(
إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( 40 )
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( 41 )
يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ( 42 ) )
يخبر تعالى أنه لا يظلم عبدا من عباده يوم القيامة مثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة ، بل يوفيها به ويضاعفها له إن كانت حسنة ، كما قال تعالى (
ونضع الموازين القسط [ ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ] ) [ الأنبياء : 47 ] وقال تعالى مخبرا عن
لقمان أنه قال : (
يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله [ إن الله لطيف خبير ] ) [ لقمان : 16 ] وقال تعالى : (
يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم . فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )
وفي الصحيحين ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل ، وفيه : فيقول الله عز وجل : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=824464ارجعوا ، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، فأخرجوه من النار " . وفي لفظ : " أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار ، فيخرجون خلقا كثيرا " ثم يقول أبو سعيد : اقرؤوا إن شئتم : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة [ وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ] ) .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو سعيد الأشج ، حدثنا
عيسى بن يونس ، عن
هارون بن عنترة عن
عبد الله بن السائب ، عن
زاذان قال :
قال nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : يؤتى بالعبد والأمة يوم القيامة ، فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين : هذا فلان بن فلان ، من كان له حق فليأت إلى حقه . [ ص: 305 ] فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها أو أخيها أو زوجها . ثم قرأ : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ المؤمنون : 101 ] فيغفر الله من حقه ما يشاء ، ولا يغفر من حقوق الناس شيئا ، فينصب للناس فينادى : هذا فلان بن فلان ، من كان له حق فليأت إلى حقه . فيقول : رب ، فنيت الدنيا ، من أين أوتيهم حقوقهم ؟ قال : خذوا من أعماله الصالحة ، فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليا لله ففضل له مثقال ذرة ، ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة ، ثم قرأ علينا : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ) قال : ادخل الجنة ; وإن كان عبدا شقيا قال الملك : رب فنيت حسناته ، وبقي طالبون كثير ؟ فيقول : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صكوا له صكا إلى النار .
ورواه
ابن جرير من وجه آخر ، عن
زاذان - به نحوه . ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
أبو نعيم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل - يعني ابن مرزوق - عن
عطية العوفي ، حدثني
عبد الله بن عمر قال : نزلت هذه الآية في الأعراب : (
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) [ الأنعام : 160 ] قال رجل : فما للمهاجرين يا
أبا عبد الرحمن ؟ قال : ما هو أفضل من ذلك : (
إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) .
وحدثنا
أبو زرعة ، حدثنا
يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16457عبد الله بن لهيعة ، حدثني
عطاء بن دينار ، عن
سعيد بن جبير في قوله (
وإن تك حسنة يضاعفها ) فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة ، ولا يخرج من النار أبدا . وقد استدل له بالحديث الصحيح أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=821129العباس قال : يا رسول الله ، إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعته بشيء ؟ قال : " نعم هو في ضحضاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك من النار " .
وقد يكون هذا خاصا
بأبي طالب من دون الكفار ، بدليل ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي في سننه حدثنا
عمران ، حدثنا
قتادة ، عن
أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=821130إن الله لا يظلم المؤمن حسنة ، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ،
وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والحسن وقتادة والضحاك ، في قوله : (
ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) يعني : الجنة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عبد الصمد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16034سليمان - يعني ابن المغيرة - عن
علي بن زيد ، عن
nindex.php?page=hadith&LINKID=821131أبي عثمان قال : بلغني عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أنه قال : بلغني أن الله تعالى يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة . قال : فقضي أني انطلقت حاجا أو معتمرا ، فلقيته فقلت : بلغني عنك [ ص: 306 ] حديث أنك تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعطى عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة " قال أبو هريرة : لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله عز وجل يعطيه ألفي ألف حسنة " ثم تلا ( يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) فمن يقدره قدره .
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد فقال : حدثنا
يزيد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16874مبارك بن فضالة ، عن
علي بن زيد ، عن
nindex.php?page=hadith&LINKID=821132أبي عثمان قال : أتيت nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة فقلت له : بلغني أنك تقول : إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة ؟ قال : وما أعجبك من ذلك ؟ فوالله لقد سمعت - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - كذا قال أبي - يقول : " إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة " .
علي بن زيد في أحاديثه نكارة ، فالله أعلم .
وقوله : (
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) يقول تعالى - مخبرا عن هول يوم القيامة وشدة أمره وشأنه : فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة وحين يجيء من كل أمة بشهيد - يعني الأنبياء عليهم السلام ؟ كما قال تعالى : (
وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء [ وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ] ) [ الزمر : 69 ] وقال تعالى : (
ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم [ وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ] ) [ النحل : 89 ] .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
محمد بن يوسف ، حدثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
عبيدة ، عن
nindex.php?page=hadith&LINKID=821133 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " اقرأ علي " قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " نعم ، إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت سورة النساء ، حتى أتيت إلى هذه الآية : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) قال : " حسبك الآن " فإذا عيناه تذرفان .
