[ ص: 418 ] (
ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ( 123 )
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ( 124 )
ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ( 125 )
ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا ( 126 ) )
قال
قتادة : ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، فنحن أولى بالله منكم . وقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم نبينا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله فأنزل الله : (
ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) (
ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن [ واتبع ملة إبراهيم حنيفا ] ) الآية . فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان .
وكذا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، ومسروق ، والضحاك وأبي صالح ، وغيرهم وكذا روى
العوفي عن
ابن عباس أنه قال في هذه الآية : تخاصم أهل الأديان فقال أهل التوراة : كتابنا خير الكتب ، ونبينا خير الأنبياء . وقال أهل الإنجيل مثل ذلك . وقال أهل الإسلام : لا دين إلا الإسلام . وكتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا . فقضى الله بينهم فقال : (
ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) وخير بين الأديان فقال : (
ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن [ واتبع ملة إبراهيم حنيفا ] ) إلى قوله : (
واتخذ الله إبراهيم خليلا )
وقال
مجاهد : قالت العرب : لن نبعث ولن نعذب . وقالت اليهود والنصارى : (
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ البقرة : 111 ] وقالوا (
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [ البقرة : 80 ] .
والمعنى في هذه الآية : أن
الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني ، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه ، ولا كل من قال : " إنه هو المحق " سمع قوله بمجرد ذلك ، حتى يكون له من الله برهان ; ولهذا قال تعالى : (
ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ) أي : ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني ، بل العبرة
بطاعة الله ، واتباع ما شرعه على ألسنة رسله الكرام ; ولهذا قال بعده : (
من يعمل سوءا يجز به ) كقوله (
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة : 7 ، 8 ] .
وقد روي أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16421عبد الله بن نمير ، حدثنا
إسماعيل ، عن
أبي بكر بن أبي زهير قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823430أخبرت أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، كيف الصلاح بعد هذه الآية : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) فكل سوء عملناه جزينا به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " غفر الله لك يا أبا بكر ، ألست تمرض ؟ ألست تنصب ؟ ألست تحزن ؟ ألست تصيبك اللأواء ؟ " قال : بلى . قال : " فهو ما تجزون به " .
[ ص: 419 ]
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، عن
خلف بن خليفة ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، به . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه ، عن
أبي يعلى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11997أبي خيثمة ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، به . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
إسماعيل به .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عبد الوهاب بن عطاء ، عن
زياد الجصاص ، عن
علي بن زيد ، عن
مجاهد ، عن
ابن عمر قال : سمعت
أبا بكر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823431 " من يعمل سوءا يجز به في الدنيا " .
وقال
أبو بكر بن مردويه : حدثنا
أحمد بن هشيم بن جهيمة ، حدثنا
يحيى بن أبي طالب ، حدثنا
عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا
زياد الجصاص ، عن
علي بن زيد ، عن
مجاهد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824991قال عبد الله بن عمر : انظروا المكان الذي به عبد الله بن الزبير مصلوبا ولا تمرن عليه . قال : فسها الغلام ، فإذا ابن عمر ينظر إلى ابن الزبير فقال : يغفر الله لك ثلاثا ، أما والله ما علمتك إلا صواما قواما وصالا للرحم ، أما والله إني لأرجو مع متساوي ما أصبت ألا يعذبك الله بعدها . قال : ثم التفت إلي فقال : سمعت أبا بكر الصديق يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يعمل سوءا في الدنيا يجز به " .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13863أبو بكر البزار في ، عن
الفضل بن سهل ، عن
عبد الوهاب بن عطاء ، به مختصرا . وقد قال في مسند
ابن الزبير : حدثنا
إبراهيم بن المستمر العروفي حدثنا
عبد الرحمن بن سليم بن حيان ، حدثني أبي ، عن جدي
حيان بن بسطام ، قال : كنت مع
ابن عمر ، فمر
بعبد الله بن الزبير وهو مصلوب ، فقال : رحمك الله
أبا خبيب ، سمعت أباك - يعني
الزبير - يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823431 " من يعمل سوءا يجز به في الدنيا والأخرى " ثم قال : لا نعلمه يروى عن
الزبير إلا من هذا الوجه .
وقال
أبو بكر بن مردويه : حدثنا
أحمد بن كامل ، حدثنا
محمد بن سعد العوفي ، حدثنا
روح بن عبادة ، حدثنا
موسى بن عبيدة ، حدثني
مولى ابن سباع قال : سمعت
ابن عمر يحدث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823432كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ، هل أقرئك آية نزلت علي ؟ " قال : قلت : بلى يا رسول الله . فأقرأنيها فلا أعلم إلا أني وجدت انقصاما في ظهري حتى تمطأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لك يا أبا بكر ؟ " قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، وأينا لم يعمل السوء ، وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما أنت وأصحابك يا أبا بكر المؤمنون فتجزون بذلك في [ ص: 420 ] الدنيا حتى تلقوا الله ، وليس لكم ذنوب ، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة " .
وهكذا رواه
الترمذي عن
يحيى بن موسى ، nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ، عن
روح بن عبادة ، به . ثم قال :
وموسى بن عبيدة يضعف ،
ومولى ابن سباع مجهول .
[ وقال
ابن جرير : حدثنا الغلام ، حدثنا
الحسين ، حدثنا
الحجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أخبرني
عطاء بن أبي رباح قال :
لما نزلت قال أبو بكر : يا رسول الله ، جاءت قاصمة الظهر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما هي المصائب في الدنيا " ] .
طريق أخرى عن
الصديق : قال
ابن مردويه : حدثنا
محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري ، حدثنا
محمد بن عامر السعدي ، حدثنا
يحيى بن يحيى ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14919فضيل بن عياض ، عن
سليمان بن مهران ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11870مسلم بن صبيح ، عن
مسروق قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824993قال أبو بكر [ الصديق ] يا رسول الله ، ما أشد هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ) ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المصائب والأمراض والأحزان في الدنيا جزاء " .
طريق أخرى : قال
ابن جرير : حدثني
عبد الله بن أبي زياد nindex.php?page=showalam&ids=12287وأحمد بن منصور قالا حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، حدثنا
عبد الملك بن الحسن الحارثي ، حدثنا
محمد بن زيد بن قنفذ عن
عائشة ، عن
أبي بكر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824994لما نزلت : ( من يعمل سوءا يجز به ) قال أبو بكر : يا رسول الله ، كل ما نعمل نؤاخذ به ؟ فقال : " يا أبا بكر ، أليس يصيبك كذا وكذا ؟ فهو كفارة " .
حديث آخر : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور : أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب ، أخبرني
عمرو بن الحارث ، أن
بكر بن سوادة حدثه ، أن
يزيد بن أبي يزيد حدثه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ، عن
عائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823433أن رجلا تلا هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ) فقال : إنا لنجزى بكل عمل ؟ هلكنا إذا . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " نعم ، يجزى به المؤمن في الدنيا ، في نفسه ، في جسده ، فيما يؤذيه " .
طريق أخرى : قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
سلمة بن بشير ، حدثنا
هشيم ، عن
أبي عامر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=823434عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ، إني لأعلم أشد آية في القرآن . فقال : " ما هي يا عائشة ؟ " قلت : ( من يعمل سوءا يجز به ) فقال : " هو ما يصيب العبد المؤمن حتى النكبة ينكبها " .
[ ص: 421 ]
رواه
ابن جرير من حديث
هشيم ، به . ورواه
أبو داود ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12065أبي عامر صالح بن رستم الخزاز به .
طريق أخرى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي : حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
علي بن زيد ، nindex.php?page=hadith&LINKID=824995عن أمية أنها سألت عائشة عن هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ) فقالت : ما سألني عن هذه الآية أحد منذ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عائشة ، هذه مبايعة الله للعبد ، مما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة ، حتى البضاعة يضعها في كمه فيفزع لها ، فيجدها في جيبه ، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير " .
طريق أخرى : قال
ابن مردويه : حدثنا
محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا
أبو القاسم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15972سريج بن يونس ، حدثنا
أبو معاوية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل ، عن
محمد بن زيد بن المهاجر ، عن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824996سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ) قال : " إن المؤمن يؤجر في كل شيء حتى في الفيظ عند الموت " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
حسين ، عن
زائدة ، عن
ليث ، عن
مجاهد ، عن
عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822886 " إذا كثرت ذنوب العبد ، ولم يكن له ما يكفرها ، ابتلاه الله بالحزن ليكفرها عنه " .
حديث آخر : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، عن
سفيان بن عيينة ، عن
عمر بن عبد الرحمن بن محيصن ، سمع
محمد بن قيس بن مخرمة ، يخبر أن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ، رضي الله عنه ، قال : لما نزلت : (
من يعمل سوءا يجز به ) شق ذلك على المسلمين ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824997 " سددوا وقاربوا ، فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها ، والنكبة ينكبها " .
