لنقصها . ومحل تقرير ذلك كله في كتب الأحكام والفروع ، والله الموفق للصواب .
وقوله : (
فإذا بلغن أجلهن ) أي : انقضت عدتهن . قاله
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ، (
فلا جناح عليكم ) قال
الزهري : أي : على أوليائها ( فيما فعلن ) يعني : النساء اللاتي انقضت عدتهن . قال
العوفي عن
ابن عباس : إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها ،
فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج ، فذلك المعروف . روي عن
مقاتل بن حيان نحوه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد : (
فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) قال : هو النكاح الحلال الطيب . وروي عن
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي نحو ذلك .