(
وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( 20 )
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ( 21 )
قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ( 22 )
قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ( 23 ) )
(
قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ( 24 )
قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ( 25 )
قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ( 26 ) )
يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وكليمه
موسى بن عمران عليه السلام ، فيما ذكر به قومه نعم الله عليهم وآلاءه لديهم ، في جمعه لهم خير الدنيا والآخرة لو استقاموا على طريقتهم المستقيمة ، فقال تعالى : (
وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء ) أي : كلما هلك نبي قام فيكم نبي ، من لدن أبيكم
إبراهيم وإلى من بعده . وكذلك كانوا ، لا يزال فيهم الأنبياء يدعون إلى الله ويحذرون نقمته ، حتى ختموا
بعيسى عليه السلام ، ثم أوحى الله [ تعالى ] إلى خاتم الرسل والأنبياء على الإطلاق
محمد بن عبد الله المنسوب إلى
إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ، وهو أشرف من كل من تقدمه منهم صلى الله عليه وسلم .
وقوله : (
وجعلكم ملوكا ) قال
عبد الرزاق عن
الثوري عن
منصور عن
الحكم أو غيره ، عن
ابن عباس في قوله : (
وجعلكم ملوكا ) قال : الخادم والمرأة والبيت .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في مستدركه ، من حديث
الثوري أيضا ، عن
الأعمش عن
مجاهد عن
ابن عباس [ ص: 73 ] قال : المرأة والخادم (
وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) قال : الذين هم بين ظهرانيهم يومئذ ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران عن
ابن عباس قال : كان الرجل من
بني إسرائيل إذا كان له الزوجة والخادم والدار سمي ملكا .
وقال
ابن جرير : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى أنبأنا
ابن وهب أنبأنا
أبو هانئ ; أنه سمع
أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء
المهاجرين؟ فقال
عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها؟ قال : نعم . قال : ألك مسكن تسكنه؟ قال : نعم . قال : فأنت من الأغنياء . فقال : إن لي خادما . قال فأنت من الملوك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : هل الملك إلا مركب وخادم ودار ؟
رواه
ابن جرير . ثم روي عن
منصور والحكم ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري نحوا من هذا . وحكاه
ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران .
وقال
ابن شوذب : كان الرجل من
بني إسرائيل إذا كان له منزل وخادم ، واستؤذن عليه ، فهو ملك .
وقال
قتادة : كانوا أول من ملك الخدم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله : (
وجعلكم ملوكا ) قال : يملك الرجل منكم نفسه وأهله وماله . رواه
ابن أبي حاتم .
وقال
ابن أبي حاتم : ذكر عن
ابن لهيعة عن
دراج عن
أبي الهيثم عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة ، كتب ملكا " .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه .
وقال
ابن جرير : حدثنا
الزبير بن بكار حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12049أبو ضمرة أنس بن عياض [ قال ] سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم يقول : (
وجعلكم ملوكا ) فلا أعلم إلا أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
من كان له بيت وخادم فهو ملك " .
وهذا مرسل غريب . وقال
مالك : بيت وخادم وزوجة .
[ ص: 74 ]
وقد ورد في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500947من أصبح منكم معافى في جسده ، آمنا في سربه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " .
وقوله : (
وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) يعني عالمي زمانكم ، فكأنهم كانوا أشرف الناس في زمانهم ، من
اليونان والقبط وسائر أصناف بني
آدم كما قال : (
ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين ) [ الجاثية : 16 ] وقال تعالى إخبارا عن
موسى لما قالوا : (
اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون . إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون . قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين ) [ الأعراف : 138 - 140 ]
والمقصود : أنهم كانوا أفضل أهل زمانهم ، وإلا فهذه الأمة أشرف منهم ، وأفضل عند الله ، وأكمل شريعة ، وأقوم منهاجا ، وأكرم نبيا ، وأعظم ملكا ، وأغزر أرزاقا ، وأكثر أموالا وأولادا ، وأوسع مملكة ، وأدوم عزا ، قال الله [ عز وجل ] (
كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ آل عمران : 110 ] وقال (
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) [ البقرة : 143 ] وقد ذكرنا الأحاديث المتواترة في فضل هذه الأمة وشرفها وكرمها عند الله ، عند قوله عز وجل : (
كنتم خير أمة أخرجت للناس ) من سورة آل عمران .