وهكذا رواه
أحمد ، عن
سفيان بن عيينة ، ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، من حديث
سفيان بن عيينة ، به ورواه
ابن مردويه من حديث
روح ومعتمر كلاهما ، عن
إبراهيم بن يزيد عن
عبد الله بن إبراهيم ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824998لما نزلت هذه الآية : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) بكينا وحزنا وقلنا : يا رسول الله ، ما أبقت هذه الآية من شيء . قال : " أما والذي نفسي بيده إنها لكما نزلت ، ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا ; فإنه لا يصيب أحدا منكم [ ص: 422 ] في الدنيا إلا كفر الله بها خطيئته ، حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، عن
أبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة : أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823435 " ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن ، حتى الهم يهمه ، إلا كفر به من سيئاته " أخرجاه .
حديث آخر : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
يحيى ، عن
سعد بن إسحاق ، حدثتني
زينب بنت كعب بن عجرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823436قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ؟ ما لنا بها ؟ قال : " كفارات " . قال أبي : وإن قلت ؟ قال : " وإن شوكة فما فوقها " قال : فدعا أبي على نفسه أنه لا يفارقه الوعك حتى يموت ، في ألا يشغله عن حج ولا عمرة ، ولا جهاد في سبيل الله ، ولا صلاة مكتوبة في جماعة ، فما مسه إنسان إلا وجد حره ، حتى مات ، رضي الله عنه . تفرد به
أحمد .
حديث آخر : روى
ابن مردويه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15719حسين بن واقد ، عن
الكلبي ، عن
أبي صالح ، عن
ابن عباس قال :
قيل : يا رسول الله : ( من يعمل سوءا يجز به ) ؟ قال : " نعم ، ومن يعمل حسنة يجز بها عشرا . فهلك من غلب واحدته عشرا " .
وقال
ابن جرير : حدثنا
ابن وكيع ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
حميد ، عن
الحسن : (
من يعمل سوءا يجز به ) قال : الكافر ، ثم قرأ : (
وهل نجازي إلا الكفور ) [ سبأ : 17 ] .
وهكذا روي عن
ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير : أنهما فسرا السوء هاهنا بالشرك أيضا .
وقوله : (
ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ) قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : إلا أن يتوب فيتوب الله عليه . رواه
ابن أبي حاتم .
والصحيح أن ذلك عام في جميع الأعمال ، لما تقدم من الأحاديث ، وهذا اختيار
ابن جرير ، والله أعلم .
وقوله : (
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن [ فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ] ) لما ذكر الجزاء على السيئات ، وأنه لا بد أن يأخذ مستحقها من العبد إما في الدنيا - وهو الأجود له - وإما في الآخرة - والعياذ بالله من ذلك ، ونسأله العافية في الدنيا والآخرة ، والصفح والعفو والمسامحة - شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذكرانهم وإناثهم ، بشرط الإيمان ، وأنه سيدخلهم الجنة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير ، وهو : النقرة التي في ظهر نواة التمرة ، وقد تقدم الكلام على الفتيل ، وهو الخيط الذي في شق النواة ، وهذا النقير وهما في نواة التمرة ، وكذا القطمير وهو اللفافة التي على نواة التمرة ، الثلاثة في القرآن .
[ ص: 423 ]
ثم قال تعالى : (
ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ) أخلص العمل لربه ، عز وجل ، فعمل إيمانا واحتسابا (
وهو محسن ) أي :
اتبع في عمله ما شرعه الله له ، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما ، أي : يكون خالصا صوابا ، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون متبعا للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة ، وباطنه بالإخلاص ، فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد . فمن فقد الإخلاص كان منافقا ، وهم الذين يراؤون الناس ، ومن فقد المتابعة كان ضالا جاهلا . ومتى جمعهما فهو عمل المؤمنين : (
الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم [ في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ] ) [ الأحقاف : 16 ] ; ولهذا قال تعالى : (
واتبع ملة إبراهيم حنيفا ) وهم
محمد وأتباعه إلى يوم القيامة ، كما قال تعالى : (
إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي [ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ] ) [ آل عمران : 68 ] وقال تعالى : (
[ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ] ) [ الأنعام : 161 ] و (
ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ النحل : 123 ] والحنيف : هو المائل عن الشرك قصدا ، أي تاركا له عن بصيرة ، ومقبل على الحق بكليته ، لا يصده عنه صاد ، ولا يرده عنه راد .
