(
وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ( 46 )
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ( 47 ) )
يقول تعالى : " وقفينا " أي : أتبعنا (
على آثارهم ) يعني : أنبياء
بني إسرائيل [ عليه السلام ] (
بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة ) أي : مؤمنا بها حاكما بما فيها (
وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) أي : هدى إلى الحق ، ونور يستضاء به في إزالة الشبهات وحل المشكلات . (
ومصدقا لما بين يديه من التوراة ) أي : متبعا لها ، غير مخالف لما فيها ، إلا في القليل مما بين
لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه ، كما قال تعالى إخبارا عن
المسيح أنه قال
لبني إسرائيل : (
ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) [ آل عمران : 50 ] ; ولهذا كان المشهور من قولي العلماء أن الإنجيل نسخ بعض أحكام التوراة .
وقوله : (
وهدى وموعظة للمتقين ) أي : وجعلنا الإنجيل ) هدى ) يهتدى به ، (
وموعظة ) أي : وزاجرا عن ارتكاب المحارم والمآثم (
للمتقين ) أي : لمن اتقى الله وخاف وعيده وعقابه .
وقوله : (
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) قرئ (
وليحكم ) بالنصب على أن اللام لام كي ، أي : وآتيناه الإنجيل [ فيه هدى ونور ] ليحكم أهل ملته به في زمانهم . وقرئ : (
وليحكم ) بالجزم ؛ اللام لام الأمر ، أي : ليؤمنوا بجميع ما فيه ، وليقيموا ما أمروا به فيه ، ومما فيه البشارة ببعثة
محمد [ صلى الله عليه وسلم ] والأمر باتباعه وتصديقه إذا وجد ، كما قال تعالى : (
قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) الآية [ المائدة : 68 ] وقال تعالى : (
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة [ والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم ] المفلحون ) [ الأعراف : 157 ] ;
[ ص: 127 ] ولهذا قال هاهنا : (
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) أي : الخارجون عن طاعة ربهم ، المائلون إلى الباطل ، التاركون للحق . وقد تقدم أن هذه الآية نزلت في
النصارى وهو ظاهر السياق .