(
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ( 49 )
انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا ( 50 )
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ( 51 )
أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ( 52 ) ) .
قال
الحسن وقتادة : نزلت هذه الآية ، وهي قوله : (
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) في
اليهود والنصارى ، حين قالوا : (
نحن أبناء الله وأحباؤه )
وقال
ابن زيد : نزلت في قولهم : (
نحن أبناء الله وأحباؤه ) [ المائدة : 18 ] ، وفي قولهم : (
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ البقرة : 111 ] .
وقال
مجاهد : كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ، ويزعمون أنهم لا ذنب لهم .
وكذا قال
عكرمة ، وأبو مالك . روى ذلك
ابن جرير .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس في قوله (
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) وذلك أن
اليهود قالوا : إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة ، وسيشفعون لنا ويزكوننا ، فأنزل الله على
محمد [ صلى الله عليه وسلم ] (
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ) رواه
ابن جرير .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
محمد بن مصفى ، حدثنا
ابن حمير ، عن
ابن لهيعة ، عن
بشر بن أبي عمرو عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : كانت
اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ، ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب . وكذبوا . قال الله [ تعالى ] إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له " وأنزل الله : (
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم )
ثم قال : وروي عن
مجاهد ، وأبي مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وعكرمة ، والضحاك - نحو ذلك .
وقال
الضحاك : قالوا : ليس لنا ذنوب ، كما ليس لأبنائنا ذنوب . فأنزل الله ذلك فيهم .
وقيل : نزلت في
ذم التمادح والتزكية .
وقد جاء في الحديث الصحيح عند
مسلم ، عن
المقداد بن الأسود قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821177أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب .
وفي الحديث الآخر المخرج في الصحيحين من طريق
خالد الحذاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16329عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824931أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يثني على رجل ، فقال : " ويحك . قطعت عنق صاحبك " . ثم قال : " إن كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة ، فليقل : أحسبه كذا ولا يزكي على الله أحدا " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
معتمر ، عن أبيه ، عن
نعيم بن أبي هند قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : من قال : أنا مؤمن ، فهو كافر . ومن قال : هو عالم ، فهو جاهل . ومن قال : هو في الجنة ، فهو في النار
[ ص: 333 ] .
ورواه
ابن مردويه ، من طريق
موسى بن عبيدة ، عن
طلحة بن عبيد الله بن كريز ، عن
عمر أنه قال : إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه ، فمن قال : إنه مؤمن ، فهو كافر ، ومن قال : إنه عالم فهو جاهل ، ومن قال : إنه في الجنة ، فهو في النار .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة وحجاج ، أنبأنا
شعبة ، عن
سعد بن إبراهيم ، عن
معبد الجهني قال : كان
معاوية قلما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : وكان قلما يكاد أن يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822013 " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإن هذا المال حلو خضر ، فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه ، وإياكم والتمادح فإنه الذبح " .
وروى
ابن ماجه منه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=821179إياكم والتمادح فإنه الذبح " عن
أبي بكر بن أبي شيبة ، عن
غندر ، عن
شعبة به .
ومعبد هذا هو
ابن عبد الله بن عويم البصري القدري .
وقال
ابن جرير : حدثنا
يحيى بن إبراهيم المسعودي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : إن الرجل ليغدو بدينه ، ثم يرجع وما معه منه شيء ، يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ولا ضرا فيقول له : والله إنك كيت وكيت فلعله أن يرجع ولم يحل من حاجته بشيء وقد أسخط الله . ثم قرأ )
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) الآية .
وسيأتي الكلام على ذلك مطولا عند قوله تعالى : (
فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) [ النجم : 32 ] . ولهذا قال تعالى : (
بل الله يزكي من يشاء ) أي : المرجع في ذلك إلى الله ، عز وجل لأنه عالم بحقائق الأمور وغوامضها .
ثم قال تعالى : (
ولا يظلمون فتيلا ) أي : ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل .
قال
ابن عباس ،
ومجاهد ، وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد من السلف : هو ما يكون في شق النواة .
وعن
ابن عباس أيضا : هو ما فتلت بين أصابعك . وكلا القولين متقارب .
وقوله : (
انظر كيف يفترون على الله الكذب ) أي : في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه وقولهم : (
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ البقرة : 111 ] وقولهم : (
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [ البقرة : 80 ] واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة ، وقد حكم الله أن أعمال
[ ص: 334 ] الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئا ، في قوله : (
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم [ ولا تسألون عما كانوا يعملون ] ) [ البقرة : 141 ] .