وروى
ابن جرير عن
ابن عباس وأبي مالك nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير أنهم قالوا في قوله : (
وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) يعني : أمة
محمد صلى الله عليه وسلم ، وكأنهم أرادوا أن هذا الخطاب في قوله : (
وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) مع هذه الأمة . والجمهور على أنه خطاب من
موسى لقومه وهو محمول على عالمي زمانهم كما قدمنا .
وقيل : المراد : (
وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) يعني بذلك : ما كان تعالى نزله عليهم من المن والسلوى ، وتظللهم من الغمام وغير ذلك ، مما كان تعالى يخصهم به من خوارق العادات ، فالله أعلم .
ثم قال تعالى مخبرا عن
تحريض موسى عليه السلام لبني إسرائيل على الجهاد والدخول إلى
بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم
يعقوب لما ارتحل هو وبنوه وأهله إلى بلاد
مصر أيام
يوسف عليه السلام ، ثم لم يزالوا بها حتى خرجوا مع
موسى [ عليه السلام ] فوجدوا فيها قوما من
العمالقة الجبارين قد استحوذوا عليها وتملكوها ، فأمرهم رسول الله
موسى عليه السلام ، بالدخول
[ ص: 75 ] إليها ، وبقتال أعدائهم ، وبشرهم بالنصرة والظفر عليهم ، فنكلوا وعصوا وخالفوا أمره ، فعوقبوا بالذهاب في التيه والتمادي في سيرهم حائرين ، لا يدرون كيف يتوجهون فيه إلى مقصد ، مدة أربعين سنة ، عقوبة لهم على تفريطهم في أمر الله [ تعالى ] فقال تعالى مخبرا عن
موسى أنه قال : (
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة ) أي : المطهرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
الأعمش عن
مجاهد عن
ابن عباس في قوله : (
ادخلوا الأرض المقدسة ) قال : هي
الطور وما حوله . وكذا قال
مجاهد وغير واحد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
أبي سعيد البقال عن
عكرمة عن
ابن عباس قال : هي
أريحا . وكذا ذكر غير واحد من المفسرين .
وفي هذا نظر ; لأن
أريحا ليست هي المقصود بالفتح ، ولا كانت في طريقهم إلى
بيت المقدس وقد قدموا من بلاد
مصر حين أهلك الله عدوهم
فرعون [ اللهم ] إلا أن يكون المراد
بأريحا أرض
بيت المقدس كما قاله -
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي فيما رواه
ابن جرير عنه - لا أن المراد بها هذه البلدة المعروفة في طرف
الغور شرقي
بيت المقدس .
وقوله تعالى : (
التي كتب الله لكم ) أي : التي وعدكموها الله على لسان أبيكم
إسرائيل : أنه وراثة من آمن منكم . (
ولا ترتدوا على أدباركم ) أي : ولا تنكلوا عن الجهاد (
فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) أي : اعتذروا بأن في هذه البلدة - التي أمرتنا بدخولها وقتال أهلها - قوما جبارين ، أي : ذوي خلق هائلة ، وقوى شديدة ، وإنا لا نقدر على مقاومتهم ولا مصاولتهم ، ولا يمكننا الدخول إليها ما داموا فيها ، فإن يخرجوا منها دخلناها وإلا فلا طاقة لنا بهم .