وقوله : (
واتخذ الله إبراهيم خليلا ) وهذا من باب الترغيب في اتباعه ; لأنه إمام يقتدى به ، حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له ، فإنه انتهى إلى درجة
الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة ، وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه ، كما وصفه به في قوله : (
وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] قال كثيرون من السلف : أي قام بجميع ما أمر به ووفى كل مقام من مقامات العبادة ، فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير ، ولا كبير عن صغير . وقال تعالى : (
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [ قال إني جاعلك للناس إماما ] ) الآية [ البقرة : 124 ] . وقال تعالى : (
إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين [ شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم . وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ] ) [ النحل : 120 - 122 ] .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
سليمان بن حرب ، حدثنا
شعبة ، عن
حبيب بن أبي ثابت ، عن
سعيد بن جبير ، عن
عمرو بن ميمون قال : إن
معاذا لما قدم اليمن صلى الصبح بهم : فقرأ : (
واتخذ الله إبراهيم خليلا ) فقال رجل من القوم : لقد قرت عين أم إبراهيم .
وقد ذكر
ابن جرير في تفسيره ، عن بعضهم أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جدب ، فارتحل إلى خليل له من
أهل الموصل - وقال بعضهم : من
أهل مصر - ليمتار طعاما لأهله من قبله ، فلم يصب عنده حاجته . فلما قرب من أهله مر بمفازة
ذات رمل ، فقال : لو ملأت غرائري من هذا الرمل ، لئلا أغم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة ، وليظنوا أني أتيتهم بما يحبون . ففعل ذلك ، فتحول ما في غرائره من الرمل دقيقا ، فلما صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر ،
[ ص: 424 ] فوجدوا دقيقا فعجنوا وخبزوا منه فاستيقظ ، فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا ، فقالوا : من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك فقال : نعم ، هو من خليلي الله . فسماه الله بذلك خليلا .
وفي صحة هذا ووقوعه نظر ، وغايته أن يكون خبرا إسرائيليا لا يصدق ولا يكذب ، وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه ، عز وجل ، له ، لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها ; ولهذا ثبت في الصحيحين ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري : nindex.php?page=hadith&LINKID=825000أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في آخر خطبة خطبها قال : " أما بعد ، أيها الناس ، فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل الله " .
وجاء من طريق
جندب بن عبد الله البجلي ، nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو بن العاص ، nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823437 " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " .
وقال
أبو بكر بن مردويه : حدثنا
عبد الرحيم بن محمد بن مسلم ، حدثنا
إسماعيل بن أحمد بن أسيد ، حدثنا
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة ، حدثنا
عبيد الله الحنفي ، حدثنا
زمعة بن صالح ، عن
سلمة بن وهرام ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823438جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه ، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، وإذا بعضهم يقول : عجبا إن الله اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله ! وقال آخر : ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما ! وقال آخر : فعيسى روح الله وكلمته ! وقال آخر : آدم اصطفاه الله ! فخرج عليهم فسلم وقال : " قد سمعت كلامكم وتعجبكم أن إبراهيم خليل الله ، وهو كذلك ، وموسى كليمه ، وعيسى روحه وكلمته ، وآدم اصطفاه الله ، وهو كذلك ألا وإني حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع ، وأول مشفع ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة ، فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر " .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها .
وقال
قتادة ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس أنه قال : أتعجبون من أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في مستدركه وقال : صحيح على شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ولم يخرجاه . وكذا روي عن
أنس بن مالك ، وغير واحد من الصحابة والتابعين ، والأئمة من السلف والخلف .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
يحيى بن عبدك القزويني ، حدثنا
محمد - يعني ابن سعيد بن سابق -
[ ص: 425 ] حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16717عمرو - يعني ابن أبي قيس - عن
عاصم ، عن
أبي راشد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير قال :
كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس ، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه ، فلم يجد أحدا يضيفه ، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما ، فقال : يا عبد الله ، ما أدخلك داري بغير إذني ؟ قال : دخلتها بإذن ربها . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت ، أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره أن الله قد اتخذه خليلا . قال : من هو ؟ فوالله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت . قال : ذلك العبد أنت . قال : أنا ؟ قال : نعم . قال : فيم اتخذني الله خليلا ؟ قال : إنك تعطي الناس ولا تسألهم .
وحدثنا أبي ، حدثنا
محمود بن خالد السلمي ، حدثنا
الوليد ، عن
إسحاق بن يسار قال :
لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل ، حتى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير في الهواء . وهكذا جاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .
وقوله : (
ولله ما في السماوات وما في الأرض ) أي : الجميع ملكه وعبيده وخلقه ، وهو المتصرف في جميع ذلك ، لا راد لما قضى ، ولا معقب لما حكم ، ولا يسأل عما يفعل ، لعظمته وقدرته وعدله وحكمته ولطفه ورحمته .
وقوله : ( وكان الله بكل شيء محيطا ) أي : علمه نافذ في جميع ذلك ، لا تخفى عليه خافية من عباده ، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، ولا تخفى عليه ذرة لما تراءى للناظرين وما توارى .