ثم قال : (
وكفى به إثما مبينا ) أي : وكفى بصنعهم هذا كذبا وافتراء ظاهرا .
وقوله : (
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) أما " الجبت " فقال
محمد بن إسحاق ، عن
حسان بن فائد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قال : " الجبت " : السحر ، و " الطاغوت " : الشيطان .
وهكذا روي عن
ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، والحسن ، والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
وعن
ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية ،
ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، وعكرمة ، [ وأبي مالك ]
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، والحسن ، وعطية : " الجبت " الشيطان - زاد
ابن عباس : بالحبشية . وعن
ابن عباس أيضا : " الجبت " : الشرك . وعنه : " الجبت " : الأصنام .
وعن
الشعبي : " الجبت " : الكاهن . وعن
ابن عباس : " الجبت " :
حيي بن أخطب . وعن
مجاهد : " الجبت " :
كعب بن الأشرف .
وقال العلامة
nindex.php?page=showalam&ids=14042أبو نصر بن إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه " الصحاح " : " الجبت " كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك ، وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824932 " الطيرة والعيافة والطرق من الجبت " قال : وهذا ليس من محض العربية ، لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة من غير حرف ذولقي .
وهذا الحديث الذي ذكره ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في فقال : حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا ،
عوف عن
حيان أبي العلاء ، حدثنا
قطن بن قبيصة ، عن أبيه - وهو
قبيصة بن مخارق - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=821180إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت " وقال
عوف : " العيافة " : زجر الطير ، و " الطرق " : الخط ، يخط في الأرض ، و " الجبت " قال
الحسن : إنه الشيطان .
وهكذا رواه
أبو داود في سننه
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم في تفسيريهما من حديث
عوف الأعرابي ، به
وقد تقدم الكلام على " الطاغوت " في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
إسحاق بن الضيف ، حدثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أخبرني
أبو الزبير أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله أنه سئل عن " الطواغيت " فقال : هم كهان تنزل عليهم الشياطين .
[ ص: 335 ] وقال
مجاهد : " الطاغوت " : الشيطان في صورة إنسان ، يتحاكمون إليه ، وهو صاحب أمرهم .
وقال
الإمام مالك : " الطاغوت " : هو كل ما يعبد من دون الله ، عز وجل .
وقوله : (
ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) أي : يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم ، وقلة دينهم ، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم .
وقد روى
ابن أبي حاتم : حدثنا
محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا
سفيان ، عن
عمرو ، عن
عكرمة قال : جاء
حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى
أهل مكة ، فقالوا لهم : أنتم
أهل الكتاب وأهل العلم ، فأخبرونا عنا وعن
محمد ، فقالوا : ما أنتم وما
محمد . فقالوا : نحن نصل الأرحام ، وننحر الكوماء ، ونسقي الماء على اللبن ، ونفك العناة ، ونسقي الحجيج -
ومحمد صنبور ، قطع أرحامنا ، واتبعه سراق الحجيج
بنو غفار ، فنحن خير أم هو ؟ فقالوا : أنتم خير وأهدى سبيلا . فأنزل الله (
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من [ الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ] ) .
وقد روي هذا من غير وجه ، عن
ابن عباس وجماعة من السلف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
محمد بن أبي عدي ، عن
داود ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : لما قدم
كعب بن الأشرف مكة قالت
قريش : ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه ؟ يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة ، وأهل السقاية ! قال : أنتم خير . قال فنزلت (
إن شانئك هو الأبتر ) [ الكوثر : 3 ] ونزل : (
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) إلى (
نصيرا ) .
وقال
ابن إسحاق : حدثني
محمد بن أبي محمد ، عن
عكرمة أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : كان الذين حزبوا الأحزاب من
قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع ، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ،
وأبو عمار ،
ووحوح بن عامر ، وهوذة بن قيس . فأما
وحوح وأبو عمار وهوذة فمن
بني وائل ، وكان سائرهم من
بني النضير ، فلما قدموا على
قريش قالوا هؤلاء أحبار
يهود وأهل العلم بالكتب الأول فسلوهم : أدينكم خير أم دين
محمد ؟ فسألوهم ، فقالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه . فأنزل الله عز وجل : (
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من [ الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا . أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ] ) إلى قوله عز وجل : (
وآتيناهم ملكا عظيما ) .
وهذا لعن لهم ، وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة ، لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين ، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم ، وقد أجابوهم ، وجاءوا معهم يوم الأحزاب ، حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول
المدينة الخندق ، فكفى الله شرهم (
ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا )
[ ص: 336 ] [ الأحزاب : 25 ] .