(
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ( 7 )
وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ( 8 )
وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ( 9 )
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ( 10 ) )
قال
سعيد بن جبير وقتادة : كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ، ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئا ، فأنزل الله : (
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون [ وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ] ) أي : الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى ، يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله [ تعالى ] لكل منهم ، بما يدلي به إلى الميت من قرابة ، أو زوجية ، أو ولاء . فإنه لحمة كلحمة النسب . وقد روى
ابن مردويه من طريق
ابن هراسة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13371عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن
جابر قال :
جاءت أم كجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن لي ابنتين ، وقد مات أبوهما ، وليس لهما شيء ، فأنزل الله تعالى : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ) الآية ، وسيأتي هذا الحديث عند آيتي الميراث بسياق آخر ، والله أعلم .
وقوله : (
وإذا حضر القسمة [ أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ] ) قيل : المراد : وإذا حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث واليتامى والمساكين فليرضخ لهم من التركة نصيب ، وأن ذلك كان واجبا في ابتداء الإسلام . وقيل : يستحب واختلفوا : هل هو منسوخ أم لا ؟ على قولين ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
أحمد بن حميد أخبرنا
عبيد الله الأشجعي ، عن
سفيان ، عن
الشيباني ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين ) قال : هي محكمة ، وليست بمنسوخة . تابعه
سعيد عن
ابن عباس .
وقال
ابن جرير : حدثنا
القاسم ، حدثنا
الحسين ، حدثنا
عباد بن العوام ، عن
الحجاج ، عن
الحكم ، عن
مقسم ، عن
ابن عباس قال : هي قائمة يعمل بها .
[ ص: 220 ]
وقال
الثوري ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في هذه الآية ، قال : هي واجبة على أهل الميراث ، ما طابت به أنفسهم . وهكذا روي عن
ابن مسعود ، وأبي موسى ، nindex.php?page=showalam&ids=72وعبد الرحمن بن أبي بكر ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، ومكحول ، nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=17344ويحيى بن يعمر : إنها واجبة .
وروى
ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13708أبي سعيد الأشج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13382اسماعيل بن علية ، عن
يونس بن عبيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : ولي
عبيدة وصية ، فأمر بشاة فذبحت ، فأطعم أصحاب هذه الآية ، وقال : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي .
وقال
مالك ، فيما يروى عنه من التفسير في جزء مجموع ، عن
الزهري : أن
عروة أعطى من مال
مصعب حين قسم ماله . وقال
الزهري : وهي محكمة .
وقال
مالك ، عن
عبد الكريم ، عن
مجاهد قال : هو حق واجب ما طابت به الأنفس .
ذكر من ذهب إلى أن ذلك أمر بالوصية لهم :
قال
عبد الرزاق : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : أن
أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد أخبراه : أن
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه
عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة حية قالا فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه . قالا وتلا (
وإذا حضر القسمة أولوا القربى ) قال القاسم : فذكرت ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس فقال : ما أصاب ، ليس ذلك له ، إنما ذلك إلى الوصية ، وإنما هذه الآية في الوصية يريد الميت [ أن ] يوصي لهم . رواه
ابن أبي حاتم .
ذكر من قال : إن هذه الآية منسوخة بالكلية :
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
محمد بن السائب الكلبي ، عن
أبي صالح ، عن
ابن عباس : (
وإذا حضر القسمة ) قال : منسوخة .
وقال
إسماعيل بن مسلم المكي ، عن
قتادة ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، قال في هذه الآية : (
وإذا حضر القسمة أولوا القربى ) نسختها الآية التي بعدها : (
يوصيكم الله في أولادكم )
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس في هذه الآية : (
وإذا حضر القسمة أولوا القربى ) كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض ، فأنزل الله بعد ذلك الفرائض ، فأعطى كل ذي حق حقه ، فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفى . رواهن
ابن مردويه .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وعثمان بن عطاء عن
عطاء ، عن
ابن عباس قوله : (
وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين )
[ ص: 221 ] نسختها آية الميراث ، فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك الوالدان والأقربون - مما قل منه أو كثر - [ نصيبا مفروضا ]
وحدثنا
أسيد بن عاصم ، حدثنا
سعيد بن عامر ، عن
همام ، حدثنا
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه قال : إنها منسوخة ، كانت قبل الفرائض ، كان ما ترك الرجل من مال أعطي منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حضروا القسمة ، ثم نسخ بعد ذلك ، نسختها المواريث ، فألحق الله بكل ذي حق حقه ، وصارت الوصية من ماله ، يوصي بها لذوي قرابته حيث يشاء .
وقال
مالك ، عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : هي منسوخة ، نسختها المواريث والوصية .
وهكذا روي عن
عكرمة ، وأبي الشعثاء ، nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد ، وأبي صالح ، وأبي مالك ، وزيد بن أسلم ، والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن : أنهم قالوا : إنها منسوخة . وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم .
وقد اختار
ابن جرير هاهنا قولا غريبا جدا ، وحاصله : أن معنى الآية عنده (
وإذا حضر القسمة ) أي : وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت (
فارزقوهم منه وقولوا لهم ) لليتامى والمساكين إذا حضروا (
قولا معروفا ) هذا مضمون ما حاوله بعد طول العبارة والتكرار ، وفيه نظر ، والله أعلم .
وقد قال
العوفي عن
ابن عباس : (
وإذا حضر القسمة ) وهي قسمة الميراث . وهكذا قال غير واحد ، والمعنى على هذا لا على ما سلكه
أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله ، بل المعنى : أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون ، واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل ، فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه ، إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهذا يأخذ ، وهم يائسون لا شيء يعطون ، فأمر الله تعالى - وهو الرءوف الرحيم - أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون برا بهم وصدقة عليهم ، وإحسانا إليهم ، وجبرا لكسرهم . كما قال الله تعالى : (
كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ) [ الأنعام : 141 ] وذم الذين ينقلون المال خفية; خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة ، كما أخبر عن أصحاب الجنة (
إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) [ القلم : 17 ] أي : بليل . وقال : (
فانطلقوا وهم يتخافتون . أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ) [ القلم : 23 ، 24 ] (
دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) [ محمد : 10 ] فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه; ولهذا جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500901 " ما خالطت الصدقة مالا إلا أفسدته " أي : منعها يكون سبب محاق ذلك المال بالكلية .
[ ص: 222 ]
وقوله : (
وليخش الذين لو تركوا من خلفهم [ ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله ] ) قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : هذا في الرجل يحضره الموت ، فيسمعه الرجل يوصي بوصية تضر بورثته ، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ، ويوفقه ويسدده للصواب ، ولينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة .
وهكذا قال
مجاهد وغير واحد ، وثبت في الصحيحين :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821027أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص يعوده قال : يا رسول الله ، إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : " لا " . قال : فالشطر ؟ قال : " لا " . قال : فالثلث ؟ قال : " الثلث ، والثلث كثير " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " .
وفي الصحيح أن
ابن عباس قال : لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الثلث ، والثلث كثير " .
قال الفقهاء : إن كان ورثة الميت أغنياء استحب للميت أن يستوفي الثلث في وصيته وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص الثلث .
وقيل : المراد بقوله : (
وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله ) [ أي ] في مباشرة أموال اليتامى (
ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا )
حكاه
ابن جرير من طريق
العوفي ، عن
ابن عباس : وهو قول حسن ، يتأيد بما بعده من التهديد في أكل مال اليتامى ظلما ، أي : كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك ، فعامل الناس في ذرياتهم إذا وليتهم .
ثم أعلمهم أن من أكل مال يتيم ظلما فإنما يأكل في بطنه نارا; ولهذا قال : (
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) أي : إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب ، فإنما يأكلون نارا تأجج في بطونهم يوم القيامة . وثبت في الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال ، عن
ثور بن زيد عن
سالم أبي الغيث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=821028اجتنبوا السبع الموبقات " قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : " الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
عبيدة أخبرنا
أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، حدثنا
أبو هارون العبدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : قلنا :
يا رسول الله ، ما رأيت [ ص: 223 ] ليلة أسري بك ؟ قال : " انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير ، رجال ، كل رجل له مشفران كمشفري البعير ، وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم ، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسفله ولهم خوار وصراخ . قلت يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه ، يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم .
وقال
أبو بكر ابن مردويه : حدثنا
إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا
أحمد بن عمرو ، حدثنا
عقبة بن مكرم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير ، حدثنا
زياد بن المنذر ، عن
نافع بن الحارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=88أبي برزة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=824868يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا " قيل : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : " ألم تر أن الله قال : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ إنما يأكلون في بطونهم نارا ] ) الآية .
رواه
ابن أبي حاتم ، عن
أبي زرعة ، عن
عقبة بن مكرم وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13053أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، عن
أحمد بن علي بن المثنى ، عن
عقبة بن مكرم .
وقال
ابن مردويه : حدثنا
عبد الله بن جعفر ، وأحمد بن عصام حدثنا
أبو عامر العبدي ، حدثنا
عبد الله بن جعفر الزهري ، عن
عثمان بن محمد ، عن
المقبري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=824869أحرج مال الضعيفين : المرأة واليتيم " أي أوصيكم باجتناب مالهما .
وتقدم في سورة البقرة من طريق
عطاء بن السائب ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : لما أنزل الله : (
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ إنما يأكلون في بطونهم نارا ] ) انطلق من كان عنده يتيم ، فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : (
ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير [ وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ] ) [ البقرة : 220 ] .