[ ص: 166 ] (
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ( 82 ) )
(
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ( 83 )
وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ( 84 )
فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ( 85 )
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( 86 ) )
قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : نزلت هذه الآيات في
النجاشي وأصحابه ، الذين حين تلا عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب بالحبشة القرآن بكوا حتى أخضلوا لحاهم . وهذا القول فيه نظر ; لأن هذه الآية مدنية ، وقصة
جعفر مع
النجاشي قبل الهجرة .
وقال
سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وغيرهما : نزلت في وفد بعثهم
النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوا كلامه ، ويروا صفاته ، فلما قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا ، ثم رجعوا إلى
النجاشي فأخبروه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : فهاجر
النجاشي فمات في الطريق .
وهذا من إفراد
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي فإن
النجاشي مات وهو ملك
الحبشة وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات ، وأخبر به أصحابه ، وأخبر أنه مات بأرض
الحبشة .
ثم اختلف في عدة هذا الوفد ، فقيل : اثنا عشر ، سبعة قساوسة وخمسة رهابين . وقيل بالعكس . وقيل : خمسون . وقيل : بضع وستون . وقيل : سبعون رجلا . فالله أعلم .
وقال
عطاء بن أبي رباح : هم قوم من أهل
الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة
الحبشة من المسلمين ، وقال
قتادة : هم قوم كانوا على دين
عيسى ابن مريم فلما رأوا المسلمين وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا . واختار
ابن جرير أن هذه [ الآية ] نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة ، سواء أكانوا من الحبشة أو غيرها .
فقوله [ تعالى ] (
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) ما ذاك إلا لأن
كفر اليهود عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم . ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وسحروه ، وألبوا عليه أشباههم من المشركين - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
وقال
الحافظ أبو بكر بن مردويه عند تفسير هذه الآية : حدثنا
أحمد بن محمد بن السري : حدثنا
محمد بن علي بن حبيب الرقي ، حدثنا
سعيد العلاف بن العلاف ، حدثنا
أبو النضر ، عن
الأشجعي ، عن
سفيان ، عن
يحيى بن عبد الله عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما خلا يهودي قط بمسلم إلا هم بقتله " .
ثم رواه عن
محمد بن أحمد بن إسحاق اليشكري ، حدثنا
أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي ، حدثنا
فرج بن عبيد ، حدثنا
عباد بن العوام ، عن
يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما خلا يهودي بمسلم إلا حدثت نفسه بقتله " . وهذا حديث غريب جدا .
[ ص: 167 ]
وقوله : (
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) أي : الذين زعموا أنهم
نصارى من أتباع
المسيح وعلى منهاج إنجيله ، فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة ، وما ذاك إلا لما في قلوبهم ، إذ كانوا على دين
المسيح من الرقة والرأفة ، كما قال تعالى : (
وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ) [ الحديد : 27 ] وفي كتابهم : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر . وليس القتال مشروعا في ملتهم ; ولهذا قال تعالى : (
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ) أي : يوجد فيهم القسيسون - وهم خطباؤهم وعلماؤهم ، واحدهم : قسيس وقس أيضا ، وقد يجمع على قسوس - والرهبان : جمع راهب ، وهو : العابد . مشتق من الرهبة ، وهي الخوف ؛ كراكب وركبان ، وفارس وفرسان .
وقال
ابن جرير : وقد يكون الرهبان واحدا وجمعه رهابين ، مثل قربان وقرابين ، وجردان وجرادين وقد يجمع على رهابنة . ومن الدليل على أنه يكون عند العرب واحدا قول الشاعر :
لو عاينت رهبان دير في القلل لانحدر الرهبان يمشي ونزل
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا
بشر بن آدم ، حدثنا
نصير بن أبي الأشعث حدثني
الصلت الدهان عن
حامية بن رئاب قال : سألت
سلمان عن قول الله [ عز وجل ] : (
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ) فقال : دع " القسيسين " في البيع والخرب ، أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا " .
وكذا رواه
ابن مردويه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17319يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن
نصير بن زياد الطائي ، عن
صلت الدهان ، عن
حامية بن رئاب ، عن
سلمان به .
وقال
ابن أبي حاتم : ذكره أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17319يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا
نصير بن زياد الطائي ، حدثنا
صلت الدهان عن
حامية بن رئاب قال : سمعت
سلمان وسئل عن قوله : (
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ) قال : هم الرهبان الذين هم في الصوامع والخرب ، فدعوهم فيها ، قال
سلمان : وقرأت على النبي صلى الله عليه وسلم (
ذلك بأن منهم قسيسين [ ورهبانا ] ) فأقرأني : " ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا " .
[ ص: 168 ]
فقوله : (
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ) تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع ، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف ، فقال : (
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) أي : مما عندهم من البشارة ببعثة
محمد صلى الله عليه وسلم (
يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) أي : مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، عن
عمرو بن علي الفلاس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16681عمر بن علي بن مقدم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه ، عن
عبد الله بن الزبير [ رضي الله عنهما ] قال : نزلت هذه الآية في
النجاشي وفي أصحابه : (
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين )
وقال الطبراني : حدثنا
أبو شبيل عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا أبي ، حدثنا
العباس بن الفضل ، عن
عبد الجبار بن نافع الضبي ، عن
قتادة وجعفر بن إياس ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس في قول الله : (
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ) قال : إنهم كانوا كرابين - يعني : فلاحين - قدموا مع
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب من
الحبشة فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن آمنوا وفاضت أعينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824498 " ولعلكم إذا رجعتم إلى أرضكم انتقلتم إلى دينكم " . فقالوا : لن ننتقل عن ديننا . فأنزل الله ذلك من قولهم .
وروى
ابن أبي حاتم :
وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في مستدركه ، من طريق
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : (
فاكتبنا مع الشاهدين ) أي : مع
محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته هم الشاهدون ، يشهدون لنبيهم أنه قد بلغ ، وللرسل أنهم قد بلغوا . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
(
وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ) وهذا الصنف من
النصارى هم المذكورون في قوله [ عز وجل ] (
وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله [ لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ] ) الآية [ آل عمران : 199 ] ، وهم الذين قال الله فيهم : (
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم ] ) إلى قوله (
لا نبتغي الجاهلين ) [ القصص : 52 - 55 ]
[ ص: 169 ]
ولهذا قال تعالى ههنا : (
فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي : فجازاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق (
جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) أي : ساكنين فيها أبدا ، لا يحولون ولا يزولون (
وذلك جزاء المحسنين ) أي : في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان ، وأين كان ، ومع من كان .
ثم أخبر عن حال الأشقياء فقال : (
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ) أي : جحدوا بها وخالفوها (
أولئك أصحاب الجحيم ) أي : هم أهلها والداخلون إليها .