(
ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ( 19 ) )
يقول تعالى مخاطبا أهل الكتاب من
اليهود والنصارى : إنه قد أرسل إليهم رسوله
محمدا خاتم النبيين ، الذي لا نبي بعده ولا رسول بل هو المعقب لجميعهم ; ولهذا قال : (
على فترة من الرسل ) أي : بعد مدة متطاولة ما بين إرساله
وعيسى ابن مريم .
وقد اختلفوا في مقدار هذه الفترة ، كم هي ؟ فقال
أبو عثمان النهدي وقتادة - في رواية عنه - : كانت ستمائة سنة . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
سلمان الفارسي . وعن
قتادة : خمسمائة وستون سنة ، وقال
معمر عن بعض أصحابه : خمسمائة وأربعون سنة . وقال :
الضحاك : أربعمائة وبضع وثلاثون سنة .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في ترجمة
عيسى عليه السلام عن
الشعبي أنه قال : ومن رفع
المسيح إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تسعمائة وثلاث وثلاثون سنة .
والمشهور هو الأول ، وهو أنه ستمائة سنة . ومنهم من يقول : ستمائة وعشرون سنة . ولا منافاة بينهما ، فإن القائل الأول أراد ستمائة سنة شمسية ، والآخر أراد قمرية ، وبين كل مائة سنة شمسية وبين القمرية نحو من ثلاث سنين ; ولهذا قال تعالى في قصة أصحاب الكهف : (
ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ) [ الكهف : 25 ] أي : قمرية ، لتكميل الثلاثمائة الشمسية التي كانت معلومة
لأهل الكتاب . وكانت الفترة بين
عيسى ابن مريم ، آخر أنبياء
بني إسرائيل وبين
محمد [ صلى الله عليه وسلم ] خاتم النبيين من بني
آدم على الإطلاق ، كما ثبت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823648إن أولى الناس بابن مريم لأنه لا نبي بيني وبينه هذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى [ عليه السلام ] نبي ، يقال له :
خالد بن سنان كما حكاه
القضاعي وغيره .
والمقصود أن الله [ تعالى ] بعث
محمدا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ، وطموس من السبل ،
[ ص: 71 ] وتغير الأديان ، وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان ، فكانت النعمة به أتم النعم ، والحاجة إليه أمر عمم ، فإن الفساد كان قد عم جميع البلاد ، والطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد ، إلا قليلا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين ، من بعض أحبار
اليهود وعباد
النصارى والصابئين ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
يحيى بن سعيد ، حدثنا
هشام ، حدثنا
قتادة عن
مطرف عن
عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822415وإن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا : كل مال نحلته عبادي حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ، ثم إن الله ، عز وجل ، نظر إلى أهل الأرض فمقتهم ، عجمهم وعربهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء ، تقرؤه نائما ويقظان ، ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت : يا رب ، إذن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة ، فقال : استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نغزك ، وأنفق عليهم فسننفق عليك ، وابعث جندا نبعث خمسة أمثاله وقاتل بمن أطاعك من عصاك ، وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل عفيف فقير متصدق ، وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زبر له ، الذين هم فيكم تبعا أو تبعاء - شك يحيى - لا يبتغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " ، وذكر البخيل أو الكذب ، " والشنظير : الفاحش " .
ثم رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من غير وجه ، عن
قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن عبد الله بن الشخير . وفي رواية
سعيد عن
قتادة التصريح بسماع
قتادة هذا الحديث من
مطرف . وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده : أن
قتادة لم يسمعه من
مطرف وإنما سمعه من أربعة ، عنه . ثم رواه هو عن
روح عن
عوف عن
حكيم الأثرم عن
الحسن قال : حدثني
مطرف عن
عياض بن حمار فذكره . و [ كذا ] رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث
غندر عن
عوف الأعرابي به .
والمقصود من إيراد هذا الحديث قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824484 " وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم ، عربهم وعجمهم إلا بقايا من بني إسرائيل " . وفي لفظ مسلم : " من أهل الكتاب " . وكان الدين قد التبس على أهل
[ ص: 72 ] الأرض كلهم ، حتى بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم ، فهدى الخلائق ، وأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور ، وتركهم على المحجة البيضاء ، والشريعة الغراء ; ولهذا قال تعالى : (
أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ) أي : لئلا تحتجوا وتقولوا - : يا أيها الذين بدلوا دينهم وغيروه - ما جاءنا من رسول يبشر بالخير وينذر من الشر ، فقد جاءكم بشير ونذير ، يعني
محمدا صلى الله عليه وسلم (
والله على كل شيء قدير )
قال
ابن جرير : معناه : إني قادر على عقاب من عصاني ، وثواب من أطاعني .