[ ص: 140 ] (
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( 7 ) )
قد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد : (
اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخرها أن الله يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500741هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . وقوله : (
صراط الذين أنعمت عليهم ) مفسر للصراط المستقيم . وهو بدل منه عند النحاة ، ويجوز أن يكون عطف بيان ، والله أعلم .
و
الذين أنعمت عليهم ) هم المذكورون في سورة النساء ، حيث قال : (
ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) [ النساء : 69 ، 70 ] .
وقال
الضحاك ، عن
ابن عباس : صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك ، من ملائكتك ، وأنبيائك ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ؛ وذلك نظير ما قال ربنا تعالى : (
ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ) الآية [ النساء : 69 ] .
وقال
أبو جعفر ، عن
الربيع بن أنس : (
صراط الذين أنعمت عليهم ) قال : هم النبيون . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
ابن عباس : هم المؤمنون . وكذا قال
مجاهد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع : هم المسلمون . وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه . والتفسير المتقدم ، عن
ابن عباس أعم ، وأشمل ، والله أعلم .
وقوله تعالى : (
غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ قرأ الجمهور : غير بالجر على النعت ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقرئ بالنصب على الحال ، وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب ، ورويت عن
ابن كثير ، وذو الحال الضمير في ( عليهم ) والعامل : ( أنعمت ) والمعنى ] اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم ، وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله ، وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره ، غير صراط المغضوب عليهم ، [ وهم ] الذين فسدت إرادتهم ، فعلموا الحق وعدلوا عنه ، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق ، وأكد الكلام ب " لا " ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين ، وهما طريقتا
اليهود والنصارى .
وقد زعم بعض النحاة أن ( غير ) هاهنا استثنائية ، فيكون على هذا منقطعا لاستثنائهم من المنعم عليهم وليسوا منهم ، وما أوردناه أولى ، لقول الشاعر : كأنك من جمال بني أقيش يقعقع عند رجليه بشن
أي : كأنك جمل من جمال بني أقيش ، فحذف الموصوف واكتفى بالصفة ، وهكذا ،
غير المغضوب عليهم )
[ ص: 141 ] أي : غير صراط المغضوب عليهم .
اكتفى بالمضاف إليه عن ذكر المضاف ، وقد دل عليه سياق الكلام ، وهو قوله تعالى : (
اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ) ثم قال تعالى : (
غير المغضوب عليهم ) ومنهم من زعم أن ( لا ) في قوله : (
ولا الضالين ) زائدة ، وأن تقدير الكلام عنده : غير المغضوب عليهم والضالين ، واستشهد ببيت
العجاج :
في بئر لا حور سرى وما شعر
أي في بئر حور . والصحيح ما قدمناه . ولهذا روى
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " فضائل القرآن " ، عن
أبي معاوية ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
الأسود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : أنه كان يقرأ : غير المغضوب عليهم وغير الضالين . وهذا إسناد صحيح ، [ وكذا حكي عن
أبي بن كعب أنه قرأ كذلك ] وهو محمول على أنه صدر منه على وجه التفسير ، فيدل على ما قلناه من أنه إنما جيء بها لتأكيد النفي ، [ لئلا يتوهم أنه معطوف على
الذين أنعمت عليهم ) ] ، وللفرق بين الطريقتين ، لتجتنب كل منهما ؛ فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به ،
واليهود فقدوا العمل ،
والنصارى فقدوا العلم ؛ ولهذا كان الغضب
لليهود ، والضلال
للنصارى ، لأن من علم وترك استحق الغضب ، بخلاف من لم يعلم .