وقد قال
ابن جرير : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14316عبد الكريم بن الهيثم حدثنا
إبراهيم بن بشار حدثنا
سفيان قال : قال
أبو سعيد قال
عكرمة عن
ابن عباس قال : أمر
موسى أن يدخل
مدينة الجبارين . قال : فسار
موسى بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة - وهي
أريحا - فبعث إليهم اثني عشر عينا ، من كل سبط منهم عين ، ليأتوه بخبر القوم . قال : فدخلوا المدينة فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجثثهم وعظمهم ، فدخلوا حائطا لبعضهم ، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه ، فجعل يجتني الثمار . وينظر إلى آثارهم ، فتتبعهم فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة ، حتى التقط الاثني عشر كلهم ، فجعلهم في كمه مع الفاكهة ، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال لهم الملك : قد رأيتم شأننا وأمرنا ، فاذهبوا فأخبروا صاحبكم . قال : فرجعوا إلى
موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم .
[ ص: 76 ]
وفي هذا الإسناد نظر .
وقال
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس : لما نزل
موسى وقومه ، بعث منهم اثني عشر رجلا - وهم النقباء الذين ذكر الله ، فبعثهم ليأتوه بخبرهم ، فساروا ، فلقيهم رجل من الجبارين ، فجعلهم في كسائه ، فحملهم حتى أتى بهم المدينة ، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه ، فقالوا : من أنتم؟ قالوا : نحن قوم
موسى ، بعثنا نأتيه بخبركم . فأعطوهم حبة من عنب تكفي الرجل ، فقالوا لهم : اذهبوا إلى
موسى وقومه فقولوا لهم : اقدروا قدر فاكهتهم فلما أتوهم قالوا : يا
موسى (
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون )
رواه
ابن أبي حاتم ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا
ابن أبي مريم حدثنا
يحيى بن أيوب عن
يزيد بن الهاد حدثني
يحيى بن عبد الرحمن قال : رأيت
أنس بن مالك أخذ عصا ، فذرع فيها بشيء ، لا أدري كم ذرع ، ثم قاس بها في الأرض خمسين أو خمسا وخمسين ، ثم قال : هكذا طول العماليق .
وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا أخبارا من وضع
بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين ، وأنه كان فيهم
عوج بن عنق بنت
آدم عليه السلام ، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع ، تحرير الحساب ! وهذا شيء يستحى من ذكره . ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823649 " إن الله [ تعالى ] خلق آدم وطوله ستون ذراعا ، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن " .
ثم قد ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا ، وأنه كان ولد زنية ، وأنه امتنع من ركوب السفينة ، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته وهذا كذب وافتراء ، فإن الله ذكر أن
نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين ، فقال (
رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) [ نوح : 26 ] وقال تعالى : (
فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين ) [ الشعراء : 119 - 120 ] وقال تعالى : [ قال ] (
لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) [ هود : 43 ] وإذا كان
ابن نوح الكافر غرق ، فكيف يبقى
عوج بن عنق وهو كافر وولد زنية؟! هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع . ثم في وجود رجل يقال له : "
عوج بن عنق " نظر ، والله أعلم .
وقوله : (
قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ) أي : فلما نكل
بنو إسرائيل عن طاعة الله ومتابعة رسول الله
موسى عليه السلام ، حرضهم رجلان لله عليهما نعمة عظيمة ، وهما ممن يخاف أمر الله ويخشى عقابه .
[ ص: 77 ]
وقرأ بعضهم : (
قال رجلان من الذين يخافون ) أي : ممن لهم مهابة وموضع من الناس . ويقال : إنهما
" يوشع بن نون " و "
كالب بن يوفنا " ، قاله
ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس وغير واحد من السلف ، والخلف ، رحمهم الله ، فقالا (
ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) أي : متى توكلتم على الله واتبعتم أمره ، ووافقتم رسوله ، نصركم الله على أعدائكم وأيدكم وظفركم بهم ، ودخلتم البلدة التي كتبها الله لكم . فلم ينفع ذاك فيهم شيئا . (
قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) وهذا نكول منهم عن الجهاد ، ومخالفة لرسولهم وتخلف عن مقاتلة الأعداء .
ويقال : إنهم لما نكلوا على الجهاد وعزموا على الانصراف والرجوع إلى بلادهم ، سجد
موسى وهارون ، عليهما السلام ، قدام ملأ من
بني إسرائيل إعظاما لما هموا به ، وشق "
يوشع بن نون " و "
كالب بن يوفنا " ثيابهما ، ولاما قومهما على ذلك ، فيقال : إنهم رجموهما . وجرى أمر عظيم وخطر جليل .
وما أحسن
ما أجاب به الصحابة ، رضي الله عنهم يوم بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشارهم في قتال النفير ، الذين جاءوا لمنع العير الذي كان مع
أبي سفيان فلما فات اقتناص العير ، واقترب منهم النفير ، وهم في جمع ما بين التسعمائة إلى الألف ، في العدة والبيض واليلب ، فتكلم
أبو بكر رضي الله عنه ، فأحسن ، ثم تكلم من تكلم من الصحابة من
المهاجرين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823650أشيروا علي أيها المسلمون " . وما يقول ذلك إلا ليستعلم ما عند
الأنصار لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذ . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ [ رضي الله عنه ] كأنك تعرض بنا يا رسول الله ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، وما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول
سعد ونشطه ذلك .
وقال
أبو بكر بن مردويه : حدثنا
علي بن الحسين حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم الرازي حدثنا
محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا
حميد عن
أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى
بدر استشار المسلمين ، فأشار إليه
عمر ثم استشارهم فقالت
الأنصار : يا معشر
الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : إذا لا نقول له كما قالت
بنو إسرائيل لموسى : (
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى
برك الغماد لاتبعناك .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
عبيدة بن حميد الطويل عن
أنس به . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى عن
خالد بن الحارث عن
حميد به ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان عن
أبي يعلى [ ص: 78 ] عن
عبد الأعلى بن حماد عن
معمر بن سليمان عن
حميد به .
وقال
ابن مردويه : أخبرنا
عبد الله بن جعفر أخبرنا
إسماعيل بن عبد الله حدثنا
عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا
محمد بن شعيب عن
الحسن بن أيوب عن
عبد الله بن ناسخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=240عتبة بن عبد السلمي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823651قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " ألا تقاتلون؟ " قالوا : نعم ، ولا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .
وكان ممن أجاب يومئذ
المقداد بن عمرو الكندي رضي الله عنه ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع حدثنا
سفيان عن
مخارق بن عبد الله الأحمسي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق - هو ابن شهاب - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823652أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : يا رسول الله ، إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .
هكذا رواه
أحمد من هذا الوجه ، وقد رواه من طريق أخرى فقال :
حدثنا
أسود بن عامر حدثنا
إسرائيل عن
مخارق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب قال : قال
عبد الله - هو ابن مسعود - رضي الله عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823653لقد شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عدل به : أتى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو يدعو على المشركين ، فقال : والله يا رسول الله ، لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ، ومن بين يديك ومن خلفك . فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك ، وسره بذلك .
وهكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " في المغازي " وفي " التفسير " من طرق عن
مخارق به . ولفظه في " كتاب التفسير " عن
عبد الله قال : قال
المقداد يوم
بدر : يا رسول الله ، إنا لا نقول لك كما قالت
بنو إسرائيل لموسى : (
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ولكن [ نقول ] امض ونحن معك فكأنه سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
سفيان عن
مخارق عن
طارق أن
المقداد قال للنبي صلى الله عليه وسلم .
وقال
ابن جرير : حدثنا
بشر حدثنا
يزيد حدثنا
سعيد عن
قتادة قال : ذكر لنا
nindex.php?page=hadith&LINKID=825054أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم الحديبية حين صد المشركون الهدي وحيل بينهم وبين مناسكهم : " إني ذاهب [ ص: 79 ] بالهدي فناحره عند البيت " . فقال له
المقداد بن الأسود : أما والله لا نكون كالملأ من
بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم : (
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون . فلما سمعها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تتابعوا على ذلك .