ورواه هو
ومسلم أيضا من حديث
الأعمش ، به وقد روي من طرق متعددة عن
ابن مسعود ، فهو مقطوع به عنه . ورواه
أحمد من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبي حيان ،
وأبي رزين ، عنه .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا
الصلت بن مسعود الجحدري ، حدثنا
فضيل بن سليمان ، حدثنا
nindex.php?page=hadith&LINKID=824915يونس بن محمد بن فضالة الأنصاري ، عن أبيه قال - وكان أبي ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ، فجلس على الصخرة التي في بني ظفر اليوم ، ومعه ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم قارئا فقرأ ، فأتى على هذه الآية : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى [ ص: 307 ] اضطرب لحياه وجنباه ، فقال : " يا رب هذا شهدت على من أنا بين ظهريه ، فكيف بمن لم أره ؟ " .
وقال
ابن جرير : حدثني
عبد الله بن محمد الزهري ، حدثنا
سفيان ، عن
المسعودي ، عن
جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - هو ابن مسعود - (
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=821134شهيد عليهم ما دمت فيهم ، فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " .
وأما ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12792أبو عبد الله القرطبي في " التذكرة " حيث قال : باب ما جاء في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته : قال : أخبرنا
ابن المبارك ، أخبرنا رجل من
الأنصار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو ، حدثه أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يقول : ليس من يوم إلا تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية ، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم ، فلذلك يشهد عليهم ، يقول الله تعالى : (
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) فإنه أثر ، وفيه انقطاع ، فإن فيه رجلا مبهما لم يسم ، وهو من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب لم يرفعه . وقد قبله
القرطبي فقال بعد إيراده : [ قد تقدم ] أن الأعمال تعرض على الله كل يوم اثنين وخميس ، وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة . قال : ولا تعارض ، فإنه يحتمل أن يخص نبينا بما يعرض عليه كل يوم ، ويوم الجمعة مع الأنبياء ، عليهم السلام .
وقوله (
يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ) أي : لو انشقت وبلعتهم ، مما يرون من أهوال الموقف ، وما يحل بهم من الخزي والفضيحة والتوبيخ ، كقوله : ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه [
ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ] ) وقوله (
ولا يكتمون الله حديثا ) أخبر عنهم بأنهم يعترفون بجميع ما فعلوه ، ولا يكتمون منه شيئا .
قال
ابن جرير : حدثنا
ابن حميد ، حدثنا
حكام ، حدثنا
عمرو ، عن
مطرف ، عن
بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير قال : أتى رجل
ابن عباس فقال : سمعت الله ، عز وجل ، يقول - يعني إخبارا عن المشركين يوم القيامة أنهم قالوا - : (
والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] وقال في الآية الأخرى : ( ولا يكتمون الله حديثا ) فقال
ابن العباس : أما قوله : (
والله ربنا ما كنا مشركين ) فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا : تعالوا فلنجحد ، فقالوا : (
والله ربنا ما كنا مشركين ) فختم الله على أفواههم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم (
ولا يكتمون الله حديثا )
وقال
عبد الرزاق : أخبرنا
معمر ، عن رجل عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير قال : جاء رجل إلى
ابن عباس فقال : أشياء تختلف علي في القرآن . قال : ما هو ؟ أشك في القرآن ؟ قال : ليس
[ ص: 308 ] هو بالشك . ولكن اختلاف . قال : فهات ما اختلف عليك من ذلك . قال : أسمع الله يقول : (
ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] وقال (
ولا يكتمون الله حديثا ) ; فقد كتموا ! فقال
ابن عباس : أما قوله : (
ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، جحد المشركون ، فقالوا : (
والله ربنا ما كنا مشركين ) ; رجاء أن يغفر لهم . فختم الله على أفواههم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك : (
يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )
وقال
جويبر عن
الضحاك : إن
نافع بن الأزرق أتى
ابن عباس فقال : يا
ابن عباس ، قول الله : (
يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ) وقوله (
والله ربنا ما كنا مشركين ) ؟ فقال له
ابن عباس : إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت ألقي على
ابن عباس متشابه القرآن . فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد . فيقول المشركون : إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده ، فيقولون : تعالوا نقل فيسألهم فيقولون : (
والله ربنا ما كنا مشركين ) قال : فيختم على أفواههم ، وتستنطق جوارحهم ، فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين . فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سويت بهم (
ولا يكتمون الله حديثا ) رواه
ابن جرير .