والنصارى لما كانوا قاصدين شيئا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه ؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه ، وهو اتباع الرسول الحق ، ضلوا ، وكل من
اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه ، لكن أخص أوصاف
اليهود الغضب [ كما قال فيهم : (
من لعنه الله وغضب عليه ) ] [ المائدة : 60 ] وأخص أوصاف
النصارى الضلال [ كما قال : (
قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " ] ) [ المائدة : 77 ] ، وبهذا جاءت الأحاديث والآثار . [ وذلك واضح بين ] . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، يقول : سمعت
عباد بن حبيش ، يحدث عن
عدي بن حاتم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500742جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذوا عمتي وناسا ، فلما أتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوا له ، فقالت : يا رسول الله ، ناء الوافد وانقطع الولد ، وأنا عجوز كبيرة ، ما بي من خدمة ، فمن علي من الله عليك ، قال : من وافدك ؟ قالت : عدي بن حاتم ، قال : الذي فر من الله ورسوله ! قالت : فمن علي ، فلما رجع ، ورجل إلى جنبه ، ترى أنه علي ، قال : سليه حملانا ، فسألته ، فأمر لها ، قال : فأتتني فقالت : لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها ، فإنه قد أتاه فلان فأصاب منه ، وأتاه فلان فأصاب منه ، فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيان أو صبي ، وذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر ، فقال : [ ص: 142 ] يا عدي ، ما أفرك أن يقال لا إله إلا الله ؟ فهل من إله إلا الله ؟ قال : ما أفرك أن يقال : الله أكبر ، فهل شيء أكبر من الله عز وجل ؟ . قال : فأسلمت ، فرأيت وجهه استبشر ، وقال : المغضوب عليهم اليهود ، وإن الضالين النصارى . وذكر الحديث ، ورواه
الترمذي ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، وقال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه . قلت : وقد رواه
حماد بن سلمة ، عن
سماك ، عن
مري بن قطري ، عن
عدي بن حاتم ، قال :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله : ( غير المغضوب عليهم ) قال : هم اليهود ( ولا الضالين ) قال : النصارى هم الضالون . وهكذا رواه
سفيان بن عيينة ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
الشعبي ، عن
عدي بن حاتم به . وقد روي حديث
عدي هذا من طرق ، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها . وقال
عبد الرزاق : أخبرنا
معمر ، عن
بديل العقيلي ، أخبرني
عبد الله بن شقيق ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500744أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى ، وهو على فرسه ، وسأله رجل من بني القين ، فقال : يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ قال : المغضوب عليهم - وأشار إلى اليهود - والضالون هم النصارى . وقد رواه
الجريري وعروة ، nindex.php?page=showalam&ids=15804وخالد الحذاء ، عن
عبد الله بن شقيق ، فأرسلوه ، ولم يذكروا من سمع النبي صلى الله عليه وسلم . ووقع في رواية
عروة تسمية
عبد الله بن عمر ، فالله أعلم .
وقد روى
ابن مردويه ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12377إبراهيم بن طهمان ، عن
بديل بن ميسرة ، عن
عبد الله بن شقيق ، عن
أبي ذر قال :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم قال : اليهود ، [ قال ] قلت : الضالين ، قال : النصارى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17058مرة الهمداني ، عن
ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : (
غير المغضوب عليهم ) هم
اليهود ، ولا الضالين ) هم
النصارى .
وقال
الضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، عن
ابن عباس : (
غير المغضوب عليهم )
اليهود ، ولا الضالين )
[ ص: 143 ] [ هم ]
النصارى .
وكذلك قال
الربيع بن أنس ، nindex.php?page=showalam&ids=16327وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد ، وقال
ابن أبي حاتم : ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافا .
وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن
اليهود مغضوب عليهم ،
والنصارى ضالون ، الحديث المتقدم ، وقوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في سورة البقرة : (
بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ) [ البقرة : 90 ] ، وقال في المائدة
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ) [ المائدة : 60 ] ، وقال تعالى : (
لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة : 78 ، 79 ] .
وفي السيرة عن
زيد بن عمرو بن نفيل ؛ أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى
الشام يطلبون الدين الحنيف ، قالت له
اليهود : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله . فقال : أنا من غضب الله أفر . وقالت له
النصارى : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله فقال : لا أستطيعه . فاستمر على فطرته ، وجانب عبادة الأوثان ودين المشركين ، ولم يدخل مع أحد من
اليهود ولا
النصارى ، وأما أصحابه فتنصروا ودخلوا في دين النصرانية ؛ لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذاك ، وكان منهم
ورقة بن نوفل ، حتى هداه الله بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي ، رضي الله عنه .
( مسألة ) : والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما ؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة ، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم . وأما حديث : أنا أفصح من نطق بالضاد فلا أصل له والله أعلم .