وهذا إن كان محفوظا يوم
الحديبية ، فيحتمل أنه كرر هذه المقالة يومئذ كما قاله يوم
بدر .
وقوله : (
قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) يعني : لما نكل
بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم
موسى عليه السلام ، وقال داعيا عليهم : (
رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ) أي : ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ، ويجيب إلى ما دعوت إليه إلا أنا وأخي
هارون (
فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) قال
العوفي عن
ابن عباس : يعني اقض بيني وبينهم . وكذا قال
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس .
وكذا قال
الضحاك : اقض بيننا وبينهم ، وافتح بيننا وبينهم ، وقال غيره : افرق : افصل بيننا وبينهم ، كما قال الشاعر :
يا رب فافرق بينه وبيني أشد ما فرقت بين اثنين
وقوله تعالى : (
[ قال ] فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض [ فلا تأس على القوم الفاسقين ] ) لما دعا عليهم
موسى عليه السلام ، حين نكلوا عن الجهاد حكم الله عليهم بتحريم دخولها قدرا مدة أربعين سنة ، فوقعوا في
التيه يسيرون دائما لا يهتدون للخروج منه ، وفيه كانت أمور عجيبة ، وخوارق كثيرة ، من تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم ، ومن إخراج الماء الجاري من صخرة صماء تحمل معهم على دابة ، فإذا ضربها
موسى بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة عينا تجري لكل شعب عين ، وغير ذلك من المعجزات التي أيد الله بها
موسى بن عمران . وهناك أنزلت التوراة ، وشرعت لهم الأحكام ، وعملت قبة العهد ، ويقال لها : قبة الزمان .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون عن
أصبغ بن زيد عن
القاسم بن أبي أيوب عن
سعيد بن جبير : سألت
ابن عباس عن قوله : (
فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ) الآية . قال : فتاهوا في الأرض أربعين سنة ، يصبحون كل يوم يسيرون ليس لهم قرار ، ثم ظلل عليهم الغمام في
التيه وأنزل عليهم المن والسلوى وهذا قطعة من حديث " الفتون " ، ثم كانت وفاة
هارون ، عليه السلام ، ثم بعده بمدة ثلاثة سنين مات
موسى الكليم ، عليه السلام ، وأقام الله فيهم "
يوشع بن نون " عليه السلام ، نبيا خليفة عن
موسى بن عمران ، ومات أكثر
بني إسرائيل هناك في تلك المدة ، ويقال : إنه لم يبق منهم أحد سوى "
يوشع " و "
كالب " ، ومن هاهنا قال بعض المفسرين في قوله : (
قال فإنها محرمة عليهم ) هذا وقف تام ، وقوله : (
أربعين سنة ) منصوب بقوله : (
يتيهون في الأرض ) فلما انقضت
[ ص: 80 ] المدة خرج بهم "
يوشع بن نون " عليه السلام ، أو بمن بقي منهم وبسائر
بني إسرائيل من الجيل الثاني ، فقصد بهم
بيت المقدس فحاصرها ، فكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر ، فلما تضيفت الشمس للغروب ، وخشي دخول السبت عليهم قال " إنك مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علي " ، فحبسها الله تعالى حتى فتحها ، وأمر الله "
يوشع بن نون " أن يأمر
بني إسرائيل حين يدخلون
بيت المقدس أن يدخلوا بابها سجدا ، وهم يقولون : حطة ، أي : حط عنا ذنوبنا ، فبدلوا ما أمروا به ، فدخلوا يزحفون على أستاههم ، وهم يقولون : حبة في شعرة ، وقد تقدم هذا كله في سورة البقرة .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
محمد بن أبي عمر العدني حدثنا
سفيان عن
أبي سعيد عن
عكرمة عن
ابن عباس قوله : (
فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ) قال : فتاهوا أربعين سنة ، فهلك
موسى وهارون في التيه وكل من جاوز الأربعين سنة ، فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم "
يوشع بن نون " ، وهو الذي قام بالأمر بعد
موسى وهو الذي افتتحها ، وهو الذي قيل له : " اليوم يوم الجمعة " فهموا بافتتاحها ، ودنت الشمس للغروب ، فخشي إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا ، فنادى الشمس : " إني مأمور وإنك مأمورة " فوقفت حتى افتتحها ، فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط ، فقربوه إلى النار فلم تأت فقال : فيكم الغلول ، فدعا رءوس
الأسباط وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم ، والتصقت يد رجل منهم بيده ، فقال : الغلول عندك ، فأخرجه فأخرج رأس بقرة من ذهب ، لها عينان من ياقوت ، وأسنان من لؤلؤ ، فوضعه مع القربان ، فأتت النار فأكلتها .
