مالك يوم الدين ( 4 )
قرأ بعض القراء : ملك يوم الدين وقرأ آخرون : مالك . وكلاهما صحيح متواتر في السبع .
[ ويقال : مليك أيضا ، وأشبع
نافع كسرة الكاف فقرأ : ملكي يوم الدين وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى ، وكلاهما صحيحة حسنة ، ورجح
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري " ملك " ؛ لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله : (
لمن الملك اليوم وقوله : (
قوله الحق وله الملك وحكي عن
أبي حنيفة أنه قرأ ملك يوم الدين على أنه فعل وفاعل ومفعول ، وهذا شاذ غريب جدا ] . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=11939أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئا غريبا حيث قال : حدثنا
أبو عبد الرحمن الأذرمي ، حدثنا
عبد الوهاب عن
عدي بن الفضل ، عن
أبي المطرف ، عن
ابن شهاب : أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه
يزيد بن معاوية كانوا يقرءون : (
مالك يوم الدين وأول من أحدث ملك
مروان . قلت :
مروان عنده علم بصحة ما قرأه ، لم يطلع عليه
ابن شهاب ، والله أعلم .
وقد روي من طرق متعددة أوردها
ابن مردويه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها : (
مالك يوم الدين ومالك مأخوذ من الملك ، كما قال : (
إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) [ مريم : 40 ] وقال : (
قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) [ الناس : 1 ، 2 ] وملك : مأخوذ من الملك كما قال تعالى : (
لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [ غافر : 16 ] وقال : (
قوله الحق وله الملك ) [ الأنعام : 73 ] وقال : (
الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) [ الفرقان : 26 ] .
[ ص: 134 ]
وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين ، وذلك عام في الدنيا والآخرة ، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئا ، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه ، كما قال : (
يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ] وقال تعالى : (
وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) [ طه : 108 ] ، وقال : (
يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 105 ] .
وقال
الضحاك عن
ابن عباس : (
مالك يوم الدين يقول : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما ، كملكهم في الدنيا . قال : ويوم الدين يوم الحساب للخلائق ، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، إلا من عفا عنه . وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف ، وهو ظاهر .
وحكى
ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى تفسير
مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ، ثم شرع يضعفه .
والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم ، وأن كلا من القائلين بهذا وبما قبله يعترف بصحة القول الآخر ، ولا ينكره ، ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا ، كما قال : (
الملك يومئذ الحق للرحمن ) [ الفرقان : 26 ] والقول الثاني يشبه قوله : (
ويوم يقول كن فيكون ، [ الأنعام : 73 ] والله أعلم .
والملك في الحقيقة هو الله عز وجل ؛ قال الله تعالى : (
هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820213أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله ، وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500732يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ وفي القرآن العظيم : (
لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى : (
إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ،
وكان وراءهم ملك إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وفي الصحيحين : ( مثل الملوك على الأسرة ) .
والدين الجزاء والحساب ؛ كما قال تعالى : (
يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ، وقال : (
أئنا لمدينون أي مجزيون محاسبون ، وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500733الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت أي حاسب نفسه لنفسه ؛ كما قال
عمر رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم : (
يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .