في كم يقرأ القرآن وقول الله تعالى : (
فاقرءوا ما تيسر منه ) [ المزمل : 20 ]
حدثنا
علي ، حدثنا
سفيان ، قال : قال لي
ابن شبرمة : نظرت كم يكفي الرجل من القرآن فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات . فقلت : لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقل من ثلاث آيات . قال
سفيان : أخبرنا
منصور ، عن
إبراهيم ، عن
عبد الرحمن بن يزيد ، أخبره
علقمة nindex.php?page=hadith&LINKID=820115عن أبي مسعود ، فلقيته وهو يطوف بالبيت ، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه .
وقد تقدم أن هذا الحديث متفق عليه ، وقد جمع
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيما بين
عبد الرحمن بن يزيد وعلقمة عن
أبي مسعود وهو صحيح ؛ لأن
عبد الرحمن سمعه أولا من
علقمة ، ثم لقي
أبا مسعود وهو يطوف فسمعه منه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16604وعلي هذا هو ابن المديني وشيخه هو
سفيان بن عيينة ، وما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16438عبد الله بن شبرمة - فقيه
الكوفة في زمانه - استنباط حسن ، وقد جاء في حديث في السنن :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820116لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات ولكن هذا الحديث - أعني حديث
أبي مسعود - أصح وأشهر وأخص ، ولكن وجه مناسبته
[ ص: 81 ] للترجمة التي ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه نظر ، والله أعلم .
والحديث الثاني أظهر في المناسبة وهو قوله : حدثنا
موسى بن إسماعيل ، حدثنا
أبو عوانة ، عن
مغيرة ، عن
مجاهد ، nindex.php?page=hadith&LINKID=820117عن عبد الله بن عمرو قال : أنكحني أبي امرأة ذات حسب ، فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول : نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه ، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : القني به ، فلقيته بعد ، فقال : كيف تصوم ؟ . قلت : كل يوم . قال : وكيف تختم ؟ . قلت : كل ليلة . قال : صم كل شهر ثلاثة ، واقرأ القرآن في كل شهر : قال : قلت : إني أطيق أكثر من ذلك . قال : صم ثلاثة أيام في الجمعة . قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : أفطر يومين وصم يوما . قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : صم أفضل الصوم ، صوم داود ؛ صيام يوم وإفطار يوم ، واقرأ في كل سبع ليال مرة ، فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وذلك أني كبرت وضعفت ، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار والذي يقرأ يعرضه بالنهار ليكون أخف عليه بالليل ، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما وأحصى وصام مثلهن ، كراهية أن يترك شيئا فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : في ثلاث وفي خمس وأكثرهم على سبع .
وقد رواه في الصوم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي - أيضا - عن
بندار عن
غندر ، عن
شعبة ، عن
مغيرة ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
حصين ، كلاهما عن
مجاهد به .
ثم روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وأبو داود من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، عن
محمد بن عبد الرحمن - مولى بني زهرة - عن
أبي سلمة : قال : وأحسبني قال : سمعت أنا من
أبي سلمة ، عن
عبد الله بن عمرو قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820118قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : اقرأ القرآن في شهر . قلت : إني أجد قوة . قال : فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك . فهذا السياق ظاهره يقتضي المنع من
قراءة القرآن في أقل من سبع ، وهكذا الحديث الذي رواه
أبو عبيد :
حدثنا
حجاج وعمر بن طارق ويحيى بن بكير ، كلهم عن
ابن لهيعة ، عن
حبان بن واسع ، عن أبيه ، عن
قيس بن أبي صعصعة ؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820119يا رسول الله ، في كم أقرأ القرآن ؟ فقال : في كل خمس عشرة . قال : إني أجد في أقوى من ذلك ، قال : ففي كل جمعة .
وحدثنا
حجاج عن
شعبة ، عن
محمد بن ذكوان - رجل من أهل
الكوفة - قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15238عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يقول : كان
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن في غير رمضان من
[ ص: 82 ] الجمعة إلى الجمعة .
وعن
حجاج ، عن
شعبة ، عن
أيوب : سمعت
أبا قلابة ، عن
أبي المهلب قال : كان
أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان .
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم ، عن
خالد ، عن
أبي قلابة قال : كان
أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري يختمه في كل سبع ، وحدثنا
هشيم ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم : أنه كان يختم القرآن في كل سبع .
وحدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
إبراهيم قال : كان
الأسود يختم القرآن في كل ست ، وكان
علقمة يختمه في كل خمس .
فلو تركنا ومجرد هذا لكان الأمر في ذلك جليا ، ولكن دلت أحاديث أخرجوها على جواز قراءته فيما دون ذلك ، كما رواه الإمام
أحمد في مسنده : حدثنا
حسن ، حدثنا
ابن لهيعة ، حدثنا
حبان بن واسع ، عن أبيه ، عن
سعد بن المنذر الأنصاري ؛ أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824577يا رسول الله ، أقرأ القرآن في ثلاث ؟ قال : نعم . قال : فكان يقرؤه حتى توفي .
وهذا إسناد جيد قوي حسن ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=13715حسن بن موسى الأشيب ثقة متفق على جلالته ، روى له الجماعة ،
وابن لهيعة ، إنما يخشى من تدليسه وسوء حفظه ، وقد صرح هاهنا بالسماع ، وهو من الأئمة العلماء
بالديار المصرية في زمانه ، وشيخه
حبان بن واسع بن حبان وأبوه ، كلاهما من رجال
مسلم ، والصحابي لم يخرج له أحد من أهل الكتب الستة ، وهذا على شرط كثير منهم ، والله أعلم .
وقد رواه
أبو عبيد ، رحمه الله ، عن
ابن كثير عن
ابن لهيعة ، عن
حبان بن واسع ، عن أبيه ، عن
سعد بن المنذر الأنصاري أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824578يا رسول الله ، أقرأ القرآن في ثلاث ؟ قال : نعم ، إن استطعت . قال : فكان يقرؤه كذلك حتى توفي .
حديث آخر : قال
أبو عبيد : حدثنا
يزيد ، عن
همام ، عن
قتادة ، عن
يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن
عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820120لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث .
وهكذا أخرجه
أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث
قتادة به . وقال
الترمذي : حسن صحيح .
حديث آخر : قال
أبو عبيد : حدثنا
يوسف بن الغرق ، عن
الطيب بن سليمان ، حدثتنا
عمرة بنت [ ص: 83 ] عبد الرحمن : أنها سمعت
عائشة تقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824175كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث .
هذا حديث غريب وفيه ضعف ، فإن
الطيب بن سليمان هذا بصري ، ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، وليس هو بذاك المشهور ، والله أعلم .
وقد كره غير واحد من السلف
قراءة القرآن في أقل من ثلاث ، كما هو مذهب
أبي عبيد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12418وابن راهويه وغيرهما من الخلف - أيضا - قال
أبو عبيد : حدثنا
يزيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان ، عن
حفصة ، عن
أبي العالية ، عن
معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث . صحيح .
وحدثنا
يزيد ، عن
سفيان ، عن
علي بن بذيمة ، عن
أبي عبيدة قال : [ قال ]
عبد الله : من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز . وحدثنا
حجاج ، عن
شعبة ، عن
علي بن بذيمة ، عن
أبي عبيدة ، عن
عبد الله مثله سواء .
وحدثنا
حجاج ، عن
شعبة ، عن
محمد بن ذكوان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15238عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ؛ أنه كان يقرأ القرآن في رمضان في ثلاث . إسناده صحيح .
وفي المسند عن
عبد الرحمن بن شبل مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820121اقرءوا القرآن ، ولا تغلوا فيه ، ولا تجفوا عنه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به .
فقوله : لا تغلوا فيه أي : لا تبالغوا في تلاوته بسرعة في أقصر مدة ، فإن ذلك ينافي التدبر غالبا ؛ ولهذا قابله بقوله : ولا تجفوا عنه أي : لا تتركوا تلاوته .
فصل
وقد ترخص جماعة من السلف في تلاوة القرآن في أقل من ذلك ؛ منهم أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ، رضي الله عنه .
