(
ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ( 27 ) ) (
بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ( 28 )
وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ( 29 )
ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( 30 ) )
يذكر تعالى
حال الكفار إذا وقفوا يوم القيامة على النار ، وشاهدوا ما فيها من السلاسل والأغلال ، ورأوا بأعينهم تلك الأمور العظام والأهوال ، فعند ذلك قالوا (
يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) يتمنون أن يردوا إلى الدار الدنيا ، ليعملوا عملا صالحا ، ولا يكذبوا بآيات ربهم ويكونوا من المؤمنين .
قال تعالى : (
بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ) أي : بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا يخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة ، وإن أنكروها ، في الدنيا أو في الآخرة ، كما قال قبل هذا بيسير (
ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم )
ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءت به الرسل في الدنيا ، وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه ، كما قال تعالى مخبرا عن
موسى أنه قال
لفرعون : (
لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ) الآية [ الإسراء : 102 ] . قال تعالى مخبرا عن
فرعون وقومه : (
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) [ النمل : 14 ] .
ويحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المنافقين الذين كانوا يظهرون للناس الإيمان ويبطنون الكفر ، ويكون هذا إخبارا عما يكون يوم القيامة من كلام طائفة من الكفار ، ولا ينافي هذا كون هذه [ السورة ] مكية ، والنفاق إنما كان من بعض
أهل المدينة ومن حولها من الأعراب ، فقد ذكر الله وقوع النفاق في سورة مكية وهي العنكبوت ، فقال : (
وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ) [ العنكبوت : 11 ] ; وعلى هذا فيكون إخبارا عن
حال المنافقين في الدار الآخرة ، حين يعاينون العذاب يظهر لهم حينئذ
[ ص: 249 ] غب ما كانوا يبطنون من الكفر والشقاق والنفاق ، والله أعلم .
وأما معنى الإضراب في قوله : (
بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ) فهم ما طلبوا العود إلى الدنيا رغبة ومحبة في الإيمان ، بل خوفا من العذاب الذي عاينوه جزاء ما كانوا عليه من الكفر ، فسألوا الرجعة إلى الدنيا ليتخلصوا مما شاهدوا من النار ; ولهذا قال : (
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) أي : في تمنيهم الرجعة رغبة ومحبة في الإيمان .
ثم قال مخبرا عنهم : إنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا ، لعادوا لما نهوا عنه [ من الكفر والمخالفة ] (
وإنهم لكاذبون ) أي : في قولهم : (
يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) (
وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ) أي : لعادوا لما نهوا عنه ، إنهم لكاذبون ولقالوا : (
إن هي إلا حياتنا ) أي : ما هي إلا هذه الحياة الدنيا ، ثم لا معاد بعدها ; ولهذا قال : (
وما نحن بمبعوثين )
ثم قال (
ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ) أي : أوقفوا بين يديه قال : (
أليس هذا بالحق ) أي : أليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون؟ (
قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) أي : بما كنتم تكذبون به ، فذوقوا اليوم مسه (
أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ) [ الطور : 15 ]