وهذا السياق له شاهد في الصحيح . وقد اختار
ابن جرير أن قوله : (
فإنها محرمة عليهم ) هو العامل في " أربعين سنة " ، وأنهم مكثوا لا يدخلونها أربعين سنة ، وهم تائهون في البرية لا يهتدون لمقصد . قال : ثم خرجوا مع
موسى عليه السلام ، ففتح بهم
بيت المقدس . ثم احتج على ذلك قال : بإجماع علماء أخبار الأولين أن
عوج بن عنق " قتله
موسى عليه السلام ، قال : فلو كان قتله إياه قبل
التيه لما رهبت
بنو إسرائيل من
العماليق فدل على أنه كان بعد
التيه . قال : وأجمعوا على أن "
بلعام بن باعورا " أعان الجبارين بالدعاء على
موسى قال : وما ذاك إلا بعد
التيه لأنهم كانوا قبل التيه لا يخافون من
موسى وقومه ، هذا استدلاله ، ثم قال :
حدثنا
أبو كريب حدثنا
ابن عطية حدثنا
قيس عن
أبي إسحاق عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال : كانت عصا
موسى عشرة أذرع ، ووثبته عشرة أذرع ، وطوله عشرة أذرع ، فوثب فأصاب كعب "
عوج " فقتله ، فكان جسرا لأهل
النيل سنة .
وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار حدثنا
مؤمل حدثنا
سفيان عن
أبي إسحاق عن
نوف البكالي قال : كان سرير "
عوج " ثمانمائة ذراع ، وكان طول
موسى عشرة أذرع ، وعصاه عشرة أذرع ،
[ ص: 81 ] ووثب في السماء عشرة أذرع ، فضرب "
عوجا " فأصاب كعبه ، فسقط ميتا ، وكان جسرا للناس يمرون عليه .
وقوله تعالى : (
فلا تأس على القوم الفاسقين ) تسلية
لموسى عليه السلام ، عنهم ، أي : لا تتأسف ولا تحزن عليهم فمهما حكمت عليهم به فإنهم يستحقون ذلك .
وهذه القصة تضمنت تقريع
اليهود وبيان فضائحهم ، ومخالفتهم لله ولرسوله ونكولهم عن طاعتهما ، فيما أمرهم به من الجهاد ، فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ، ومقاتلتهم ، مع أن بين أظهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان ، وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم ، هذا وقد شاهدوا ما أحل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليم ، وهم ينظرون لتقر به أعينهم وما بالعهد من قدم ، ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار
مصر لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم ، فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام ، وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ، ولا يسترها الذيل ، هذا وهم في جهلهم يعمهون ، وفي غيهم يترددون ، وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه ، ويقولون مع ذلك : (
نحن أبناء الله وأحباؤه ) [ المائدة : 18 ] فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود ، وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود ، ويقضي لهم فيها بتأبيد الخلود ، وقد فعل وله الحمد من جميع الوجود .