قال
أبو عبيد : حدثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أخبرني
ابن خصيفة ، عن
السائب بن يزيد : أن رجلا سأل
عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صلاة
طلحة بن عبيد فقال : إن شئت أخبرتك عن صلاة
عثمان - رضي الله عنه - فقال : نعم . قال : قلت : لأعلين الليلة على الحجر ، فقمت ، فلما قمت إذا أنا برجل مقنع يزحمني ، فنظرت فإذا
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ، فتأخرت عنه ، فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن ، حتى إذا قلت : هذه هوادي الفجر ، أوتر بركعة لم يصل غيرها . وهذا إسناد
[ ص: 84 ] صحيح .
قال وحدثنا
هشيم ، عن
منصور ، عن
ابن سيرين قال : قالت
نائلة بنت الفرافصة الكلبية حيث دخلوا على
عثمان ليقتلوه : إن يقتلوه أو يدعوه ، فقد كان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن . وهذا حسن أيضا .
وقال - أيضا - : حدثنا
أبو معاوية ، عن
عاصم بن سليمان ، عن
ابن سيرين : أن
nindex.php?page=showalam&ids=155تميما الداري قرأ القرآن في ركعة . حدثنا
حجاج بن شعبة ، عن
حماد ، عن
سعيد بن جبير : أنه قال : قرأت القرآن في ركعة في البيت - يعني الكعبة .
وحدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
إبراهيم ، عن
علقمة أنه قرأ القرآن في ليلة ، طاف بالبيت أسبوعا ، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالطول ، ثم طاف بالبيت أسبوعا ، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمئين ، ثم طاف أسبوعا ، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمثاني ، ثم طاف بالبيت أسبوعا ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بقية القرآن .
وهذه كلها أسانيد صحيحة ، ومن أغرب ما هاهنا : ما رواه
أبو عبيد : حدثنا
سعيد بن عفير ، عن
بكر بن مضر ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=16028سليم بن عتر التجيبي كان يختم القرآن في ليلة ثلاث مرات ، ويجامع ثلاث مرات . قال : فلما مات قالت امرأته : رحمك الله ، إن كنت لترضي ربك وترضي أهلك ، قالوا : وكيف ذلك ؟ قالت : كان يقوم من الليل فيختم القرآن ، ثم يلم بأهله ثم يغتسل ، ويعود فيقرأ حتى يختم ثم يلم بأهله ، ثم يغتسل ، ويعود فيقرأ حتى يختم ، ثم يلم بأهله ثم يغتسل ، ويخرج إلى صلاة الصبح .
قلت : كان
سليم بن عتر تابعيا جليلا ثقة نبيلا وكان قاضيا
بمصر أيام
معاوية وقاصها ، ثم قال
أبو حاتم : روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، وعنه
ابن زحر ، ثم قال : حدثني
محمد بن عوف ، عن
أبي صالح كاتب الليث ، حدثني
حرملة بن عمران ، عن
كعب بن علقمة قال : كان
سليم بن عتر من خير التابعين .
وذكره
ابن يونس في تاريخ
مصر .
وقد روى
ابن أبي داود عن
مجاهد أنه كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء .
وعن
منصور قال : كان
علي الأزدي يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان .
وعن
إبراهيم بن سعد قال : كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن .
قلت : وروي عن
منصور بن زاذان : أنه كان يختم فيما بين الظهر والعصر ، ويختم أخرى فيما
[ ص: 85 ] بين المغرب والعشاء ، وكانوا يؤخرونها قليلا .
وعن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، رحمه الله : أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين ، وفي غيره ختمة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12070أبي عبد الله البخاري - صاحب الصحيح - : أنه كان يختم في الليلة ويومها من رمضان ختمة .
ومن غريب هذا وبديعه ما ذكره الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=14510أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي قال : سمعت الشيخ
أبا عثمان المغربي يقول : كان
ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات ، وبالليل أربع ختمات .
وهذا نادر جدا . فهذا وأمثاله من الصحيح عن السلف محمول إما على أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تقدم ، أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرءونه مع هذه السرعة ، والله أعلم .
قال الشيخ
أبو زكريا النووي في كتابه : " التبيان " بعد ذكر طرف مما تقدم : ( والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ، فمن كان له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له ، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة ) .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، رحمه الله :